*الفصل 62*
“حقاً؟ متى سيأتون؟”
“لا أعلم ذلك، لكن يبدو أن هناك أحدًا من جماعتنا أو من فرقة الحراسة في مكان غير بعيد.”
كان من الصعب إدراك مرور الوقت، لكن بدا أن أوندين لم تخرج من الغرفة منذ وقت طويل.
في أقصى تقدير، عشر أو خمس عشرة دقيقة ربما.
“فهمت، ولكن…”
وبعد أن اعتادت عيناها تمامًا على الظلام، باتت تستطيع رؤية ملامح إيروجي بوضوح.
كما استطاعت تمييز ميلان رأس إيروجي باستغراب.
وذلك لأن هناك بعض الضوء الخافت يتسلل من عند الباب.
“على ذكر ذلك، أين نحن الآن؟”
“…وأنتِ تجهلين هذا كله وتبدين بهذا الهدوء!”
“لأنني أجهل، فأنا هادئة.”
“لقد تم اختطافنا!”
“آه، هذه أول مرة يُختطفني فيها أحد! إخوتي الكبار تعرضوا للاختطاف من قبل.”
كان من الواضح أن إيروجي غريبة الأطوار بعض الشيء. عالمها العقلي يبدو عصياً على الفهم.
“إذاً، هل اختطفونا من أجل الفدية؟”
“لا أظن ذلك. لقد أمسكوا بنا في الطريق، فكيف لهم أن يعرفوا أنكِ من عائلة فايرو؟”
“هممم؟ إذًا لماذا؟”
“لبيعنا طبعاً…”
“وأين سيبيعوننا؟”
“حقاً، إلى أين ينوون بيعنا؟”
يا لهما من ساذجان.
بدا لي أنهما هادئان بشكل مفرط، لكن في الحقيقة، كان من الواضح أنهما لم يكونا يفكّران في أي شيء مطلقاً.
زهرتان ناعمتان نبتتا في بيت زجاجي، لا أكثر. هل كانا فقط عاجزين عن إدراك مدى خطورة الوضع؟
خاصة آش، الذي بدا وكأنه لا يعرف حتى ما معنى أن يكون أحدهم عبداً.
تلك الطريقة التي دارت بها عيناه كانت بريئة للغاية.
“أنتم بريئون حقاً. في هذا العالم… هناك منحرفون يهوَون الأطفال.”
“هااااه؟!”
“لكني فتى!”
“وهناك أيضاً منحرفون يهوَون الصبيان الصغار.”
“أ-أليس من الممكن أنكِ فهمتِ الأمر بشكل خاطئ؟”
والآن، بدأ يرتجف كما لو أنه غصن شجرة في مهب الريح.
“ماذا كنتما ستفعلان لو لم أكن معكما؟”
“…ربما باعونا لأحد المنحرفين؟”
“هل كنت سأذكر اسم أبي؟”
بدا وكأن جروين صغيرين، لا يدركان شيئًا من شؤون هذا العالم، يرمشان بأعينهما في براءة.
وجدت نفسي أتنهد كثيرًا هذا اليوم دون أن أدري.
“كفى، آش، تعال إلى هنا وحاول فك الحبل عن معصمي.”
“هاه؟ أ-أه، حسنًا…”
السبب في أن الأمر وُجّه إلى آش دون غيره، أن إيروجي كانت يداها لا تزالان مقيدتين بينما بدت يدا آش حرتين.
وأنا أراقب آش ينفذ ما طُلب منه دون تردد، ازددت قناعة بأنه لا يمكن أن يكون أميرًا.
فهو يملك طبعًا أقرب إلى التابع منه إلى سيد.
“أنتِ… جيني، أليس كذلك؟”
“جيني كرويل.”
“شكرًا لكِ، جيني. إن خرجنا من هنا، فسيكون الفضل لكِ.”
حسنًا، جيني أو جين… فليدعوني بما يشاؤون.
“كانت أمي تقول دائمًا: ينبغي للمرء أن يعرف الجميل ويقدّره.”
“…يبدو أنها كانت امرأة طيبة.”
“نعم.”
كان الظلام يلفّ المكان بشدة، مما جعل آش يجد صعوبة في فك الحبل، فصار يعبث بأصابعي بدلًا من ذلك.
لولا أن الموقف كان طارئًا، لكان هذا اللمس محرجًا بعض الشيء.
وبينما كنت أشعر بخصلات شعر آش تلامس أسفل ذقني، تمتمتُ كأنني أحدث نفسي:
“آش، عندما نخرج من هنا، عد إلى بيتك.”
“سأعود… إلى الغابة.”
“ذلك البيت وسط الغابة… وأين يكون بالضبط؟ الغابات كثيرة، وليست واحدة أو اثنتين.”
“لا، أستطيع أن أجده!”
“يبدو أنك خرجتَ دون أي خطة. هذا تصرّف أحمق للغاية.”
لم يردّ آش، واكتفى بمواصلة لمس يدي.
فكل ذلك كان من أجل فك الحبل، لا أكثر.
“ألم تقل إن والدتك توفيت أيضًا؟ فما الذي ستفعله وحدك في الغابة؟ لم يعد هناك شيء.”
“بل هناك…! ما زالت هناك ذكريات مع أمي…”
“ربما كانت رغبة والدتك أن تعيش مع والدك، دون أن تشعر بالمرارة. أن تتلقى تعليمًا جيدًا، وألا تبقى وحيدًا.”
في تلك اللحظة، بدا أن الحبل بدأ ينفك، وسرعان ما تحرر معصمي.
أخذت أدير يدي المتنملة وأنا أتابع حديثي:
“رغم معرفتها أنك ستتعب، سلّمتك لذلك الرجل الثري – والدك – لأنها لم ترد لك أن تبقى وحدك.
وقبل كل شيء، لأنها كانت تؤمن بأنك ستتمكن من الاحتمال. أليس كذلك؟”
“أ… أتظنين ذلك؟”
“من وجهة نظري، نعم.”
“أنا لا أعلم…”
“ربما لا أحد يعرف ما كان في قلب والدتك… لكن، أليس هذا هو حال الوالدين؟ أن يتمنوا أن يصبح أبناؤهم أقوى. أن يعيشوا حياة أفضل.”
في الماضي، في حياتي السابقة التي انقضت الآن كأنها لم تكن، كنت أظن أن السبب في اضطراري للدراسة بكل ذلك الجهد هو هذا بالضبط.
لأنه كان أفضل ما يمكن أن يقدمه لي والداي.
حتى لو لم أكن أريده، حتى لو كنت أكرهه… فلا بد أنهم كانوا يؤمنون بأنه إن تمكنت من الصمود في تلك اللحظة، فستكون قوتي في المستقبل.
ولو كنت أعلم حينها أنني سأتباعد إلى هذا الحد عن تلك الأيام… لربما كنت أقل تمردًا.
“أنا أيضًا أفهم… أن أكثر الأماكن التي لا يمكننا العودة إليها، هي التي نشتاق إليها أكثر.”
“…نعم.”
“لكن الحاضر هو ما نعيشه الآن. البيت في الغابة لم يعد بالإمكان استعادته.”
“لكن… لا أعرف ما الذي ينبغي أن أفعله في بيت والدي.”
وبينما كنت أفكّ الحبل عن معصم إيروجي، رفعت كتفيّ باستخفاف.
“ألم تقل إن لك إخوة كثيرين؟ راقب كيف يتصرف أكثرهم دلالاً. ثم تصرّف بشكل أفضل منه. إن كان هدفك أن تظفر باهتمام والدك، فهذا هو الطريق.”
“هل تعتقدين أنه سيلتفت إليّ؟”
“سيحصل ذلك على الأرجح. مجرد أنه قبلك في بيته يعني أن هناك بصيص أمل، أليس كذلك؟”
“…إذا عدت، أعتقد أنني سأتعرّض للتوبيخ. لقد هربت من البيت… وتعرضت للاختطاف أيضًا…”
يا لهذا الصغير، جبانٌ حتى النخاع.
بينما كان آش يتمتم بصوت منخفض وكأن رأسه مطأطأ، أخذت أربّت على كتفه وأُعلّمه:
“فكر بالأمر… إن ضُربت، فمن المخطئ؟”
“الشخص الذي ضرب…؟”
“وإذا اختُطِفت؟”
“الخاطف.”
“بالضبط! السيئ هو من يفعل السيء! بسيط، أليس كذلك؟”
“لكن يا جيني… أنا من هربت من البيت بإرادتي.”
تلك نقطة لا يمكنني مساعدته فيها. حتى وإن كنت بارعة في التبريرات العقلية.
دووم!
“اخرجوا، أيها الأشقياء المزعجون!”
دوّى صوت ركلة عنيفة على بابٍ حديدي، فارتج المكان من شدته.
ثم دخل رجل ضخم الجثة من الباب المعدني الثقيل، بدا واضحًا من أول نظرة أن جسده الضخم يملأ المكان.
كان السجن ضيّقًا لدرجة أن وجوده وحده جعله يبدو أكثر اختناقًا.
تجمدنا جميعًا في أماكننا من شدة المفاجأة والتوتر، وعندها فقط، بفضل الضوء المتسلل من الباب المفتوح، استطعت أن أرى وجه آش بوضوح.
كنت أستغرب لماذا لم يظهر لون شعره بوضوح؛ فإذا به أسود حالكًا، كسواد الليل.
وتلك العينان الذهبيتان، المشعتان كأنهما استعارتا ضوء الشمس، جعلتني أدرك لماذا تم أسر آش.
فذلك اللون نادر الوجود في هذا العالم.
ربما لم يكن كذلك في حياتي السابقة، لكن هنا… كان الشعر الأسود الذي يملكه نادرًا للغاية، حتى بالنسبة لي، كانت المرة الأولى التي أراه فيها.
وفوق ذلك، كان الشعر الأسود رمزًا للعائلة الإمبراطورية في إيلان.
‘هل من الممكن أن يكون هذا الصغير… حقًا…؟’
ربما أولئك تُجّار العبيد لم يدركوا من يكون، وظنوه فقط صاحب لونٍ نادر فحسب، لذلك أمسكوا به.
ولو كانوا يعلمون أنه أمير، لما تجرؤوا على لمسه أصلًا.
“هَه، ألستم خارجين؟”
هدّدهم الرجل بصوته الجاف، لكن لم يتحرك أحد من مكانه. فالجميع كان يعلم أن من يُسحب من هنا، قد لا يُعرف إلى أين سينتهي به المطاف.
وفي تلك اللحظة، لم يكن لي سوى أمنية واحدة.
أوندين، أرجوك… عودي بسرعة!
“الأفضل لكم أن تخرجوا بأنفسكم، قبل أن أُجبِركم.”
“ل-لا أريد!”
كان آش من صرخ بذلك، عاليًا وبكل ما أوتي من قوة.
فاجأني ذلك… كنت أظنه جبانًا، لذا لم أتوقع منه هذه الجرأة.
“هيه، اسحبوه للخارج.”
الرجل الضخم الذي دخل أولًا بدا وكأنه أحد الرؤساء، إذ لم يتحرك بنفسه، بل اكتفى بإصدار الأوامر.
ومن خلفه، دخل رجلان آخران ضخما الجثة، بملامحهم القاسية، إلى داخل الزنزانة.
وبذلك، غصّ المكان، وضاق علينا الثلاثة، ووجدنا أنفسنا محاصرين دون مهرب.
“تراجعوا! لا تلمسونا!”
قال آش وهو يتراجع خطوة تلو الأخرى، وكانت ملامحه تكشف عن خوفٍ بيّن لا يحتاج إلى تفسير.
فجذبتُه من ياقة قميصه.
كان من الحكمة أكثر أن نتظاهر بالخضوع لكسب الوقت، لا أن نستفزّهم بلا داعٍ.
“آش!”
“لا بأس… أنا، أنا سأحميكِ!”
“…ابقَ مكانك، فقط!”
ما الذي يفعله هذا الأحمق وهو يرتجف بهذا الشكل؟ هذا ليس ما أعنيه! لم أطلب منه حمايتي! شعرت بالارتباك.
“يا للوقاحة! هل تظن بأنك إن قلت ‘لا تقتربوا’ فهذا يعني أننا سنتوقف؟”
“هاه! إنه يظن نفسه رجلًا!”
“كفى. دعوا ذلك الفتى، وخذوا الفتاتين.”
“من تقصد؟ ذات الشعر الوردي؟ أم الشقراء؟”
“كلاهما.”
في تلك اللحظة، عندما عانقتني إيروجي بقوة، كان واضحًا أن ما دفعها لذلك هو الخوف المتدفّق في داخلها.
التعليقات لهذا الفصل " 62"