أن يُخنق المرء تدريجيًا تحت وطأة قوة طاغية، لا بد أن يكون ذلك شعورًا يُقربه من الموت.
كنت أعرف شيئًا من ذلك الخوف.
ذلك الإحساس بأن الموت يقترب مني رغمًا عن إرادتي.
[سيدتي، هل أقتله؟]
كان راي يسأل عن حدود الحرية التي منحتُها له.
فلم أسمح له قط بقتل إنسان من قبل.
لكن، لا شك أنه سيقتل يومًا ما.
فهذا العالم… هكذا هو.
عالم يقوم على القتل والموت، إن لم تقتل تُقتل.
“لكن… هل حان ذلك الوقت الآن؟”
وقد غدا الحيز الضيق في الغرفة مفعمًا برائحة الدم.
في هذه اللحظة، كان الوحيدون الذين لا يزالون يحتفظون بوعيهم داخل الغرفة أنا وراي، وذلك التاجر من تجار العبيد.
أما بقية تجار العبيد، فقد سقطوا منذ زمن بعيد، برغوة في أفواههم، غير قادرين على احتمال الألم الذي أهداه لهم راي.
حتى إيروز على ما يبدو، فقدت وعيها حين طُرحت بعنف إلى الجدار.
و آش كذلك، لم يكن يتحرك، وكأنه بلا وعي.
“آش…”
كنت قلقة على الاثنين معًا، لكن قلقي كان أشد على آش، لأنه نال الضرب الأكبر.
حين هاجم راي أولئك الرجال، كان آش قد طُرح أرضًا بقوة وبقي ملقى هناك.
قلبت جسده الصغير الممدد على الأرض الباردة، فبدا مترهلاً تمامًا، حتى ظننت لوهلة أنه قد يكون مات.
ولحسن الحظ، كان لا يزال يتنفس.
لكن الاطمئنان لم يدم طويلاً.
فوجهه الذي لمسته وأنا أزيح خصلات شعره لأتأكد من تنفسه، كان كفيلًا بأن يشعل في صدري غضبًا شديدًا.
الوجه الهادئ البريء لذلك الفتى الذي رأيته للحظة من قبل، قد اختفى تمامًا.
والذي بقي مكانه كان وجهًا متورمًا ومغطى بالدماء، أشبه بجثة.
شعرت كأنهم عانوا أكثر في اللحظة التي كنت فيها أنا أعض على أسناني وأتظاهر بالهدوء كي لا أُضرب أنا الأخرى.
إحساس بارد غريب تسلل إليّ، وسرعان ما غمرني تمامًا.
“أ- أرجوك… أنقذيني… أرجوك!”
حين نظر ذلك الرجل إلى رفاقه الممددين على الأرض بفظاعة، ثم بدأ يتوسل إليّ من أجل حياته، لم أستطع إلا أن أجد في ذلك سخريةً لا تُحتمل.
آش وإيروز صارا إلى هذه الحال بسببه، فهل حياته وحدها ثمينة؟
إنسان… يحاول بيع إنسان، ثم حين يُهدد هو، تصبح حياته عزيزة فجأة؟
هل الحياة ثمينة حقًّا؟
الجواب، في الحقيقة، معروف سلفًا. لكن كثيرين لا يلتزمون به.
كما يفعل من يتاجر بالبشر، مع أن ذلك خطأ بيّن، إلا أنه ما زال منتشرًا.
“راي.”
[نعم، سيّدتي.]
“هل الأفضل أن أقتله؟ أم أن أحطّم أنفه فقط؟”
أشد ما تأذى من وجه آش كان أنفه.
كان يلهث بصعوبة، كأن عظام أنفه قد تهشمت من الضربات، فمددت يدي وفتحت شفتيه كي يتمكن من التنفس.
عندها فقط، بدأ يتنفس من فمه، بأنفاس واهنة وضيقة تكاد لا تُسمع.
[من وجهة نظر هذا الرجل، فالخيار الثاني أفضل، أليس كذلك؟]
“إذًا افعل ذلك.”
[أمركِ!]
لم أشعر بشيء يُذكر.
عاد إليّ ذلك الإحساس الذي اختبرته مرة من قبل: عقلي يبرد ببطء، وقلبي يتجمّد تدريجيًا…
عندما كدت أموت بسبب سرب من النحل، شعرت بشيء مشابه تمامًا لهذا الإحساس.
حينها أدركت، ببساطة مؤلمة، أنك إن لم تقتل فستموت.
“انتظر! لا، لا تف— كهاااخ!”
لم أرمش حتى. كل ما سمعته كان صوت تحطم عظمة أنف الرجل.
تبع ذلك أنين غارق في الألم.
كنت أحدّق في آش، ثم نظرت إلى إيروجي، وبعدها إلى بقية تجار العبيد الممددين حولي.
أن تنظر إلى الآخرين، وأن تنظر إلى أصدقائك، هما تجربتان مختلفتان تمامًا.
أن ترى الألم على من تعرفه، يجعلك تشعر به على نحو أعمق وأكثر واقعية.
حتى الموت… لا يبدو واحدًا في كل الحالات.
أما الأوغاد… فليذهبوا إلى الجحيم. لا يهمني أمرهم.
“هل أقتله فحسب؟”
[فكرة رائعة أيضًا!]
“حتى لو أبقيته حيًا، فسيظل تاجر عبيد.”
حين التقت عيناي بعينيه، كان الرعب يملأهما.
ولما أدرك الرجل أن راي لا يتحرك إلا بأمري، خرّ فجأة على ركبتيه، ممسكًا ما تبقى من أنفه الذي كانت الدماء تسيل منه بغزارة.
وبدأ يتوسل لي، أنا… فتاة صغيرة، شبه باكي، مستجديًا بكل ما أوتي من رجاء:
“سأبقى… أتوسل هكذا، فقط أرجوكِ!”
كان صوت الرجل يبدو وكأنه ضحية بكل ما للكلمة من معنى.
مع أنه، قبل بضع دقائق فقط، كان يحاول بيع أطفالٍ كعبيد بكل وقاحة.
راي، وقد ظن أنني ما زلت أفكر في القرار، رمقني بنظرة تسأل: ‘ما الذي ينبغي أن نفعله الآن؟’
“همم… لا، لا أعتقد أن هذا ممكن. تجار العبيد أناس سيئون بلا أدنى أمل في الإصلاح، أليس كذلك، راي؟”
[بكل تأكيد!]
“أتمنى أن لا تولدوا كبشر في حياتكم القادمة.”
لم يكن اتخاذ القرار صعبًا.
على أي حال، حين بصل الفرسان، سيُقتلون جميعًا.
فهم قد اختطفوا نبلاء، وذلك وحده كافٍ لحكمٍ بالإعدام الفوري.
شخص مثل هذا، حتى لو اختفى من هذا العالم، فلن يضيره بشيء… بل ربما يكون ذلك نفعًا له.
شدّ راي جسده استعدادًا، وفي اللحظة التي انطفأت فيها عينا الرجل بيأس وألم مطلقين—
“توقف.”
[سيّدتي؟]
توقف راي، وقد تجمّد في مكانه بدهشة من أمري المفاجئ.
[هاه؟!]
ثم، لما رأى ما رأيته، بدا عليه الارتباك الشديد.
وذلك لأن امرأةً ما كانت قد رفعت إيروز من حيث كانت ممددة قرب الجدار عند الباب، وأمسكتها بين ذراعيها، ثم وضعت خنجرًا على عنقها.
متى دخلت؟
لم أشعر بوجودها إطلاقًا.
حتى لو افترضنا أنني لم ألاحظها، فـ راي كان ينبغي أن يرصدها.
“راي.”
ناديتُه بنبرة ضيق، فبدأ يبرّر، وهو لا يزال معلّقًا برقبة الرجل كربطة عنق.
[آه، في الواقع… كنتُ منهمكًا تمامًا بما يحدث هنا، ولهذا…]
[ومن طلب منك تبريرًا؟]
[أعتذر، سيّدتي! لكن تلك المرأة، حتى الآن، بالكاد يمكن الإحساس بوجودها! لا شكّ أنها قاتلة مأجورة… أو لصّة محترفة!]
هل جاءت بسبب الصراخ؟
أنزلت رأس آش الذي كان مستندًا على ركبتي، ووضعته برفق على الأرض، ثم نهضت ببطء.
كانت عينا المرأة قذرتين تمامًا… باردتين ومليئتين بالعدائية.
“أيتها الصغيرة.”
وكما هو متوقّع، لم يكن صوتها ودودًا أبدًا.
كانت المرأة الغريبة تتعمّد أن تُظهر لي السلاح بوضوح.
نصل الخنجر الحاد يلمع ببرود تحت عنق إيروز، ليؤكد تهديدها.
“اتركي أخي بينما لا زلت أقولها بلُطف.”
“هَه، وأين في هذا الكلام ما يُسمّى حديثًا لطيفًا؟”
أليست تهديدًا صريحًا؟!
***
“سأحذّرك فقط. إن قتلتِ أخي، فسوف تشاهدين بعينيك كيف تُكسر رقبة صديقتك.”
تهديد آخر، كما توقعت.
الوضع كان سيئًا من جميع الجهات. ليس فقط لأن إيروز أصبحت رهينة، بل لأن طعمًا لاذعًا ومعدنيًا أخذ يتصاعد في حلقي مع كل لحظة تمر.
كانت تلك بداية أعراض إصابة داخلية ناجمة عن الاستخدام المفرط للمانا.
لهذا السبب بالذات، كان من المفترض دومًا أن أُبقي قدرًا منها محفوظًا للطوارئ.
“تُف!”
بصقت المائع المقزز الذي تجمع في فمي، ثم شبكت ذراعيّ وأخذت أتصنّع الهدوء قدر استطاعتي.
ربما كانت أوندينه قد اقتربت كثيرًا الآن، لأن كمية المانا المتسربة مني بدأت تنخفض بوضوح، ومع ذلك، ما تبقّى لدي لم يكن كافيًا ليصمد حتى بضع دقائق.
كانت طاقتي السحرية قد وصلت إلى أقصى حدودها، وإن واصلت استنزافها، فالأغلب أنني سأتقيأ دمًا قريبًا.
لم أعد واثقة من قدرتي على التحمل.
هل يمكنني الصمود… إلى أن يصل الفرسان؟
“وإن قلت لا؟”
“هاه، هل ترغبين في رؤية صديقتك تموت؟”
“سأردّ لكِ كلامك بالحرف. إن لم تريدي رؤية أخيك يموت، فأطلقي سراح صديقتي فورًا.”
كانت المرأة ذات شعر أحمر قانٍ وعينين برتقاليتين، ومظهرها الخارجي لا يخلو من الإثارة والجاذبية المفرطة، لكنها في نظري لم تكن سوى ضبع خسيس، أنثى ضبع متوحشة.
“سأقولها مجددًا، أيتها الصغيرة. لو جرحت هذا المكان، سيموت الإنسان. لا يهم كم تدرب جسده، لن يُجدي ذلك شيئًا…”
“وهذا ينطبق على أخيكِ أيضًا، أليس كذلك؟ إن انكسرت رقبته، سيموت.”
طَق.
“أختي…”
الرد على التهديد… تهديدٌ آخر.
بإيماءة صغيرة من عيني، شدّ راي قبضته على عنق الرجل أكثر، يلتف حوله كربطة مشنقة، وذيله يتمايل بمرح كما لو كان كلبًا في مزاج جيد.
“…رأيت كثيرين يروّضون الأفاعي، لكن كهذه الأفعى… هذه أول مرة.”
“أفعاي ليست سيئة، أليس كذلك؟”
كلانا كان يتظاهر بالهدوء… مَن يملك اليد العليا؟ لا أحد متأكد.
لكن عينا المرأة التي خُطف أخوها ظلت تجوب أجساد تجار العبيد الآخرين، الذين تحطمت أطرافهم على يد راي.
لم تحتج إلى الكثير من الوقت لتدرك… ما الذي يمكن لـ راي أن يفعله.
قالت المرأة مقترحة:
“أعدكِ، إن تركتِ أخي، فسأطلق سراحكم بسلام.”
ثم أشارت بيدها إلى بقية تجار العبيد الذين تجمعوا عند الباب دون أن نشعر، وكأنها تقول لهم أن يراقبوا من هو في الموقف الأضعف.
أتظنني غبية؟
“ومن سيصدق هذا الكلام؟”
ملاحظة المترجمة: رجعت اسم ايروجي الى إيروز، احس ايروجي غريب ومو انثوي ابد ما له رنين حلو، فمعليش على اللخبطة بس برجع لاستخدام اسم إيروز احلى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 64"