غاضبة من هذا الوضع القسري الذي وُضعتُ فيه، ومن ضيقي لأن راي لم يكن بجانبي، فلو كان، لما وقعتُ في الأسر أصلاً.
غاضبة من كل ما يحدث من حولي رغمًا عن إرادتي، دون أن يكون لي فيه قول أو قرار.
“أنت! نعم، أنت هناك!”
ناديتُ عليه بنبرة حنقة، وكان متكوّرًا بصمت في أحد الزوايا.
“منذ متى وأنت محتجز هنا؟ هل تعرف كم الساعة الآن؟”
“… لا أعلم.”
“ومتى أُمسك بك؟”
“في الصباح…”
أنا اختُطفت في وقتٍ كان قريبًا من منتصف الليل.
وهذا يعني أن هذا الفتى ظل محتجزًا هنا لما لا يقل عن اثنتي عشرة ساعة.
“كنت على وشك الخروج من بوابة المدينة حين أمسكوا بي… في البداية ظننت أنهم رجال أرسلهم والدي. لكن حين فتحت عيني، وجدت نفسي هنا.”
تنهدتُ تنهيدة عميقة وأنا أستمع إلى حديثه الكئيب.
من المؤكد أن الوفد الآن في حالة فوضى.
لا أعرف كم من الوقت ظللتُ فاقدة للوعي، لكن لا بد أن ساعات عدّة قد مرّت.
وقت كافٍ ليشعروا بأن أمرًا ما قد حدث لي ولإيروجي.
شعرت بالقلق على هانسن وفيلو. ماذا لو عوقبا بسببي؟
“لا، لا، هذا ليس وقت القلق على الآخرين..هيه، أنت، تعال إلى هنا.”
“اسمي ليس أنت بالمناسبة.”
“لا يهمني. قلت تعال، فتعال.”
كان أول ما ينبغي علي فعله هو معرفة أين نحن بالضبط.
الغرفة التي كنا فيها لم تكن كبيرة، بحجم غرفة في نزل صغير مخصصة لشخص واحد، على الأكثر.
كانت مربعة الشكل، وجدرانها قوية صلبة، بحيث لا يمكن لطفلين أن يكسروها أو يحاولوا الفرار منها.
المنفذ الوحيد كان الباب، وكان فيه نافذة صغيرة عليها قضبان حديدية. لكن النافذة مرتفعة جدًا، يستحيل أن أرى ما وراءها وحدي.
“استلقِ هنا.”
أشرتُ للصبي، الذي بالكاد كانت ملامحه تُرى في الظلمة، نحو الباب.
لكنه ظل واقفًا هناك، يحدّق بي ببرود.
بما أنني بالكاد كنت أرى حتى أطراف أصابعي، فقد أمسكت به جزافًا وأسقطته أرضًا.
كانت يداي لا تزالان مقيدتين، فتحركي لم يكن سهلًا، مما جعل تصرّفي خشنًا بعض الشيء.
“مـ… ماذا تفعلين؟!”
“أريد أن أرى ما في الخارج.”
قفزتُ مباشرة على ظهره الصغير.
“هـه؟ أآااه! أنت ثقيلة!”
يا له من فتى هشّ! فتاة ضعيفة البنية مثلي تصعد على ظهره، فإذا به يرتجف كغصن شجرة في مهبّ الريح!
“ألا تستطيع الثبات؟ لا أرى شيئًا هكذا!”
“ااااه…”
صرختُ فيه وأنا أضرب قدميه بخفة، فراح يئنّ ويتحامل على نفسه ليحملني كما استطاع.
لا قوّة لديه، لكنه يملك عزيمة لا بأس بها!
وقفتُ على أطراف قدميّ فوق ظهره، ونظرتُ عبر النافذة إلى خارج الباب.
الممر كان معتماً بلا نوافذ، لا يضيئه سوى عدد قليل من المشاعل المثبّتة على الجدران بإهمال.
تعلّقتُ بالقضبان لأحاول النظر إلى الجانبين، لكن ذلك كان مستحيلًا.
لم أتمكن من رؤية شيء سوى ما كان أمامي مباشرة.
وبين الظلال، لمحت طيف رجل يحمل سلاحًا… فنزلتُ على الفور.
قلت:
“همم، يبدو أننا في قبو.”
قال متأوّهًا:
“آااه، ظهري…!”
ناديت:
“أوندين!”
فما إن ناديتها حتى ظهرت في الهواء، تبعث نورًا أزرق خافتًا أنار الغرفة المظلمة بلطف.
حلّقت أوندين بهدوء من حولي، تدور في الهواء بخفة.
قالت بصوتٍ قلق:
[سيدتي، ما هذا المكان؟]
يبدو أن حالتي أقلقت حتى روحي.
سمعت صوت الفتى يقول بدهشة:
“واو… ما هذا؟”
أجبته ببساطة:
“إنها روحي. أوندين.”
قال وهو يقترب أكثر وقد بدت الدهشة على وجهه:
“روح؟”
كان نور أوندينه يجعل ملامحه تظهر قليلاً في العتمة، وكان يبدو بعمري تقريبًا.
سألته مبتسمة بسخرية خفيفة:
“أول مرة ترى فيها روحًا؟”
أجاب:
“أجل.”
قلت له:
“إذن أنظر جيدًا. إنها نادرة.”
أومأ برأسه ببساطة، وكانت ملامحه الطفولية ونظراته الوديعة تقولان كل شيء — الآن فهمتُ لماذا أمكن اختطافه بسهولة.
كان من الطبيعي أن يكون هدفًا سهلًا وهو واقف هناك شارد الذهن هكذا.
“أوندين، تحولي إلى شفافة قدر الإمكان.”
بمجرد أن أنهيت كلامي، بدأ الضوء الأزرق المنبعث من جسد أونديني في التلاشي بسرعة.
لم يتبقَ سوى تموج طفيف في الهواء. بالكاد يمكن ملاحظته ما لم تنتبه جيدًا، وفي هذا الظلام، أصبح اختفاؤها شبه تام.
لم أكن أظن أنني سأستخدم تقنية التخفي، التي جربتها بضع مرات فقط، في موقف حقيقي كهذا.
كانت تستهلك الكثير من المانا، لذلك لم أتوقع أبدًا أن أحتاجها فعلاً.
“اخرجي من تلك النافذة وتفقدي إن كان هناك أشخاص خطرين في الخارج. انظري حولك أيضًا… وتحققي من عدد الطوابق التي نحن فيها. احذري، مفهوم؟”
[حسنًا!]
ردت أونديني بحماس، ثم انطلقت بسرعة.
وفي اللحظة نفسها، بدأت أشعر بتناقص طاقتي السحرية بشكل مرعب.
صحيح أنني لم أستطع رؤيتها، لكن من الواضح أنها خرجت من الغرفة.
كلما ابتعدت أونديني عني، كلما تسارعت وتيرة استهلاك المانا.
استخدام الأرواح بهذه الطريقة، مع توجيه السحر عن بُعد، لم يكن شيئًا يُنصح به كثيرًا.
في مثل هذه اللحظات، أشعر حقًا أنني بحاجة إلى راي.
ذلك الأحمق اللعين، لا يكون موجودًا أبدًا حين أحتاجه فعلًا.
[سيدتي!]
“عدتِ إذًا. أين أنتِ؟ عودي إلى حالتك الأصلية، أونديني”
عدم رؤيتها كان مزعجًا بعض الشيء.
[أنا هنا.]
“حسنًا، كيف كان الوضع في الخارج؟”
[كانت هناك غرف كثيرة مثل هذه. وفي كل غرفة كان هناك عدد قليل من الأشخاص. بعضها يحتوي فقط على فتيات، وبعضها الآخر فقط على أولاد. وكان هناك أشياء ليست بشرًا أيضًا!]
إذًا، يبدو أن هذه الغرفة مخصصة للأطفال فقط.
فركت ذقني وأنا أعيد السؤال:
“كم طابقًا نحن تحت الأرض؟”
[الطابق السفلي الثالث! كلما صعدنا للأعلى، زاد عدد الأشخاص. وكانوا كبارًا ومخيفين. كلهم يحملون أسلحة.]
“كم عددهم تقريبًا؟”
[أكثر من هذا بكثير.]
قالت أونديني وهي ترفع أصابعها العشرة الصغيرة.
كان بإمكاني التفاهم معها إلى حد ما، لكن أونديني لا تعرف الكلمات الصعبة أو تلك التي لم تُستخدم أمامها من قبل.
مثل الأرقام، على سبيل المثال، فهي غير مستخدمة في عالم الأرواح.
“هل تعتقدين أن بإمكاننا التغلب على من في الخارج؟”
سألتها على أمل ضئيل، لكنها هزّت رأسها بيأس وهي على وشك البكاء.
[آسفة، هذا مستحيل.]
“صحيح… لا بأس، لا داعي للاعتذار.”
فكيف يكون ذلك خطأ أونديني المحبوبة واللطيفة؟
إنه خطأ سيدتها الناقصة. كان ينبغي عليّ أن أتدرب على المانا بجدية أكبر.
لا أعرف لماذا، لكن عندما يتعلق الأمر بأونديني، أشعر أن كل شيء هو خطئي.
ربما لأنني أشعر وكأنني أستغل طفلة، فيضعف قلبي.
“هيه، لماذا تتحدثين وحدكِ؟”
“كنت أتحدث مع أونديني. أنت فقط لا تستطيع سماع صوتها.”
“آها.”
“بناءً على ما قالته، يبدو أن اقتحام المكان بالقوة غير ممكن.”
“ماذا؟ هذا طبيعي طبعًا! ماذا يمكننا أن نفعل أصلًا!”
تأملت قليلًا.
هل يمكنني أنا وأونديني، وربما آدور أيضًا، التغلب على أكثر من عشرة من تجار العبيد؟
أنا شخص متهور بطبعي، لكن حتى أنا أدركت أن هذا مستحيل.
ربما يمكنني التعامل مع أربعة منهم، لكن هذا فقط إن كنت وحدي.
لكن معي إيروجي النائمة، وهذا الفتى الغريب الذي لا أعرفه لكن لا أشعر بالارتياح لتركه خلفي.
نظرتُ إلى الصبي، الذي بالكاد أستطيع تمييز شكله، بنظرة طويلة.
“ألا تعرف فعل شيء؟”
“شيء مثل ماذا؟”
“مثل السحر أو شيء من هذا القبيل.”
“السحر؟ لا أعرف استخدامه! لكن… أعرف القليل عن فنون السيف…”
تنهدت.
في الأكاديمية، كان السحرة يحيطون بي دائمًا، أما في الخارج، فبدأت أدرك مدى ندرتهم وقيمتهم الحقيقية.
وفنون السيف؟ من دون سيف، لن تكون ذات فائدة.
وفي النهاية، أفضل ما يمكن فعله هو طلب المساعدة.
ولا أحد يمكن الاعتماد عليه سوى أونديني.
“استمعي جيدًا، أونديني. أولًا، استخدمي خاصية التلاشي حتى لا يتم اكتشافك، واخرجي من هذا المبنى.”
[حسنًا!]
“بمجرد أن تصلي إلى الخارج، أوقفي التلاشي فورًا. علينا الحفاظ على المانا.”
[مفهوم!]
“عندما تخرجين، سيكون هناك أشخاص، لذا أطلبي منهم المساعدة… لا، انتظري، قد يكون بعضهم من العصابة نفسها، لا يمكنك التحدث مع أي شخص.”
ماذا أفعل؟ إذا اقتربت من الشخص الخطأ، قد يعتبرون ذلك محاولة هروب ويعاقبوننا بشكل أسوأ.
كيف أميز الشخص الآمن؟
“صحيح… ابحثي عن الفرسان. تعرفينهم، أليس كذلك؟ أولئك الذين يرتدون الدروع.”
[أعرفهم!]
“ابحثي عن فارس بأسرع ما يمكن واطلبي منه المساعدة. ثم أحضريه إلى المكان الذي نحن فيه.”
[هل أحضره إلى هنا؟]
“نعم، من المحتمل أن يكون وفدنا الرسمي يبحث في المدينة الآن.قد يكون هناك أشخاص ينادون باسمي أو باسم إيروجي، فإذا وجدتِ مثل هؤلاء، أحضريهم إلينا. يمكنكِ فعل ذلك، صحيح؟”
أومأت أونديني بقوة، وكأنها أدركت خطورة الموقف.
[نعم! أستطيع فعلها!]
“مهما حدث، فقط اجعليهم يأتون إلى هنا.”
[سيدتي ماذا أفعل إن لم يتبعوني؟]
“في هذه الحالة، تحدّثي. قولي لهم أن ينقذوا صاحبتك.”
[فهمت!]
لم أكن أعتقد أني سأضطر لاستخدام هذه التقنية، لكنها تتيح لأونديني أن تُسمع صوتها للبشر الآخرين.
رغم أنها تستهلك كمية هائلة من المانا دون داعٍ.
“انطلقي الآن! أونديني، أعتمد عليكِ. وإن صادفتِ راي أحضريه معكِ!”
كان من المفترض أن يكون إيصال الرسائل والبحث عن الناس من اختصاص أرواح الرياح.
فأرواح الماء ليست مناسبة لهذا الغرض في الأصل
فهي بطيئة في التنقل وسهلة الكشف من قبل العدو.
لكن الآن… لم يكن هناك خيار آخر.
حين بدأت صورة أونديني تتلاشى، تنفّست بعمق وجلست على الأرض.
أسندت ظهري إلى الحائط وعدّلت جلستي لأرتاح قليلاً.
الفتى الذي كان يراقبني اقترب وجلس القرفصاء إلى جانبي.
كان قريبًا جدًا.
“ما الأمر؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 60"