[منذ أن رُفض عقدكِ من قِبل روح الجليد، وأنتِ غارقة في نوبات من التذمّر والانزعاج. أليس من الواضح أنكِ تفرّغين غضبكِ عليّ؟]
“ما هذا الكلام الفارغ! أنا! لا يمكن أن أكون من النوع الذي يُخرج ضيقه على غيره… لمجرد حادث تافه كهذا! رغم أنني… ضيّقة الصدر… وسريعة الغضب…”
تشّه.
كلما واصلت الحديث، أدركت أن كلامه… صحيح.
رغماً عني، زمجرت ساخطة وأنا أعود لأغمر جسدي في الحوض، مستندة بجسدي المنهك إلى حافة الماء.
[الاعتراف السريع من صفاتكِ الحسنة، يا سيّدتي.]
كلمات راي التي أصابت موضع الوجع جعلتني أجزّ على أسناني بقهر.
ورغم مظهره الأبله أحيانًا، إلا أنه يعرفني أكثر مما توقعت.
وهذا طبيعي… فنحن لا نفترق منذ زمن طويل.
“أنت مزعج.”
لم أرغب في الاعتراف، لكنّ آثار الرفض من قِبل روح الجليد كانت أعمق مما توقعت.
كنت غارقة في مزاج سيئ طوال الوقت،
متوتّرة ومنزعجة، وكأن الغضب يغلي في داخلي دون توقف.
لطالما كنت أعتبر الأرواح كائنات يُفترض بها أن تطيعني،أن تنفّذ أوامري، وأن تكون خاضعة لإرادتي… ببساطة، أن تدور في فلكي.
لكن ظهور روحٍ لا تنحني لي…
كان طعنة في كبريائي، أهانتني بمرارة.
وما كان يغضبني الآن ليس سوى رفضي الاعتراف بذلك.
هربًا من هذا الشعور، غرقتُ برأسي بالكامل في الماء حتى غطّى شعري وجبهتي.
ظللت أحبس أنفاسي حتى وصلت إلى الحد الأقصى،
وعندما بدأت أوندين تتلوّى أمام ناظري بقلق، أخرجت وجهي أخيرًا من الماء.
“بوهاه!”
[إن كان الأمر يزعجكِ إلى هذا الحد… لمَ لا تحاولين استدعاءها من جديد؟ الحجر الروحي لا يزال سليمًا، أليس كذلك؟]
“…ليس الآن.”
إن تم رفضي مرة أخرى…فربما لن أستطيع تَحمّل الضربة،
وربما ينكسر كبريائي نهائيًا، بلا رجعة.
لم يسبق لي أن ظننتُ أنني شخص عنيد أو شديد الاعتداد بنفسه،
لكني على ما يبدو لم أُختبر يومًا بما يمسّ كبريائي حقًا.
ومهما قلت أو تظاهرت…فالحقيقة أنني وُلدت نبيلة، نشأتُ في رفاهية، وقيل لي أنني عبقرية منذ الصغر، في عالمٍ لم يُعرّضني يومًا للخدش
كان من حولي دومًا أولئك الذين دلّلوني،
الذين لم يقولوا لي لا قط.
لطالما كان كل شيء يسير وفق إرادتي.
فعلتُ ما شئت، ونادرًا ما وُجد ما لم أستطع الحصول عليه.
بل ولحسن الحظ، وُهبت موهبة فطرية في هذا المجال، فلم أعرف طَعم الإذلال قط.
[لا داعي لهذا القدر من الحزن. في النهاية، كلّ شيء هو مسألة وقت، أليس كذلك؟ عندما تكبرين وحين تبذلين الجهد اللائق بمكانتكِ يا سيدتي…ستكون تلك الروح يومًا ما عند قدميكِ، خاضعة لكِ.]
استمعت إلى كلمات راي التي لم أعرف أكانت مواساة أم سخرية،
ثم انزلقتُ بهدوء مرة أخرى تحت سطح الماء.
كنت أعلم ذلك في قرارة نفسي…
أن الطريق كان سهلًا عليّ أكثر مما يجب.
حتى راي و آدور جاءا إليّ بأنفسهما، دون أن أبذل الكثير.
كنت محظوظة… أكثر مما أستحق.
في الواقع، الروح الوحيدة التي أستطيع أن أقول إنني عقدت معها ميثاقًا بقوتي الحقيقية… كانت أوندين.
وربما لهذا السبب…كانت هي الأفضل والأقرب إلى قلبي.
“راي.”
[نعم، سيدتي؟]
رفعتُ وجهي ببطء من الماء،وألقيت عليه نظرة جانبية بعينين ضيّقتين، تحملان ما بين التهكم… والتفكير العميق.
“بصراحة، يا راي…أليس من الممكن أنك كنت ستوقع العقد مع أيّ أحد غيري؟”
[عفواً؟ ماذا تقصدين؟]
“أعني… كنت تشعر بالملل، أليس كذلك؟
فلو كان أي شخص آخر قد استدعاك وقتها، أما كنت لتتعاقد معه بكل بساطة؟”
[يا لها من كلمات مؤلمة!تفكيركِ هذا لا يُصدق، يا سيدتي!]
“جرّب أن يتم رفضك لأول مرة في حياتك…حينها ستفهم كيف تبدأ كل تلك الأفكار المزعجة بالظهور من تلقاء نفسها.”
[أظنني قلت لكِ هذا من قبل، لكن…نحن ننتظر طويلاً… دون نهاية.]
“………….”
[ننتظر مَن يستحق أن يكون سيّدنا.
ولا يمكن لأيّ كان أن يكون كذلك.]
لكن رغم قوله ذلك،لم أزل أنظر إليه بعين الشك.
“حسنًا، إن كان ما تقوله صحيحًا…
فكيف تفسّر تلك التي تم استدعاؤها، ثم رفضتني؟”
[الأمر ببساطة أنّ التوافق الروحي قد حصل، لذا تمّ الاستدعاء بالفعل،لكن…ربما كان هناك ما ينقصكِ لتكونِ سيدة لها بحق.]
[قرار القَبول أو الرفض ليس بيد البشر،
بل نحن مَن نُحدّد إن كنا سنغفر ذلك النقص…أم ننتظر أن تكتمل الصورة.]
“همم؟”
[نحن نقرّر: هل سنقبل بالنقص الموجود،
أم سننتظر الكمال؟ لأنّ نقص السيّد… قد يُفني وجودنا بالكامل.]
[فلقاؤنا بسيّدٍ غير ناضج، قد يعني تعريض وجودنا للخطر.]
“لكنّك أنت وآدور لم تضعا في اعتباركما شيئًا من هذا، أليس كذلك؟”
فكلاهما وقعا عقدًا دون تردد… مع طفلة.
[ربما يمكننا أن نقول إنّ الأمر اختلاف في الطباع. لكل روحٍ معاييرها الخاصة حين تختار سيّدها.]
“………صحيح، لا يبدو أن أيٍّ منكما عميق التفكير.”
[ماذا تقولين يا سيدتي! هذا ظلم!
نحن تصرّفنا وفقًا لما أملاه علينا القدر.
حين نلتقي بسيّدنا… نعرفه فورًا، بلا تردّد.
وأنتِ، بلا شك، كنتِ…………………]
كنتَ ماذا؟
[لا! هذه الهالة! هذا الشعور البارد!…]
“هاه؟ إلى أين تذهب؟ راي!”
[إيروجي قادمة! أرجوكِ لا تخبريها عني يا سيدتي! تظاهري بأنكِ لم تريني!]
راي، الذي كان قبل لحظة يهمّ بالمغادرة بهدوء،ارتجف فجأة كمن صُعق، ثم انطلق هاربًا بسرعة مذهلة.
كانت سرعته جنونية إلى درجة أنني لم ألمح سوى أثرٍ باهتٍ طويلٍ وناصع البياض.
“لا تهرب قبل أن تُكمل كلامك!
كنتَ تقول إنني بالتأكيد… ماذا؟!”
صرخت بأعلى صوتي، لكن راي كان قد اختفى بالفعل، ولم أسمع منه أي جواب.
ازداد سرعةً مؤخرًا على ما يبدو…بشكل مريب.
“هذا الوغد… بدأ يدخل في مرحلة التمرّد، لا شك في ذلك.”
أن يذهب هكذا، ويتركني أتكلم وحدي؟!
أنا السيّدة هنا! كيف يجرؤ؟!
تمتمتُ غاضبة وأنا أخرج من الحوض.
منذ أن تغيّر لون راي فجأة إلى الأبيض،
وإيروجي باتت مقتنعة تمامًا بأنه تنين الكوارتز الذهبي الأسطوري.
ومنذ ذلك الحين، انطلق فضولها العلمي يعذّب راي بكل وسيلة تخطر لها.
في أحد الأيام، قالت إنها أخذت من قشوره عيّنة للفحص، وفي يومٍ آخر، حاولت خلع أحد أنيابه بحجّة جمع سمّه!
بل وقيل إنه احتُجز معها لساعات طويلة لإجراء تجارب.
أما راي، فبات يتمنّى لو أسمح له بقتل إيروجي دون أي تردّد.
لكن…
ذلك أمرٌ لم أكن لأسمح به أبدًا.
وما دامت إيروجي صديقتي، فلا أنا أستطيع أن أتبرأ منها،
ولا أستطيع أن أترك راي يؤذيها…
ولهذا، في كل مرة يُقبض عليه،
لم يكن أمامه إلا أن يتحمّل العذاب بصمت.
ثم، منذ فترة، لاحظت شيئًا غريبًا…
كلّما اختفى راي من المكان دون سابق إنذار— ظهرت إيروجي.
تمامًا كما يحدث الآن.
“جيني!”
ناداني صوت طفوليّ من خلف الباب،
ثم تبعه طرقٌ سريع: طَرق طَرق طَرق!
“لحظة فقط!”
ولحسن الحظ، كنت قد أنهيت استحمامي تقريبًا،
فخرجت من الحوض وأنا ألتفت نحو أوندين.
من الأسباب التي تجعلني أحبّ الاستحمام…
هي هذه القدرة الخاصة لـ أوندين.
“أوندين، أزيلي عني الماء.”
قد يكون من المبالغة تسميتها قدرة،
فهي بسيطة إلى حد السخرية،
لكنها مذهلة في تأثيرها.
بحركة واحدة من يدها،
امتصّت أوندين كل قطرة ماء عن جسدي.
وفي لحظة، أصبحت جافة بالكامل… ناعمًة ونقية كأنني خرجت تَوًّا من مغسلة فاخرة.
لا حاجة للمناشف.
ولا حاجة لتجفيف شعري بعد الاستحمام.
هذا وحده كان كافيًا ليشعرني بالسعادة.
ذلك الإحساس، أن جسدك يجفّ من تلقاء نفسه دون أن تتحرك…
هو متعة لا يفهمها إلا مَن كان صاحب أرواح مائية.
وفي مثل هذه اللحظات الصغيرة،
كنت أعتقد حقًا أن اختياري لطريق مالكة الأرواح كان قرارًا صائبًا.
“جيني؟”
“أنا قادمة!”
بسبب استعجال إيروجي،أسرعت بارتداء ثياب النوم التي كنت قد رميتها على السرير.
كانت عبارة عن قميص طويل من قماش الكتان الناعم،
إحدى القطع التي توفّرها لنا الأكاديمية.
وربما كان هذا من مظاهر البذخ الذي يميز الأكاديمية الملكية،
فكل ما يُوزع فيها… ذو جودة عالية بشكل واضح.
تقدّمت نحو الباب.
وقد مضى وقت العشاء، لذا من المستبعد أنها جاءت لتدعوني للطعام.
هل جاءت إذًا… لتلعب لعبة لوحية؟
كنتُ لا أزال بثياب النوم،
لكنني فتحت الباب بلا تردد، دون حذر أو تحفظ،
لأنني كنت أعرف تمامًا من على الجانب الآخر.
“إيروجي؟ ما الأمر…؟”
“هَه!”
ماذا…؟
لماذا برايت هنا أيضًا؟
وفوق ذلك… صديقه الظليل الذي لا يفارقه كظلّه؟!
ابتسمتُ لا إراديًّا حين رأيت إيروجي أولًا،
لكن تلك الابتسامة تجمّدت على وجهي
بمجرد أن وقعت عيناي على الشخصين الواقفَين خلفها،
الطويلي القامة، والصامتَين كالأشباح.
“ما الذي يجري هنا؟”
“آه… أهلاً! جيني، هل… هل تودين الذهاب معنا… لزيارة سوق الفجر؟”
“سوق الفجر؟ نحن الأربعة؟”
“كنتُ… أفضل أن نذهب وحدنا، أنا وأنتِ فقط…لكن بما أنّك قلتِ أننا يجب أن نبدأ كأصدقاء أوّلًا…لذلك… فـ…”
فهمت الآن.
أتى برفقة الدعم.
برايت بدا متوترًا بشدّة، كأن وجهه على وشك الانفجار من فرط الاحمرار.
هل يُعقل أنه…يُعجب بي إلى هذا الحد؟!
“بالمناسبة، أوبا… أظن أن أنفك ينزف دمًا.”
“هاه؟ ماذا؟!”
“برايت *نيم*!”
“آسف… يبدو أنني توترت أكثر من اللازم.”
…لا يمكن ان يكون السبب هو أنني خرجت إليه بقميص النوم؟!
إذا كان الأمر كذلك، فهو بحاجة لفحص نفسي عاجل.
رجل في السادسة عشرة ينزف أنفه لمجرد رؤية طفلة في العاشرة بقميص نوم؟
أليس هذا ما يسمّونه في بعض الأماكن… لوليتا…؟
صحيح أن فرق السن بين العاشرة والسادسة عشرة في هذا العالم لا يُعتبر كبيرًا، بل قد يُتزوج فيه،
لكن بالرغم من ذلك…
“برايت نيم، خذ هذا المنديل.”
كان لبرايت دائمًا ذلك الصديق الذي يلازمه كظله،
فتى بشعر أزرق ونظارات، يبدو مثالًا حيًا للطالب المثالي.
له ملامح هادئة ونظرة ذكية،
ورغم أنه في الصف نفسه على ما يبدو،
إلا أنه يخاطبه دومًا باحترام وكأنه يكبره سنًا أو مقامًا.
“شكرًا، جاييمام.”
مهلًا… جاييمام؟
أليس هو نفسه الطالب من قسم الكيمياء الذي يقال إنه يشارك إيروجي الغرفة؟
تذكرت أنني سمعت اسمه مرارًا.
انتظر… هل هذا يعني أنهم يضعون طالبًا ذكرًا في غرفة واحدة مع طالبة؟!
تجمّدت للحظة.
ما الذي يجري في هذه الأكاديمية؟!
ملت رأسي بتساؤل،
فابتسمت إيروجي ابتسامة مشرقة وقالت:
“جيني، جاييمام سنباي فتاة.”
“آه، فهمت! فتاة… هه؟!”
بقَصّتها القصيرة وملامحها المحايدة،
كنتُ متأكدة تمامًا أنها فتى!
بينما كنت أستوعب كلامها وأومئ تلقائيًّا،
داهمني شعورٌ غريب.
كيف… عرفت إيروجي ما كنت أفكر فيه؟
هل ظهرت دهشتي على وجهي بذلك الوضوح؟
أم أن إيروجي تعلّمت قراءة الأفكار من وراء ظهري؟
“لا، لا أقرأ الأفكار، جيني! هيهي.”
“…حقًا؟”
“يمكنكِ القول إنني… فقط ألتقط الإشارات بسرعة.”
لا، لا أظن أن هذا يُفسَّر بالحدس أو الفراسة فقط.
“هيا بنا نخرج، جيني! الجميع خرج بالفعل!”
“لست متأكدة… أنا لست في مزاجٍ جيد بسبب دوار الانتقال.”
“إيييه؟ لكننا في خضمّ مهرجان! إنه مهرجان وينكان، أكبر احتفال في القارّة كلّها! ألا تعتقدين أن تفويته خسارة؟!”
“أعلم ذلك جيدًا.”
لكن هذا بالضبط… ما يجعلني لا أحبّه.
أنني أكره الضوضاء، وتكدّس الناس، والزحام بكل أشكاله.
لا يهم أنني عانيت كثيرًا للوصول إلى هنا بسبب المهرجان،
المشكلة أنني أساسًا لا أحب مثل هذه الأجواء.
“أرجوكِ، دعينا نخرج، حسنًا؟”
نهاية الفصل
قراءة ممتعة 🤍
كلمة “نيم (님)” في الكورية هي لاحقة تشريف تُضاف بعد الاسم للتعبير عن الاحترام، مثل “السيد” أو “الأستاذ”.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات