“راي. كان أمري واضحًا: لا تُلقِ بالًا بي، بل اقتل أولئك الأوغاد.”
[سيدتي.]
“ماذا!”
[صحيح أنني من بين الأرواح أكثر ميلًا إلى الحرية، غير أنّ للأولويات وزنها. فأعظم مهمة نحملها، أنا وسائر الأرواح بلا استثناء، هي حماية السيد. ليست مهمتنا قتل الآخرين.]
“تبا… حسنًا! لقد حفرت ملامحهم في ذاكرتي. سأقبض عليهم ولو بتسليمهم لحرس الأمن!”
خطر في بالي صور الملصقات المعلقة على الجدران في كل مكان، تلك التي تحمل وجوه المطلوبين.
وكثير من الصيادين والمرتزقة لا يطاردون إلا من عليهم جوائز، فإن عُلِّقت مكافأة ففرص القبض عليهم سترتفع.
ولأنهم لم يتعرضوا لي وحدي، بل لإيروز أيضًا، فسبل المطاردة متاحة.
بل ربما يعلن والدَا إيروز عن جائزة ضخمة للقبض عليهم.
وإن كان آش فعلًا، ولو على سبيل الاحتمال البعيد، من سلالة ملكية… عندها ستندلع الفوضى!
وهكذا بدا جليًا أنّ هذه الحادثة لا يمكن أن تمرّ بصمت.
التعرض لأمير من السلالة الملكية أمر يكفي لإبادة أسرة بأسرها.
“هذا يذكّرني… أين إيروز؟”
[وكيف لي أن أعلم بحالها؟]
“آه، ما أضعف جدواك.”
بعد يومين من الغيبوبة لم يبقَ لي سوى سيل من التساؤلات.
هل يوجد إيروز وآش في غرفة أخرى؟
التقطتُ شمعدانًا من فوق الطاولة وغادرت الغرفة.
لقد كان في صدري من الهواجس ما يمنعني من البقاء ساكنًة.
طوال مرضي ظل سؤال يلحّ عليّ:
آش، لماذا أنقذتني؟ لم نلتقِ من قبل، وأنا لستُ شيئًا لك، كما أنك لستَ شيئًا لي.
فلماذا تُلقي على كاهلي هذا العبء؟
أيّ سببٍ يدفعك إلى المجازفة بحياتك من أجلي؟
كان الممر الذي خرجت إليه غارقًا في ظلام حالك، كأن الليل قد بلغ ذروته.
ولولا وجود راي إلى جواري، ربما تسلّل إليّ شيء من الخوف.
[أسمع أصواتًا قادمة من ذلك الاتجاه.]
وبينما خطوت حيث أشار راي، أدركت فجأة أنني كنت حافية القدمين.
لكنني واصلت السير.
“…نعم. لقد سمعتم مثلي.”
“مستحيل… أتقول إن ذلك الفتى كان حقًّا صاحب السمو الأمير؟”
“ولهذا السبب طُلب منّا أن نُبقي الأمر سرًّا.”
“يا إلهي…”
كان الواقفون عند أسفل الدرج شخصين أعرفهما حق المعرفة: المعلمة إيريتو، وقائد الفرسان تونيل. فتقدّمت نحوهما أكثر.
“ألستَ أنت نفسك، سيدي القائد، من قال يومها إن شعار الفرسان الذين جاؤوا لاصطحاب الفتى يعود إلى العائلة الإمبراطورية لإيلان؟”
“قلت ذلك، نعم… لكن من كان يتصور أن صبيًّا أُنقذ من تاجر رقيق قد يكون من السلالة الإمبراطورية المباشرة؟”
“وأنا كذلك. لكن أولئك الذين جاؤوا اليوم… ……….”
كان الاثنان يتبادلان الكلام خافتًا، فلمّا أبصراني، انتفضا وتوقفا عن الكلام.
“جيني، لقد استيقظتِ.”
تملكني قلق جارف زاد من عجَلتي. دنوت من المعلمة إيريتو، وحركت شفتيّ اليابستين بصعوبة:
“معلمة… أين آش؟”
ولسبب لم أفقهه، جثت المعلمة إيريتو أمامي، ومسحت بخدّي بيدهغ، وقد امتلأت عيناها بالأسى.
فأعدت السؤال بإلحاح:
“آش بخير؟ أين هو؟”
“…آش، صاحب السمو أبييروس، قد عاد إلى القصر. لن تستطيعي لقاءه بعد الآن.”
“لا! هذا لا يمكن!”
“جيني…”
“أنا ما زلتُ… لم أقل له شيئًا بعد…”
لم أقل له كلمة شكر بعد.
ولم أنعته بالأحمق أو الغبي… كلمات ما كنتُ لأقولها عادة، لكنها كانت لتخفي امتناني العميق له… ومع ذلك لم أقل شيئًا.
لم أقل شيئًا على الإطلاق.
“حتى الوداع… لم أودّعه!”
كان من المستحيل أن أستوعب الأمر. أن يرحل هكذا إلى مكان لا تطاله يدي…
بعد أن صار، رغم إرادتي، شخصًا يستحوذ على قلبي بهذا الشكل!
“جيني؟ عليكِ أن تنسي ما حدث في ذلك اليوم.”
“…………….”
“ولا تتفوهي به لأحد، في أي مكان. أتفهمين؟”
كان وجه المعلمة إيريتو متجهمًا على نحو نادر، إذ أمسكت بكتفيّ بقوة وأرغمتني أن أنظر إليها مباشرة.
وفي عينيها تحذير صريح: لا مجال للتهاون في هذا الأمر.
“أنت فتاة ذكية، وتفهمين جيدًا ما أعنيه، أليس كذلك؟”
عضضت شفتي بقوة.
نعم… اختطاف أحد أبناء السلالة الإمبراطورية على يد تاجر رقيق لا بد أنه عارٌ فادح.
أجل! لا شك أنهم يريدون أن يُمحى كل شيء، أن يُطوى كأن لم يكن، وألّا يُفشى أمر كهذا…
لكن أليس هذا ظلمًا فادحًا؟!
كنت غاضبة حدّ أنني لم أدرِ ما الذي انتُزع مني أصلًا.
“جيني، لقد أوصاني أن أنقل لك شكره.”
“آش… هو الذي قال هذا؟”
“نعم. قال: أشكريها لأنها أنقذتني، وبلّغيها أنني سأردّ لها الجميل يومًا ما. هذا ما أراد مني أن أبلغه لك. بل حتى أراد أن يترك لك رسالة مكتوبة… لكن يده………….”
توقف صوت المعلمة إيريتو فجأة، فعَصَف في داخلي شعور غريب. لم أستطع أن أوقف الدموع التي غمرت عينيّ من تلقاء نفسها.
أكثر ما تجلّى أمام ناظري لم يكن وجه آش، بل ذلك النصل الذي اخترق كفّه الصغير.
كلما تذكرت المشهد، شعرت بألم في يدي، بخوف، برعب يتسلل إلى قلبي… حتى فاضت الدموع وأنا أرتجف.
وانحبس صوتي في حلقي، ثم خرج مرتجفًا متقطعًا:
“يده… يد آش، ماذا حلّ بها؟ هل يمكن علاجها؟ لقد حدث ذلك بسببي…”
“…لا أدري يا جيني.”
“كيف يفعل بي هذا؟! هو الذي أنقذني! أنا من كان ينبغي أن أشكره! أنا… أنا فقط…!”
كنت قد التزمت الصمت حتى لا أتلقى الضربات، كنت أرجو فقط أن ينتهي كل شيء بسرعة… ومع ذلك…
كان السبب في أن آش هاجم تجّار العبيد هو أنهم حاولوا جرّي أنا وإيروز معهم.
آش كان بيننا نحن الثلاثة الأكثر حماقةً… والأكثر شجاعةً أيضًا.
“بما أنه من السلالة الإمبراطورية فسيحصل حتمًا على أفضل علاج. لعلّه… لعلّه يكون بخير. هيا لندعُ له معًا، يا صغيرتي.”
“…أريد أن أكتب رسالة لآش.”
هزّت المعلمة إيريتو رأسها بأسى.
“لماذا!”
“لن تتمكني من إرسالها يا جيني. العائلة الإمبراطورية…”
خفَت صوتها شيئًا فشيئًا:
“لا يريدون أن يُذكر هذا الأمر مطلقًا. لن يسمحوا بوصول رسالتك، ولا بلقائه.”
كان العبء على قلبي أثقل مما أطيق، حتى شعرت بأنفاسي تتقطع كما لو كنت أختنق.
حاولت أن أكبح دموعي فعضضت شفتي بقوة، وأنا واثقة أن ملامحي صارت مشوّهة بالقبح.
“جيني… عليكِ أن ترتاحي الآن. ما تحتاجينه قبل كل شيء هو السكينة.”
“…وإيروز؟”
“أصابتها بعض الكدمات الطفيفة، لكنها بخير الآن.”
“هل ودّعت إيروز آش؟”
“لم تلتقِ به أيضًا. أولئك الناس… ما إن وصلوا حتى أخذوا آش معهم مباشرة.”
كانت المعلمة إيريتو ممسكًة بكلتا يديّ، تحاول أن تواسيني بصوت يفيض بالقلق، غير أنّ كلماتها بالكاد وجدت طريقها إلى سمعي.
لم يكن يشغلني سوى فكرة واحدة: كيف أستطيع أن أرى آش من جديد؟
لم أستطع أن أستوعب أن الأمر سينتهي هكذا فحسب.
“وجهكِ شاحب جدًا يا جيني. هيا، عودي الآن إلى غرفتك واستلقي قليلًا، حسنًا؟”
“…………”
“لقد أصبتِ بجروح داخلية خطيرة، وعليك أن ترتاحي. تحتاجين إلى راحة أسبوعين كاملين، ولن تتمكني من دخول المسابقة. لحسن الحظ، ليو سيتولى الأمر مكانك…”
“المسابقة…”
“ألم تكوني أصلًا تكرهين المشاركة فيها؟ دعي الأمر جانبًا الآن، فالأهم أن تستعيدي صحتك.”
صحيح، ما كان لي أدنى اهتمام بتلك المسابقة من قبل.
قتال أطفالٍ يتجمّعون للتباهي لا يمكن أن يكون ممتعًا.
لكن الآن… شعرت أنّها صارت ضرورة قصوى.
“سأشارك.”
“جيني؟ قلت لكِ إنك بحاجة إلى الراحة.”
“سأشارك مهما كان الثمن!”
سأشارك… وأفوز بجائزة.
جائزة عظيمة، لا تقل عن أكبر الجوائز.
كان صوتي ممتلئًا بالعزم على نحو لم يكن من قبل.
“يجب أن أفوز بالجائزة. فحينها أُمنح لقاء الإمبراطور، أليس كذلك؟”
فقد جرت العادة أن يتسلم الفائز في المسابقة شهادة تكريم ممهورة باسم الإمبراطور نفسه.
وفوق ذلك، يخصّه الإمبراطور بامتيازٍ نادر: أن يطلب منه أمنية واحدة.
وغالبًا ما كان الفائزون يطلبون سلاحًا نفيسًا، أو رتبةً أرستقراطية أعلى.
لكن بالنسبة إليّ، بدا ذلك الطريق الوحيد… الوحيد الذي قد يتيح لي لقاء آش من جديد.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات