كان اهتمامي ينحرف بوضوح نحو أمرٍ أكثر أهمية: اللحم.
“صحيح، لكن ليو……… “
“كل هذا بسبب تلك الفتاة اللعينة!!”
الفتى ذو الشعر الأصفر الليموني، الذي يُدعى ليو، اندفع نحوي غاضبًا بخطى غليظة
لكنني لم أُعره أي اهتمام، إذ كنت منشغلة بالإحباط من قلة الطعام المتبقي.
هكذا إذًا… هذا ما يحدث حين تأتي متأخرًا إلى قاعة الطعام.
والتغذية مهمةٌ جدًّا لطفلة في طور النمو!
“أتحدّاكِ في مبارزة!”
“سيدتي، هل بقي لديكم لحم؟”
“أنتِ!!”
“هم؟”
من هذا؟
ألقيت نظرة جانبية على الفتى الغريب، متأكدة أنني لم أره من قبل قط،
لكن لم يدم ذلك أكثر من لحظة،إذ سرعان ما عدت لأدير رأسي نحو طبقي.
لأنني كنت جائعة، فقد التقطت أكبر رغيف خبز بين الأطعمة المصفوفة على طريقة البوفيه،
ووضعته في فمي مباشرة، ألوك لقيماته متجاهلة ذلك الفتى تمامًا، ومضيت في طريقي.
“أنتِ! نعم، أنتِ!”
عفوًا، يبدو أنك أخطأت في الشخص. اسمي ليس أنتِ…
“ألا تسمعين ما يُقال لكِ؟!”
وبسبب أنه أمسك بي من كتفي، لم يكن أمامي سوى أن أتوقف.
لكن فمي لم يتوقف عن المضغ. يا له من خبز لذيذ!
لا عجب أن الطعام في النزل الجيد يكون رائعًا.
“اسمي ليو!”
“لم أسألك.”
“وصلت تَوًّا إلى فالين!”
“ولا يهمني.”
“كنت أمتطي الحصان دون راحة، وأنام ساعتين فقط في اليوم! ينبغي أن تُقدّري شجاعتي!”
“أوه، ولماذا فعلت ذلك؟”
بصراحة، بدأت أعتقد أن ليو هذا غريب الأطوار قليلًا.
فهو اقترب فجأة، يصرخ في وجهي، وكأنه غاضب من شيء لا أعرفه…يا له من أحمق.
“المعلّمون ظنّوا أنكِ ميتة، ولهذا استدعوني بديلًا عنك!”
عندها فقط، أدركت متأخرًا أن هذا الفتى هو بدلي في البعثة،
لكن ذلك لم يدفعني لأي رغبة في معاملته بلطف.
فما دمت لست لطيفًا معي، فلماذا أكون لطيفة معك؟
“آسفة إذن… لأني لم أمت.”
“أتدرين كم عانيت؟! لقد قضيت عشرة أيام كاملة على ظهر الحصان دون توقّف!”
“أوه… مجرد التفكير في ذلك يُشعرني بالغثيان.”
“آرغ! يجب أن تعوّضي لي الإهانة التي تسببتِ بها! أطلب مبارزة…!”
“… مهلاً، هل قلت لتوّك إهانة؟”
“وما بها الكلمة؟”
هل أنا الوحيدة التي وجدت هذا مضحكًا؟
انفجرت ضاحكة بلا مواربة.
“هاهاهاه! أي إهانة وأنت مجرد طفل في العاشرة؟! هل تعرف حتى ما معنى الكلمة؟!”
“أنا في الحادية عشرة، وليس العاشرة!”
لكن، المضحك يظل مضحكًا.
ضحكتُ من أعماق قلبي، وكانت من المرات القليلة التي أضحك فيها بهذا الشكل.
كلما زادت ضحكتي، ازداد احمرار وجه ليو، ليس من الخجل، بل من شدة الغضب على الأرجح.
ومع ذلك، بدا لي غيظه أشبه بحماقة طفولية.
ماذا قد يُغضب طفلًا في مثل سنّه إلى هذه الدرجة؟ لا شيء يستحق كل هذا.
وفي لحظة، فكرتُ أن أُخفف من ضحكي احترامًا لمشاعره…
لكن حين قال ما قاله بعد ذلك، لم أستطع منع نفسي أبدًا.
“جيني كروويل! أُعلِن تحديًا رسميًا على مقعد الوفد!”
“………”
“سنخوض نزالًا نزيهًا، ومن يفُز، ينضم إلى الفريق!”
“بُههاهاهاه!!”
انفجرت ضاحكة حتى أمسكت بطني من شدة الضحك.
أما ليو، فقد بدا أن أعصابه احترقت تمامًا، فانقضّ علي وهو يلوّح بقبضته.
لكن قبل أن تصل قبضته إليّ، تدخّلت الأستاذة إيريتو في اللحظة الحاسمة، فحالت بيننا وأنقذت الموقف.
أما أنا، فاستغليت الفرصة لأُهدّئ راي الذي كاد ينقضّ بدوره،
وربّتُّ عليه برفق حتى جلس بهدوء.
[سيدتي! لقد حاول مهاجمتك لتوّه!]
[إنه مجرد طفل.]
الأستاذة إيريتو، التي اندفعت لتقف بيني وبينه بوجه مرتبك،
بدا واضحًا أن محاولاتها لتهدئة ليو كانت تفوق اهتمامها بي.
“ليو! ما الذي تفعله هنا؟ ألم أقل لك أن تبقى مرتاحًا؟!”
“لكن أستاذة! أشعر بظلمٍ شديد!”
“آه… ليو…”
تنهدت الأستاذة إيريتو بأسى، ونظرتُ إلى وجهه من الجانب وأنا ما زلت أضحك بهدوء، بين الحين والآخر.
“أستاذة إيريتو! هل سمعتِ؟! لقد تحداني لمبارزة… هاهاها!”
“آنسة جيني! لا يجوز السخرية من أصدقائك! والآنسة لا يجب أن تضحك بهذه الطريقة!”
“هاهاهاهاهاها”
“جيني! هذا جارح… أعني، توقفي عن هذا الآن!”
“لكن يا أستاذة، أنتم تمنعونني من كل شيء! ثم إنّه ليس صديقي أصلًا.”
نفخت خديّ تعبيرًا عن استيائي.
لماذا يعتقد الكبار دائمًا أن كل من يقاربنا في العمر هو صديق لنا؟
“لقد سافر لأجلك لياليَ وأيامًا لعشرة أيام متواصلة. على الأقل قدّري ذلك بعض الشيء.”
“فعلها لأجل نفسه، لا من أجلي. هناك فرق بين التضحية والانتهازية، أليس كذلك؟”
“جيني!”
لو كانت المعلمة شخصًا آخر، لاستمررت في العبث قليلًا
لكن بما أن الأستاذة إيريتو من الأشخاص الذين أكنّ لهم بعض المودة،
قررت أن أُسكت نفسي عند هذا الحد، وأتنازل.
“أتمنى أن تتفهمي. ليو غاضب ومُحبط، هذا كل ما في الأمر.”
رغم محاولاتها الحثيثة للتهدئة، ظلّ ليو يزفر غيظه ويحدّق بي بنظرات مشتعلة.
وجهه الذي يقطر بالغضب لم يثر فيّ شيئًا سوى… الشفقة والسخرية،
لذا بدلاً من أن أضحك بصوت عالٍ، اكتفيت بابتسامة جانبية ساخرة.
ويبدو أن ذلك كان الشرارة الأخيرة؛ إذ انفجر ليو مجددًا، يصبّ عليّ جام غضبه:
“اللعنة! كل هذا بسببك! أنا خرجت من الفريق، واستدعوني بعد جهدٍ طويل، ثم في النهاية قالوا إنهم لا يحتاجونني! كل ذلك خطؤك!”
ويبدو أن الأمر كان كذلك فعلًا.
بسبب غيابي المؤقت، تم استدعاء هذا الفتى بصفته أول بديل في القائمة،
فامتطى حصانه وركض ليلًا ونهارًا ليلتحق بالوفد…
ثم، وبمجرد عودتي، اختفى مقعده كما لو لم يكن.
يا له من عبث قدريّ قاسٍ!
قدر البدلاء دائمًا… مرير.
وبكل صراحة، أستطيع تفهّم مشاعره.
“يعني… كل ما في الأمر أنني لو لم أكن موجودة، كنتَ ستكون في مكاني؟”
“بالضبط! لو أنك لم تعودي، لكان مكاني محفوظًا!”
“فهمتُ الآن. فكرة ممتازة.”
“… ماذا؟”
“أظن أننا سنتفاهم جيدًا.”
كان على وشك الانقضاض عليّ من جديد،
لكن ردّي الغريب أربكه، وجعله يحدّق بي بوجهٍ مذهولٍ كالأبله.
“ولِمَ علينا أن نتقاتل؟ خذ مكاني بكل بساطة.”
قلتُ ذلك بابتسامة عذبة وبنبرةٍ ناعمة.
وفعلًا، حين فكّرت بالأمر، بدا عرضًا مغريًا للغاية.
أُظهر بعض الكرم، وأرتاح في الوقت ذاته. يا له من حلّ مثالي!
فمنذ البداية، لم يكن مقعد الوفد يعني لي شيئًا.
لم يكن هذا ما أريده أصلًا.
ولم أكن أرغب أبدًا في خوض بطولة قتال همجية، تقوم على الضرب والركل فقط.
وقبل كل شيء، فأنا إنسانة رقيقة راقية… والقتال شيء لا يُطاق.
“أنا… أقوم بالمهمة؟”
وبسبب تعبير ليو المذهول الغبي، اضطررت لتكرار كلامي بشكل أوضح:
“نعم، من الطبيعي أن يفعل ما يريدُ شيئًا مَن يرغب به. أما أنا، فلم أرد ذلك أصلًا.
شكرًا لأنك قلتها أولًا. هل يمكنني العودة الآن إلى المدرسة؟ ما رأيكِ يا أستاذة؟”
“يا إلهي! آنسة جيني! لا يمكن أن يُقبل هذا الكلام أبدًا…!”
“إلى متى ستستمرين في السخرية مني، جيني كروويل؟!”
“سخرية؟ ما قلته حقيقي تمامًا. على كل حال، هل تعرف ما معنى ‘السخرية’ أصلًا؟”
أعطيه ما يطلبه… ثم يُغضب نفسه؟ حقًا إنه فتى صعب الإرضاء.
بينما كنت أبتسم بسخرية، رأيت قبضته ترتجف من شدّة الغيظ،
لكن بدلًا من الانفجار، غيّر ملامحه فجأة،
وارتسمت على وجهه نظرة متعجرفة.
“هاه! فهمت الآن! أنتِ خائفة، أليس كذلك؟”
“… ماذا قلت؟”
“نعم! لا غرابة، فأنت لا تملكين أدنى مهارات قتالية. لا بد أن الرعب قد شلّكِ تمامًا.أكره السحرة الضعفاء أصلًا… لكن أمثالكِ، أضعف منهم وأجبن. مجرد نكرة تافهة تدّعي أنها روحانية؟ الآن فهمت تمامًا ما هم عليه هؤلاء! مجرد جبناء جبناء!”
“يا لهذا اللسان! وكأنك لا تزن ما تقول.”
“نعم! أنا منقذك! أما أنتِ… فاهربي بجبنك كما تفعلين دائمًا!”
اصبري… اصبري يا جيني.
“ولماذا أكون مخطئًا؟ أنتم الأرواح السحرية هؤلاء، ضعفاء كالشائعات التي تدور عنكم! في الحرب لا تصلحون إلا للفرار! مجرد زينة لا فائدة منها!”
أطبقت على أسناني بخفة.
هذا النوع الرخيص من الاستفزاز لا يُجدي معي.
فقط الحمقى من فرقة القتال ينجرّون إليه.
أما أنا، فأنا عقلٌ لامع، شخصية راقية، عقلانية… ولن أقع في الفخ… أبداً…
“أيها الأشقر الغبي!”
… هاجمني إن كنتَ تجرؤ، أيها الوغد الصغير!
“سنقاتل! جيني كرو… أُغغغ!”
“آآآه! مقزز!”
ما الذي… لماذا بدأ يتقيأ فجأة؟!
تراجعت بسرعة إلى الخلف،
فالرائحة التي ضربت أنفي كانت أسوأ من أي لكمه.
غطّيت فمي بيدي، وأخذت أتنفس من أنفي بحذر.
أما وجه ليو— الذي لم يكن جميلًا من الأصل — فقد أصبح شاحبًا كالجص في لحظة.
يبدو أن الإرهاق من السفر المتواصل دون راحة قد بدأ يُلقي بظلاله عليه.
“أرأيت؟! قلتُ لك أن ترتاح قليلًا، ليو!”
“أُغغغ…!”
“مقزز… فعلًا مقزز…”
ومهما يكن… فقد كان ذلك مقززًا فعلًا.
ليو، الذي ظلّ يسخر مني وينعتني بالضعف،
انتهى به الحال يُحمل بين ذراعي الأستاذة إيريتو كـأميرة مدللة، ثم اختفى عن الأنظار.
وهكذا… فُقدت شهيتي تمامًا.
لم أتناول سوى رغيفين من الخبز، وبيضة واحدة، وطبق حساء مليء باللحم، وأربعة قطع من الحلوى،
ثم أخذت تفاحتين وصعدت إلى غرفتي.
أووف… لا شهية لي اليوم.
نهاية الفصل
قراءة ممتعة💗
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 46"