“يبدو أن هناك خطأ ما. نحن وفد أكاديمية ديريك من ديميتري.”
“نحن في طريقنا لحضور مهرجان وينكان الذي يُقام هذه المرة في إيلان. ألستم تخلطون بيننا وبين وفدٍ آخر؟”
“بل أنتم المقصودون بلا شك! أنتم من كنا ننتظرهم.”
“نعم، لقد كانت تردد كل يوم أن وفدًا سيصل. تلك الشيطانة التي ترتدي قناع ملاك… همهم…”
“كانت هنا قبل لحظة فقط. أين ذهبت في غمضة عين؟”
“لابد أنها ذهبت للتسبب في مشكلة جديدة.”
بدأ الحراس يتهامسون فيما بينهم بسرعة. وقد سمع هانسن وفيلو كل شيء، لكنهما لم يتمكنا من فهم ما يدور.
“أعني… عذرًا…”
“حقًا، لا تستمع للكلام أبدًا. طلبنا منها مرارًا أن تبقى هنا. لو لم تكن من النبلاء لطردناها منذ زمن.”
“لا بأس، الآن وقد جاء من يتولّى أمره، فلننجز الأوراق بسرعة ونتخلّص منه، وننال حريتنا!”
“صحيح! ما دام وصيّها قد حضر، فلم تعد من ضمن مسؤوليتنا! يا لك من عبقري.”
ابتسم الحارس ابتسامة مشرقة لدرجة أنها أحرجت كل من ينظر إليه.
“تفضلوا، لقد أعددنا الأوراق مسبقًا.”
“آه… حسنًا…”
لم يسبق لهانسن أن صادف شخصًا من بايلان بهذه اللطافة.
كان هذا الترحيب الغريب يبعث في نفسه شعورًا غامضًا بعدم الارتياح، فتبع الحارس إلى نقطة التفتيش بخطوات مترددة.
وفي تلك الأثناء، بقي فيلو في الخارج لحراسة الخيول.
كانت هذه زيارته الأولى إلى بايلان في حياته، فرفع بصره إلى سور سيغناتي الشهير لقلعة فالين. لقد كان السور محاطًا بقوة شبه شفافة تعكس ضوء الشمس بألوان قوس قزح.
وبالنسبة لفيلو، القادم من ديميتري حيث السحر نادر، كان ذلك مشهدًا نادرًا وفريدًا.
أطال النظر إلى الأعلى مبهورًا.
“هذا هو إذًا… الجدار السحري الذي تفتخر به بايلان…”
“هاه؟ فيلو! أهذا أنت يا فيلو؟!”
كان غارقًا في إعجابه النقي بما يراه، حين تسلّلت إلى أذنه فجأة نبرة صوت مألوفة.
ولم يكن منه إلا أن التفت فورًا، مدفوعًا بغريزته قبل أن يدرك هوية المتحدث.
وفي اللحظة نفسها، ملأ بصره خصلات ذهبية تتطاير في الهواء.
ذلك اللون المتوهّج الذي يشبه الشمس أربك عينيه للحظة.
ثم تبعتها عينان زرقاوان متألقتان، وابتسامة أشبه بابتسامة ملَك.
“لمَ تأخرت هكذا؟! لقد شعرتُ بوحدة قاتلة!”
“هاه؟!”
“لأنك لم تكن موجودًا، لم يسمح لي الحراس بفعل أي شيء دون وجود ضامن!”
ركضت تلك الفتاة الصغيرة نحوه بخطى سريعة ثم ألقت بنفسها في حضنه.
كان فارسًا مدرّبًا، ومع ذلك لم يستطع تفادي هذا الهجوم التافه.
لو كان من هاجمه عدوًا، لكان قد قُتل بلا شك. تجمّد جسده بالكامل،
وفغر فاهه عاجزًا عن النطق. في البداية، ظنّ لوهلة أنه يتوهم.
ربما كان هذا من سحر الجدار؟ نوع من السحر الوهمي، أو شيء من هذا القبيل؟
لكن سرعان ما بات من المستحيل نفي الأمر.
صاحبة ذلك الصوت الحيّ كانت بلا شك شخصًا يعرفه جيدًا.
“أوه؟ تبدو وكأنك نحفت قليلًا، فيلو؟”
“أ… أأه…”
الشخص الذي كان ينظر إلى فيلو من الأسفل بكل طمأنينة لم يكن سوى جيني كرويل… التي كان يُعتقد أنها ميتة.
“آاااااه!!”
لم يكن شعوره إلا كما لو رأى شبحًا.
فهو قد رأى بأمّ عينيه كيف دُفعت إلى حافة الهاوية التي لا عودة منها.
وقد تألم كثيرًا من أجلها حينها.
لذلك… لم يكن قادرًا على تصديق ما يرى.
***
أما هانسن، فكان ملء استمارات الدخول يسير معه دون أي عوائق.
كان واضحًا أن الحارس على أحرّ من الجمر ليدخله بسرعة إلى داخل المدينة.
كم عدد الداخلين؟ ما الغرض من الدخول؟ هل يحملون وثائق إثبات الهوية؟
هل الختم الموجود من عائلة معترف بها رسميًا؟ وغيرها من الأسئلة المعتادة…
رغم كثرة المستندات المقدَّمة، لم يكد الحارس يلقي عليها نظرة، بل أخذ يختمها بسرعة مذهلة.
سرعان ما ظهرت نهاية أوراق إثبات الدخول.
“وهذا هو الأخير.”
وبينما كان هانسن لا يزال مذهولًا من سرعة الإجراءات، دُفعت نحوه ورقة غريبة لم يرَ مثلها من قبل.
“ما هذه؟”
“إنها شهادة استلام لتعهّد الكفالة الخاصة بالآنسة جيني.”
“… ماذا؟”
“حين دخلت إلى القلعة، لم تكن تملك بطاقة هوية، ولهذا تولّى القائد تشابيل كفالتها رسميًا.”
“ولكن مع مغادرته البلاد، انتقل أمر الكفالة إليّ بصفتي المسؤول عن دخولها في ذلك الحين. والآن، بما أن رفاقها قد وصلوا… فـ…”
“انتظر لحظة! ما الذي تقصده؟ وكيف تعرف اسمها أصلًا؟”
“قلت لك، كنت مسؤول الدخول حينها.”
“هذا… غير ممكن! لقد جُرفت قبل أسبوعين تقريبًا في تيار جارف وماتت…”
وفي خضم اضطرابه وتلعثمه، دوّى في أذنه صوت صراخ مألوف.
كان صراخ فيلو.
“آاااااه!!”
وما إن تعرّف على صاحب الصوت حتى اندفع خارج نقطة التفتيش راكضًا بجنون.
وهناك، رأى بعينيه أيضًا…
الفتاة ذات الشعر الأشقر الأرستقراطي المألوف، تلوّح ملامحها بالانزعاج الشديد، وتسدّ أذنيها بكلتا يديها!
“آاااه!!”
اضطر لابتلاع أنفاسه بسرعة من شدة الصدمة.
الفتاة الصغيرة التي نعاها في قلبه، والتي صلّى أيامًا أن لا تكون قد تألمت كثيرًا في موتها، كانت تقف حيّة تُرزق،
وقد التفتت للتو نحو مصدر الصوت.
شعر هانسن بعرق بارد يتصبب من جبينه، وهو يحدق في عينيها الزرقاوين اللتين كانتا تنظران إليه مباشرة.
“ما الأمر؟ لماذا تبدو ردّة فعلكم هكذا جميعًا؟”
قالت الفتاة، وقد امتلأت عيناها الزرقاوان بالبريق والفرح، ثم عقدت حاجبيها بانزعاج خفيف.
إذ كان الجميع ينظر إليها وكأنها شبح.
“هل وجودي غير سار إلى هذه الدرجة؟”
“أ… أنتِ… كنتِ على قيد الحياة؟!”
“هم؟ هل ظننتم أنني متُّ؟”
“طبعًا! لقد سقطتِ من على تلك الهاوية! الجميع ظن أنكِ… ميتة لا محالة…”
“لكنني حيّة. وها أنا أمامكم، أليس كذلك؟”
وبينما كان الجميع لا يزال في ذهولهم، وضعت يديها خلف ظهرها وقالت بتفاخر
“همم!”
محتفظةً بتلك النبرة المزعجة التي عهدوها فيها دائمًا.
“صحيح أنني كدت أموت، لكن العالم قاسٍ كما تعلمون؟”
“كيف نَجَوتِ من التيار الجارف ذاك…؟”
“وبأي وسيلة وصلتِ إلى فالين قبلنا…؟”
“وهذا الثعبان! لماذا تغير لونه مجددًا؟!”
أمطرها هانسن وفيلو بوابل من الأسئلة،
أما جيني كرويل فحدّقت للحظة إلى راي،
الثعبان الأبيض الملتف حولها، ثم رفعت كتفيها بلا مبالاة.
“قمت ببعض المغامرات، لا أكثر.”
بدت وكأن الأمر لا يستحق كل هذه الضجة.
“هاااه!”
ظنّت أن شخصًا آخر قد بالغ في رد فعله،
لكن تبيّن أنه قائد فرقة الفرسان الذي وصل إلى نقطة التفتيش في تلك اللحظة.
كانت عيناه مستديرتين أكثر من سمكة أُخرجت تَوًّا من الماء.
أما جيني كرويل، فلم تعد تتفاجأ من ردة فعل الناس حين يرونها.
بل بدأت تشعر ببعض المتعة في الأمر.
“تلك الملامح مضحكة جدًا، أليس كذلك؟”
“أ… أنتِ… حية…؟!”
“فف! أول مرة يرون فيها إنسانًا حيًا على ما يبدو.”
وبالنظر إلى تلك الملامح المزعجة التي ارتسمت على وجهها، لم يكن هناك شك في أنها هي نفسها.
نعم، كانت جيني كرويل فتاة مزعجة تميل إلى السخرية من الكبار.
وكانت تفرّق كثيرًا وبشكل واضح بين من تحبّهم ومن لا تطيقهم.
أما قائد الفرسان، فقد أمسك مؤخرة عنقه بيده في ذهول.
***
“أنتم قساة فعلًا!”
يا للمفارقة، لم يُسمح لي بالراحة إلا بعد أن شرحت لهم — بشكل مُقنع — لماذا لا أزال على قيد الحياة.
الأساتذة وقائد الفرسان أرهقوني بأسئلتهم المزعجة،
ولم يُطلق سراحي من جلسة الاستجواب الطويلة إلا بعد قرابة ساعتين من الإجابة على عشرات الأسئلة.
لماذا دخلتِ الغابة وحدك في وقت متأخر من الليل؟
وكيف نجوتِ من التيار الجارف؟
ولماذا تبعتِ الغرباء دون تردد؟
هل تدركين حقًا مدى خطورة أولئك المرتزقة؟ وما إلى ذلك من أسئلة.
“وماذا كنتَ تتوقع من طفلة وحدها في الغابة!”
[اهدئي، سيدتي.]
لماذا لديك كل هذا الفضول؟ ولماذا هذا الكم من التوبيخ؟!
“مزعج! وكأنك تلمّح أنني مجرد فتاة مشاغبة!”
كنتُ أتمتم وأنا أسير إلى المطعم ممسكة ببطني الجائعة،
متذمرةً من راي، الذي بدا أنه فريستي الأسهل.
[إن كنتِ تقصدين بـ الفتاة المشاغبة ما أعلمه أنا، فالوصف ليس بعيدًا عن الحقيقة؟]
“هل تريد الموت؟”
[الأرواح لا تموت.]
“إذًا، هل ترغب في الفناء؟”
[……هذا ظلم! سيدتي! لقد قلتُ الحقيقة فقط!]
راي كان أحيانًا صريحًا أكثر مما ينبغي، وكان من الأفضل له أن يتحلى ببعض الحس الاجتماعي.
“أي مشاكل سببتها أنا بالضبط؟ من الواضح أنني لستُ طالبة مثالية، لكنني على الأقل شخص مسالم… إلى حد ما.”
[لا زال لديكِ قليل من الضمير، وهذا أمر جيد.]
“تِسك!”
[على كل حال، حين يسمع الناس أنكِ دخلتِ في شجار مع *سرب من النحل*، أو اختفيتِ في الغابة، فلن يروكِ سوى كمصدر دائم للمشاكل.]
“لا! هذا ليس عدلًا! فكّر قليلًا…كدت اموت بسبب سرب النحل لكن أليس ذلك ذنب النحل نفسه؟!
انفصلتُ عن رفاقي بسبب تلك الغول! لم يكن ذنبي على الإطلاق.العالم القاسي هو المذنب هنا!”
قلت ذلك بكل فخر، إذ كانت الحقيقة واضحة لا تشوبها شائبة!
[نعم… بالطبع، كما تفضلين……………….]
“لماذا نبرتك في نهاية الجملة بدت طويلة مشبوهة؟”
[سوء فهم لا أكثر.]
“رأيتك الآن تحدق بي بعين ضيقة جداً.”
[أبداً، لم أفعل. عيناي مستديرتان كثمار التوت الجبلي، صدقاً.]
كان الممر الذي نمشي فيه بينما أتشاجر مع راي فخمًا على نحو مبالغ فيه.
لو كان النزل الذي نزلنا فيه مع تشابيل ورفاقه من الدرجة المتوسطة، فإن هذا يبدو من الدرجة الممتازة.
وذلك يعني شيئًا مهمًا: الطعام هنا لا بد أن يكون رائعًا.
تأكدت من أن راي، وقد اتخذ الآن شكل أفعى بيضاء، كان ملتفًا بإحكام حول خصري،
ثم دخلت إلى قاعة الطعام. اللحم! أعطوني اللحم!
بعد جلسة الاستجواب التي خضعت لها، كنت جائعة جوعًا شديدًا.
رأيت بعض الأطفال ما زالوا في قاعة الطعام، لكني لم أعرهم اهتمامًا كبيرًا.
كان من بينهم ذلك الصبي الذي همس عني قائلاً إني قاتلة،
لكن الآن لم يبدُ لي سوى مسكين،وبما أنهم كانوا يظنون أنني متّ،
فقد تغيرت نظراتهم إليّ عما كانت عليه سابقًا.
“هل هذه هي جيني كرويل؟”
لكن أحدهم، وكان وجهه جديدًا عليّ، أشار إليّ بإصبعه مباشرة وصرّ على أسنانه بغضب.
نهاية الفصل
قراءة ممتعة💗
ت. م:
سرب النحل هو تعبير مجازي ويقصد فيه نحل حقيقي وهالجملة تقال للسخرية او المبالغة من كثرة المشاكل اللي تحيط بالشخص او أن الشخص وين ما راح يجر معاه المشاكل زي جيني 😂
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 45"