ما ظهر داخل البلورة الشفافة كان الماركيز رايل، عميد أكاديمية دريك
وأحد أعلام المعرفة في ديميتري، وأستاذ الملك، وأحد أصحاب النفوذ الأقوياء.
كان يربّت على لحيته بهدوء، وتحدّث بنبرة مطمئنة:
[لقد عانيتَ كثيرًا، كما أرى.]
“لا، إطلاقًا!”
[أعلم تمامًا أن الآنسة جيني يصعب التعامل معها، فهي ليست شخصيةً عادية… ومع ذلك، من المبهج أنها لا تزال على قيد الحياة. حسنًا، لم تكن يومًا فتاة يمكن أن تُهزم بهذه السهولة.]
“…… أعتذر بشدة إن كنت قد سبّبت لكم القلق بسبب حكمي المتسرع.”
انحنى قائد الفرسان انحناءة عميقة نحو البلورة المتّصلة بالسحر.
[لا عليك. سأحدّث جلالة الملك بنفسي، فلا تقلق بشأن العقوبة. فقط أرجو أن تولي مزيدًا من العناية بسلامة التلاميذ.
آه، وخذ ذلك الفتى المسمّى ليو معك، فهو مجرد طالب احتياطي. سنتكفّل نحن بأمره لاحقًا.]
“شـ… شكرًا جزيلًا لك!”
[إذا تسببت الآنسة جيني في مشكلة مرة أخرى، فأرسل لي تقريرًا مفصلًا. لا شك أنها ستفعل شيئًا مجددًا. لقد كانت غاضبة أصلًا لأننا أرسلناها ضمن الوفد بالقوة، رغم رفضها الذهاب… في الواقع، عندما فُقدت هذه المرة، ظننت للحظة أنها هربت من المنزل. هاهاها!]
“…هـ، هكذا إذاً؟”
[قد تُبدي عنادًا غريبًا، لكن هذا من طبيعتها، لذا حاول أن تتسامح معها قدر الإمكان. الفوز عليها أمر مستحيل.]
“نعم، مفهوم.”
[حسنًا، أتمنى لك التوفيق.]
وما إن اختفى صوت الماركيز رايل واختفى وجهه من داخل البلورة مع صوت خافت
فِتّ
حتى رفع تونيل رأسه أخيرًا.
كان العرق البارد يسيل على ظهره.
لقد كان يعلم أن جيني كروويل تحت أنظار القيادات العليا، لكن لم يخطر بباله قط أن الماركيز بنفسه سيرغب في تلقي تقرير مباشر عنها عند سماع خبر نجاتها.
ماركيز لا يستطيع عامة الفرسان حتى محادثته في العادة… شخص سامٍ ومن علية القوم.
“لم أتوقّع أن يكون الأمر بهذا الحجم…”
حتى صباح اليوم، كان قائد الفرسان يتحامل على جيني كروويل ويكاد يغلي من الغيظ كلما سمع باسمها
لكن بعد الاتصال الذي جرى للتو، أدرك تمامًا أمرًا مهمًّا:
أنه لا يجب أبدًا، وتحت أي ظرف، أن يجعل من جيني كروويل خصمًا له.
فهو رجل يضع السلطة نصب عينيه، وكان شديد الحساسية تجاه من يمتلك النفوذ،
ولم يكن من الصعب عليه أن يدرك أن الطريقة الوحيدة للبقاء الآن…
هي بناء علاقة طيبة مع جيني كروويل، بدءًا من هذه اللحظة.
بعد عشر سنوات… لا، حتى بعد خمس سنوات فقط، من المؤكد أن تلك الفتاة المتغطرسة ذات الشعر الأشقر لن تُعامل على أنها مجرد فتاة عادية.
سيكون لها نفوذ لا يمكن تجاهله.
ليس فقط لأن الملك يُوليها اهتمامًا خاصًا، أو لأن الماركيز يعتني بها عناية فائقة،
بل لأن ما حدث بالأمس وحده كان كافيًا لإثبات ذلك.
نعم… تلك الفتاة الصغيرة ستأخذ مكانًا بارزًا في هذا المهرجان، بلا شك.
حتى الآن، كلما تذكّر تلك اللحظة التي غُمر فيها رأسه فجأة داخل الماء، شعر بدوار يُعمي بصيرته.
لم تعد مجرد طفلة.
كل ما تفعله كان أكبر من سنّها بكثير.
***
كانت إيروجي، ذات الشعر الوردي الذي بدا كحلوى القطن، لا تفارقني أبدًا.
قالت إنها قلقة من أن أختفي مرة أخرى لو تُركت وحدي، ولهذا السبب لم تتركني وشأني ولو للحظة.
وحين كنت أستمع إلى ثرثرتها المستمرة بجانبي، فكّرت أن من حسن الحظ أن ميا ليست هنا.
فميا لم تكن أقل ثرثرة من إيروجي، بل ربما كانت أكثر.
“جيني! اليوم سنقوم بالانتقال الفوري، بالوورب! هل كنت تعلمين؟”
“سمعت بالأمر.”
“إنه مذهل!”
قالت ذلك وهي تتشبث بذراعي بحماسة.
كانت إيروجي تملك موهبة خارقة في إيجاد السعادة في أبسط الأشياء،
وكان ذلك شيئًا يدعو للإعجاب… وربما قليلًا من الغيرة أيضًا.
بالنسبة لشخص مثلي، ممن يرى السخط في كل شيء، لم يكن هناك ما يدعو إلى الفرح.
“أنا متوترة! هذه أول مرة أركب فيها الوَرب!”
“آه، وأنا كذلك.”
“لكن، لا تبدين متحمسة لذلك كما ينبغي، أليس كذلك؟”
“وهل من المفترض أن أشعر بالحماس؟ لا أظن أن الأمر بهذه الروعة.”
“أما أنا، فأشعر بالحماس الشديد!”
الوَرب كان سحر انتقال.
نوعٌ من السحر العالي المستوى، يُمكن مستخدمه من الانتقال من طرف القارة إلى الطرف الآخر في غمضة عين.
وقد قيل إنّ تكلفته باهظة حتى بالنسبة للنبلاء.
يا له من عالمٍ غريب.
العلم متخلف، ومع ذلك لديهم تقنيات انتقال لحظي.
“أليس من المفترض أن يكون ممتعًا للغاية؟”
“لن يستغرق الأمر سوى بضع ثوانٍ، فهل يمكن أن يكون فيه متعة؟ ليس وكأنه قطار ملاهٍ.”
“قطار ملاهٍ؟ ما هذا؟”
“همم، مجرد شيء من عالمي.”
كان اليوم موعد الانتقال إلى المدينة التالية،
وكنا قد تجمعنا في الطابق الأول حاملين أمتعتنا
استعدادًا لاستخدام أحدث منشآت الوَرب التي تشتهر بها مدينة فالين.
وكان معظم الطلاب في وفد الأكاديمية متحمسين للغاية.
كانوا يتحدثون بلا توقف عن المهرجان الكبير الذي اقترب موعده،
غير أن أيًّا منهم، حين تتلاقى عيناه بعيني، كان يسكت فجأة ويشيح بنظره في توتر.
بعد المبارزة مع ليو، تغيّرت نظرات الآخرين نحوي بشكلٍ واضح.
ففي السابق، كانت الهمسات من حولي تحمل نبرة ازدراء
أمّا الآن فصاروا يتحدثون عني وكأنّ مجرد ذكر اسمي قد يُحدث كارثة.
أشبه ما يكون بالخوف المتوتر، كأنني أصبحت عنصرًا خطيرًا ينبغي الحذر منه.
ربما لأنني كشفت عن جانبي القذر المخفي بشكلٍ مفرط.
“آه، أنا جائعة. كان عليّ أن أحمل بعض الخبز معي… جيني، ألستِ جائعة؟”
“أنا جائعة.”
“هل ترغبين ببعض الشوكولاتة بدلًا من الخبز؟”
“… آه، حسنًا.”
ومع كل ذلك، فإن إيروجي، التي بقيت بجانبي، كانت حقًا فتاة غريبة… وممتنة لها من قلبي.
وليس لأنها تطعمني الشوكولاتة وكأنها خبز، بل لأنها ببساطة لم تتركني مثل الآخرين.
لذلك، حاولت أن أُبدي قليلًا من الجدية في الحديث معها.
“يقولون إن الانتقال بالوَرب قد يُسبب الدوار. أتُرانا سنكون بخير؟”
“لمَ قد يُشعر بالدوار؟”
“لستُ خبيرة بالسحر، لكن… جسدك يُنقل عبر القارة، أليس كذلك؟ ربما يتم تفكيك الجسد إلى جزيئات صغيرة ثم يُعاد تركيبه، لهذا السبب ربما.”
“…ما هي الجزيئات؟ هذه أول مرة أسمع بها.”
“أنا نفسي لا أعرفها جيدًا. قد لا يكون لها علاقة بالأمر على الإطلاق… أي نوع من النظريات يُمكن أن يفسر هذا؟ هل من المنطقي أصلًا أن نتوقع وجود نظرية وراء السحر؟”
“مع أنكِ روحانية، أشعر أنكِ أذكى منّي وأنا الكيميائية! تعرفين الكثير من الأشياء!”
“هذا مجرّد وهم.”
بينما كنت أتناول الشوكولاتة التي أعطتني إياها، هززت كتفيّ بلا مبالاة.
“بالمناسبة، كنت أتساءل منذ مدة… ما الفرق بين الساحر وروحانيّ الأرواح؟”
“ربما إن قلت إن طريقة استخدام السحر تختلف بينهما سيتضح لك الأمر؟ الساحر يُطلق السحر باستخدام نفسه كوسيط، أما روحانيّ الأرواح فيستخدم الأرواح كوسيط. إذا أردنا التحديد، فإن روحاني الأرواح يُشبه المستدعي أكثر.”
“آه، فهمت الآن!”
كانت إيروجي من النوع الفضولي، مثل ميا تمامًا.
ويبدو أن الفضول من السمات المشتركة في قسم الكيمياء.
حتى طلاب قسم السحر يُعرفون بشغفهم في البحث، لذا ربما كل طلاب قسم المعرفة كذلك.
هل من يملكون عقلاً نبيها لا يكفون عن التساؤل أبدًا؟
“جيني، انظري خلفكِ”
“لماذا؟”
عندما استدرت، رأيت ممراً قد فُتح خلفي بوضوح.
كان الطلاب يُوسّعون الطريق لشخصٍ ما.
كان فتى أطول من أقرانه في مثل عمرنا، يسير باتجاهي مباشرة، ونظراته موجهة نحوي بلا شك.
كان يرتدي زيًّا مدرسيًا خاصًا بقسم المراهقين.
فأطفال قسم المبتدئين يرتدون زيًا أخضر مخططًا بالأسود، أما طلاب قسم المراهقين فيرتدون زيًا أزرق مخططًا بالأسود، لذا من السهل التمييز بينهم.
“أنتِ جيني كروويل، أليس كذلك؟”
الفتى الذي توقّف أمامي وأمام إيروجي بكل ثقة بدا في السادسة عشرة من عمره تقريبًا، ومع ذلك كنت واثقة من أنّها المرة الأولى التي أراه فيها.
فأنا أساسًا لا أعرف أحدًا من قسم المراهقين.
تصرّفتُ بحذر واضح، بينما إيروجي كانت تكتفي بالتحديق فيه بعينيها اللامعتين المليئتين بالفضول.
“…مَن أنت؟”
“آه، عذرًا على التأخير في التعريف بنفسي. اسمي برايت كينيان. من قسم السحر، وكما ترين، من قسم المراهقين.”
بدا الفتى المدعو برايت فخورًا بنفسه وهو يقدّم اسمه
أما أنا فكل ما خطر في بالي:
ومن يكون هذا؟ وماذا يريد؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 50"