بعد عدّة دقائق، وضعت كيس النقود الثقيل على طاولة الحساب بكل فخر.
كان الكيس ممتلئًا بقطع ذهبية أعيد تشكيلها للتو من سبائك أُخرجت من خزنة متجر دونهيل للمجوهرات.
ما إن فتح الموظف الكيس وألقى نظرة بداخله، حتى بدأت عيناه تلمعان كالأحجار الكريمة.
“ما رأيك؟ هل هذا كافٍ؟”
لم يدرك حتى أنه ذذهبهم هم، وبدأ بحماس يزن القطع واحدة تلو الأخرى.
“بل أكثر من كافٍ! ومع ذلك، بما أنكِ تدفعين بالذهب، سيكون هناك رسم بسيط للتحويل، هل هذا مناسب؟”
“افعل ما تشاء.”
“يرجى الانتظار لحظة فقط!”
وبما أن المال كان مالهم في الأصل، فلم أشعر بأي شيء تجاهه،
لكن هانسن وفيلو كانا يرتجفان وكأن قلبيهما يتمزق من الحزن.
“سيدتي، كيف تودّين أن نُسلّم لكِ الحجر الذي اشتريتهِ؟ هل نغلفه كهدية؟ أم تفضلين شيئًا آخر…”
“سلّمه لي كما هو، لا داعي للتكلّف.”
“مفهوم! شكرًا جزيلاً لشرائكِ من متجرنا!”
وبعد قليل، وُضع حجر الأرواح في كيس مخملي وسُلِّم إليّ براحة يدي. يا له من أمر سهل!
“هوهُوهُوهُو…”
“آ… آنسة؟”
ربما ضحكتي كانت شيطانية أكثر من اللازم، لأن هانسن وفيلو بدَيا وكأنهما ارتعدا من الخوف وهم يحدّقان بي.
[سيدتي، من المفترض أن تضحكي بطريقة أكثر رُقيًّا…]
[إلى الحمّام.]
[أنا لم أقل شيئًا!]
***
عدت إلى النُزل بسرعة تفوق حتى الطريق المختصر الذي أرشدني إليه راي.
أن أفقد هانسن وفيلو في طريق العودة… كان مجرد حادث عرضي.
كان عليهما أن يتبعاني بشكل أفضل.
قائد الفرسان رمقني بنظرة مذهولة عندما رآني أعود وحدي.
رغم أنني نظرت خلفي عدّة مرات، لم يكن لهما أي أثر.
“لكن… أين الفرسان؟ عدتِ وحدك؟”
“أظنني رأيتهم يبكون خلفي عند الفتحة الصغيرة في الجدار.”
“عذرًا؟!”
“من يدري، ربما ضلّوا الطريق. سيعودون من تلقاء أنفسهم على الأرجح! على كل حال، أنا مشغولة، إلى اللقاء!”
لم يكن لدي وقت لأرعى الكبار.
كان عليّ أن أستدعي روح الجليد!
***
أول شيء فعلته… أن أُقفل الباب جيدًا.
فلا أحد يجب أن يدخل أثناء طقوس العقد.
رسميًا، أنا مجرد مستحضِرة أرواح مائية من الدرجة الدنيا.
حتى المعلم إيل، مشرفي في الأكاديمية، لا يعرف أنني قد تعاقدت مع أرواح أخرى غير أوندين.
روح المعدن، راي، أو روح الكهرباء، أدور، مثلًا.
في البداية، لم أخبر أحدًا عنهم ببساطة لأن الفرصة لم تسنح،
أما مؤخرًا، فأصبحت أتعمّد إخفاء حقيقة تعاقدي مع الأرواح الأخرى.
ليس لأن هناك سببًا بطوليًا أو نبيلاً يدفعني لإخفاء حدود قوتي.
بل لأنني ببساطة… أجد الشرح أمرًا مرهقًا
وأحيانًا، أرغب في أن أحتفظ بالأشياء الجيدة لنفسي فقط.
لكن السبب الأهم من كل ذلك — هو أنني لم أعد أريد المزيد من الاهتمام.
حتى الآن، مجرّد تعاقدي مع أوندين وحدها جعلني محطّ أنظار الملك
وانتهى بي الأمر مرسلة بالقوة لتمثيل المملكة في الاحتفال.
رغم أن التعاقد مع روح في سن العاشرة يُعد أمرًا مذهلًا…
“هااه! أحيانًا أخاف من عبقريتي أنا نفسي.”
[آه، نعم… بالطبع. كما تقولين.]
“لكن الأمر غريب. من المفترض أن كل ما أفعله هو ضخّ المانا، صحيح؟ لماذا لا يحدث شيء؟”
ركلت حجر الأرواح الجليدي بخفة بطرف قدمي، إذ لم يظهر أي ردّ فعل مهما حاولت صبّ طاقتي فيه.
[عادةً، هذا يكفي… يبدو الأمر غريبًا فعلًا.]
“هل يجب أن أُتمّ تعويذة أو صيغة ما أولًا؟”
[لا، سيدتي. تذكّري ما حدث مع أدور. لم يكن هناك أي تعويذة أو صيغة حينها.]
“صحيح.”
استعدتُ في ذهني لحظة استدعائي لأدور.
في ذلك الوقت، كانت لديه رغبة قوية في أن يُستدعى بنفسه،
وكل ما كان عليّ فعله هو أن أُمرّر له بعض المانا، لأفتح له الطريق إلى عالمنا الوسيط.
لكن حجر روح الجليد هذا لم يُظهر أي استجابة، مهما حاولت ضخّ المانا فيه.
على عكس ما حدث مع أدور تمامًا.
[جربي أن تضخي مزيدًا من المانا.]
“وماذا لو تجمّد كل ما حولي؟ ألا تذكر أن حقيبتي احترقت عندما استدعيتُ أدور؟”
[احتمال وارد، نعم. الأرواح غير المنتمية لعنصر أساسي تميل إلى الانفلات بسهولة. فهي ليست منظمة كأرواح العناصر الأربعة. وغالبًا ما تتصرف كما يحلو لها.]
“مثلَك؟”
[عذرًا؟ لا أفهم ما تعنين. أنا روح راقٍ وذكيّ جدًا، إن لم تلاحظي.]
“آه، صحيح.”
لا أعرف بمن يشبه هذا المخلوق، لكن لا ضمير له فعلًا.
[الأرواح غير المنتمية – باختصار – هي أرواح قضت وقتًا طويلًا دون عقد مع أحد.
وربما… لم تكن ترغب في عقد مع أيّ أحد أصلًا، لذا من الطبيعي ألا تستجيب لمانا سيدتي.]
“يبدو أن أدور كان روحًا استثنائية فعلًا… مثلك.”
[ما الذي تعنينه بذلك؟!]
“فكرتُ بالأمر، وأدركت أن الروح الوحيدة الطبيعية من حولي هي أوندين.”
[من غير اللائق أن تقارنيني بتلك الروح الدنيا! تلك الأرواح الضعيفة وُلدت من رتبة متدنية، ولهذا فقط تبدو مطيعة. هل تعلمين كم هي مملة تلك الأرواح التابعة للعناصر الأربعة!]
لكنني… في الحقيقة، كنتُ أفضل الأرواح المطيعة.
ترى، كيف ستكون شخصية روح الجليد؟
جلست القرفصاء أمام حجر الأرواح منتظرة أن يتم الاستدعاء، بينما راي تابع تذمّره دون توقف.
[هل تسمعينني؟! أرواح العناصر الأربعة يظنون أنفسهم متفوقين لمجرد أنهم أكثر عددًا! يحتقرون الأرواح اللامنتمية مثلنا! لكننا، رغم قلّتنا، نملك تفردًا وهوية قوية واستقلالًا حقيقيًا…!]
“شش! هناك شيء… بدأ يتفاعل.”
بدأ حجر الأرواح يصدر ضوءًا خافتًا ويرتجف قليلًا.
حدث هذا عندما ضخختُ كمية كبيرة من المانا عمدًا.
لكنها كانت لحظة عابرة.
وكأن شيئًا لم يكن… فقد الحجر بريقه فجأة، ليعود كما كان، مجرد صخرة عادية.
“همم… يبدو أن هذه الكمية من المانا لا تكفي. راي، هل من الممكن ألا تنجح عملية الاستدعاء؟”
[الأمر فقط أن سيدتي لم تختبر الفشل من قبل. في الحقيقة، في معظم الحالات، لا يتم الاستدعاء أصلًا.]
“حقًا؟”
[بالطبع.]
“حسناً، لا عجب… فأنا لست عبقرية عادية.”
فلم يسبق لي أن فشلت في استدعاء أي روح من قبل.
كنت واثقة، لا بلا سبب، بل عن جدارة.
“اهم! فقط انتظر. سأستدعي هذه الروح أيضًا، شئتَ أم أبيت!”
[أنا أحب هذا النوع من الثقة في سيدتي، ولكن…]
“ولكن؟”
[ليس كل الأرواح تملك نفس القلب الذي أملكه، يا سيدتي.]
“قلتُ لك، سأفعلها. فقط انتظر!”
الأمر تطلّب تركيزًا أكبر، جهدًا أعظم.
حرّكتُ كتفيّ قليلًا لأُريحهما، ثم أخذتُ نفسًا عميقًا.
جلست أقرب من حجر الأرواح، وجمعتُ كل قواي الذهنية.
توقفت حتى عن محادثة راي.
ثم بدأت أُفرغ كامل طاقتي السحرية في الحجر دون تحفظ.
في مثل هذا الحال… كيف له ألا يظهر؟!
“آاااه!”
كنت أضخّ المانا بعزم لا يتزعزع، متحدّيةً الحجر، كأنها معركة إرادات.
وفجأة، انفجر الحجر بوميض ساحق.
كان ضوءًا أبيض نقيًا… لكنه أيضًا عدائي بشكل مخيف.
[سيدتي!]
ما جعلني أتراجع على الفور لم يكن الضوء، بل موجة العداء القاتل التي انبعثت منه.
تقهقرت إلى الخلف بحدس تلقائي، وفي اللحظة نفسها، انبثقت أعمدة جليدية حادة من حول الحجر، مزق صوتها الهواء وهي تشق طريقها إلى الخارج.
في لمح البصر، كنتُ على الأرض، وعيناي ترصدان المنظر أمامي:
أعمدة الجليد الشرسة وقد اخترقت الطاولة، وتوزعت في أرجاء الغرفة كما لو كانت شِراك موت.
لم أكن أعلم أن الجليد يمكن أن يكون بهذه الخطورة!
اللعنة… لو أنني تأخرت للحظة، لكنت سيخًا من الجليد الآن!
[تبدو روحًا عدوانية، احذري يا سيدتي!]
همس راي بجانبي، ملتصقًا بي من شدة التوتر.
ومع تصاعد تلك الهالة المفعمة بالعدائية والرفض،
عاد إلى ذهني ذلك اليوم…
اليوم الذي خذلتني فيه ساقاي أمام ألسنة اللهب الهائجة،
حين اضطررت إلى الزحف على الأرض هربًا من الموت.
نعم…
روح الجليد… كانت أقرب إلى الموت من أي روح رأيتها من قبل.
قاسٍ، لا يرحم، وغارقٌ في الحزن الناجم عن كل ذلك.
كان إدراكًا لا إراديًّا، كالتنفس… شيءٌ يتسلل إلى الوعي من تلقاء نفسه، سواء أردت أم لم أرد.
أدركتُ، دون حاجة إلى كلمات، كم من الخطر يكمن في تلك الروح.
عضضتُ شفتي السفلى لاشعوريًا، وفي تلك اللحظة، ارتفع شيءٌ من بين أعمدة الجليد، ينفث بخارًا أبيض وهو يطفو في الهواء.
كانت هذه أول مرة أشهد فيها الهواء يتجمد أمام عيني.
[من… أيقظني؟]
صوت بارد، كأنفاس الشتاء، تسلل إلى رأسي كالخنجر، باردًا حادًا.
نعم، لقد كانت روح الجليد.
كانت تتجمد دون انقطاع، تنفث قسوة الشتاء حولها، مجمدة كل ذرة رطوبة في الهواء.
منظرها كان أشبه بكرةٍ محاطة بإبر من الجليد، تبثّ الهلع بوجودها وحده، ومع ظهورها، أخذت حرارة المكان تهبط بسرعة جنونية.
بردٌ حاد بدأ يزحف إلى جسدي.
كأن الشتاء حلّ بي وحدي، أطراف أصابعي ارتجفت، وقشعريرة تسللت إلى عنقي، فمددت يدي أتحسسها لا إراديًا.
ثم قلت بصوتٍ واضح، راسخ:
“أنا… جيني كرويل!”
[بشرية، إذًا.]
“أنا من استدعيتك! لذا أنا سيدتك. لنُبرم العقد، يا روح الجليد!”
صرختُ بصوتٍ مشحون بالحماسة.
كان صوتي يرتجف قليلًا من شدة الترقب، ورغم البرد القارس، خفق قلبي بحرارةٍ ملتهبة لا تبالي بالثلج.
كان واضحًا أن روح الجليد تمتلك طبعًا شديد البرودة… لا يُقارن بأرواحي الأخرى.
مجرد وجوده، بتلك الهيبة المروّعة، بعث الرهبة في الأرجاء وأدخلني في نشوةٍ لا اسم لها.
شعرت أن لا شيء في العالم قد يخيفني بعد الآن… ما دام هذا الكائن إلى جانبي.
مع أوندين وأدور… وبهذه الروح، سأصبح قوية.
قوية بما يكفي ليكفّ الجميع عن إزعاجي.
لقد فهمت أخيرًا… أن القوة هي الطريق الأسرع لحياةٍ مريحة في هذا العالم.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات