لم يكن مسموحًا أن يهدأ قلبي لمجرد سماع صوت مألوف، أو لمجرد الاطمئنان إلى أن “راي” يحمي “إيروز “.
ــ “آنسة كروويل!”
حتى لو كنت شاردة الذهن لأن الدم كان يتدفق من فمي وأحاول كتمانه، وحتى لو غفلت للحظة حين فتح “آش” عينيه بين ذراعي…
ــ “أيتها الوغدة!”
استدارت عيني نحو مصدر الصوت، كأنها قد انجذبت إلى صرخة تشبه العويل.
بدا وكأن المرأة قد قذفت نحوي شيئًا.
في تلك اللحظة خطر “راي” على بالي، لكن سرعة الخنجر المنطلق كانت هائلة. أهو نفس السكين الذي كانت تهدّد به “إيروز “؟
ومض بياضٌ خاطف واقترب.
سوف أموت إذن… على هذا النحو السخيف.
ذلك ما فكرت به، حتى إني لم أستطع أن أغمض عيني.
تناثر دمٌ قانٍ.
* * *
لكنّه لم يكن دمي. ذلك الشيء الذي اندفع في تلك اللحظة لم يكن “راي”.
ــ”آش!”
كانت يداً صغيرة جدًا.
صرخة الألم الحادّة لذلك الطفل اخترقت أذني، وفي اللحظة نفسها أبصرت النصل الحاد وهو يخترق تلك اليد.
ــ “آااخ! أُغ… أخ…”
آش.
آش!
لماذا فعلت ذلك؟!
حدقت فيه مذهولة، عاجزًة عن استيعاب ما حدث، وهو يطوي جسده من شدّة الألم قابضًا بكفه المخترقة، يتأوّه ويتلوّى.
كان آش، من شدّة ما يعانيه، يلهث محاولًا أن ينتزع الخنجر المغروس في يده.
ــ “لا! لا تنزعه!”
أفقت عندها، وأسرعت لأوقفه.
هل هذا الصغير غبي إلى هذا الحد؟ لو كنت مكانه ما أنقذتك! لما اخترت أن أُصاب بسكينٍ بدلاً عنك!
ــ “آه… يؤلمني…!”
ــ “تحمَّل قليلًا… لا تنزعه بتهوّر! الفرسان قادمون… لذا، أظهره لهم أولًا…!”
وانفجرت دموعي فجأة.
دموع لم أجد لها سببًا. ربما من شدة الاضطراب، من ضيق النفس والاختناق والوجع.
كل شيء بدا لي متزلزلًا حتى إني انفجرت من جديد، ومجهودي انسكب دمًا.
[يا سيّدتي!]
التفتُّ، فلم تكن المرأة هناك. يبدو أنّها ما إن رمت الخنجر حتى هربت، ولم يبقَ سوى الباب الخالي.
ــ “راي… لاحقها.”
[ولكن يا سيّدتي، هل ستكونين بخير وحدك؟]
ــ “بلا جدال! لاحقها، وعُد بعدما تقتلها.”
[آه، أنا لست بارعًا في التتبع…]
ــ “الآن، فورًا.”
كان الغضب يغلي في صوتي حتى شعرت وكأن الدم يفور في حلقي.
فاندفع “راي”، مثخنًا بالجراح، يزحف ببطء خارج الزنزانة وقد بدا عليه التردد.
ــ “هناك! إنّه ثعبان الآنسة كروويل!”
كان ذلك آخر ما علق في ذاكرتي قبل أن أفقد وعيي.
وأظنني سقطت فوق جسد “آش”.
* * *
لا أدري على وجه اليقين، لكنني كنت طوال الوقت أتيه في مكان عميق ما.
كنت غارقًة في ماءٍ حار، أدور وأدور بلا نهاية، وأهبط إلى الأسفل دون أن أعلم متى سأرتطم بالقاع، فكان الخوف من ذلك يملأني توترًا.
شعرت مرارًا بالقشعريرة من ذلك الإحساس بالعجز الذي يجذبني إلى الأعماق، ثم في لحظةٍ ما… فتحت عيني.
بلمح البصر، فتحت عيني فإذا بي في جوف الليل.
“…….”
كانت الغرفة مظلمة.
يبدو أنّها كانت غرفتي في النُزُل.
رغم أنّ النافذة أُسدلت ستائرها بإحكام، فقد أدركت من سكون المكان، ومن برودة الهواء الساكنة المائلة إلى الرطوبة، أنّ الوقت كان ليلًا متأخرًا.
كنت ممددًة على السرير، مرتديًة ثوب نومٍ نظيفًا. وما إن حاولت النهوض حتى انزلق المنديل المبتل الموضوع فوق جبيني وسقط على اللحاف.
كان جسدي مثقلاً وواهنًا، حتى إنّني لم أستطع أن أتبين الأمور على وجهها لبضع لحظات.
[سيّدتي.]
وبينما كنت جالسًة شاردًة، خرج “راي” من تحت اللحاف.
عندها فقط شعرت برأسي يعود إلى الاتزان قليلًا.
ولما مدّت الأفعى البيضاء لسانها نحوي، أحسست براحة غريبة في ذلك.
[لقد لازمتك الحمّى طويلًا.]
ــ “أنا؟”
[نعم، لقد أرهقتِ نفسكِ. إصاباتك الداخلية كانت شديدة، فارتفعت حرارتك. لقد غبتِ عن الوعي يومين كاملين، حتى إنّ الكهنة جاؤوا لزيارتكِ في النهار.]
ــ “لا أذكر شيئًا بوضوح.”
صحيح… إذن ما كان يوجع رأسي هو الحمّى.
وضعت يدي على جبيني وأنا أحاول استرجاع ما علق بذاكرتي، غير أنّها كانت كلها مشوشة.
لم أستطع أن أتذكر سوى أنّني كنت أعاني من عطشٍ دائم، وأنّ أحدهم لقّمني شيئًا يشبه الدواء.
وما إن وعت نفسي أنني مريضة حتى بدأ بطني ينبض بألمٍ فظيع.
كم سمعت عن شدّة الأوجاع الداخلية… وها أنا أختبرها بنفسي.
ــ “أوه… آش كيف حاله؟”
[آش؟]
ــ “نعم، هل آش بخير؟”
[لا أعرف من تقصدين.]
ــ “الفتى ذو الشعر الأسود، الذي كان معي.”
[آه… الذي كان هناك…]
تظاهر “راي” بالتفكير لحظة، ثم هزّ رأسه الصغير متردّدًا.
[لست أدري. حين عدت إليكِ كنتِ في هذه الحالة، فلم أستطع الالتفات إلى غيركِ.]
ــ “ومضى على ذلك كم يوم؟”
[يومان.]
عندها نهضت من السرير.
وبمجرد أن لامست قدماي الأرض، أدركت سوء حال جسدي… ما أصعب أن أقف على قدمي هكذا!
[لا تُجهدي نفسك.]
ــ “أنتَ… يا راي.”
[نعم؟]
ــ “ماذا فعلتَ بأولئك البشر؟”
[…… إيـهِـهِـ؟]
…هذا الحقير، من أين تعلّم هذه الحركات الطفولية السخيفة التي لا تليق به؟
ــ “قلت لك أن تقتلهم وتعود!”
صرختُ بصوت منخفض، لكن حتى هذا وحده جعل معدتي تنقلب وكدت أتقيأ.
أوه… ما أقسى هذه الحالة التي لم أعهدها من قبل.
[طاردتُهم فعلًا، لكن كما تعلمين يا سيّدتي… أنا لا أُجيد الحركة في الأماكن الواسعة. لو كان المكان ضيقًا يسمح لي بالقفز لكان مختلفًا.]
ــ “قل الخلاصة فقط.”
[كانوا سريعين جدًا، أولئك البشر.]
ــ “لكنك سريع أيضًا.”
[زحفي على الأرض له حدود من حيث السرعة. وفوق ذلك، كانت هناك أبواب سرّية لا تُحصى، ولكي أعبرها كان يلزمني أن أتحوّل إلى هيئة سائلة، وهذا غير ممكن من دون مانا السيّدة.
ثم، ويا للأسف، صادف أن الوقت كان موسم مهرجان، والشوارع مكتظة بالبشر، فلم أستطع تمييز آثارهم وسط الضجيج.]
في النهاية، كان “راي” يسرد مطوّلًا أعذارًا يبرر بها فشله.
[وحين تمكّنت أخيرًا من العثور على أولئك البشر، كانوا قد امتطوا الخيل وغادروا خارج أسوار القلعة. فلم أستطع أن ألاحقهم أكثر. الابتعاد عنكِ لمسافة أبعد من ذلك أمر يبعث القلق في نفسي أيضًا.]
ــ “لا تُضحكني. ألم أرك تتجوّل وحدك بكل راحة؟”
[ليس صحيحًا. أنا أحافظ دائمًا على مسافة ثابتة من سيّدتي. أيعقل أن أطاردهم حتى بلادٍ أخرى لمجرد القبض عليهم؟]
يا للغرابة… لمجرد أنّه لم يتمكن من قتلهم، كنت أشعر بغضب جارف.
ولأول مرة في حياتي، غمرني حقدٌ صافٍ يدفعني إلى القتل، حتى إنني أطبقت أسناني غيظًا دون أن يخطر لي أن أتراجع عنه.
Princess Moon
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 66"