مكانٌ ذاعت شهرته بفضل ما يملكه من مانا وفيرة في تربته، حتى أصبح محبوبًا لدى السحرة، وعُرف بكثرة العقول اللامعة فيه.
بلاد العلماء الذين يجمعون بين شتى أطياف المعرفة، بل وبلاد السحرة ذاتها، عاصمة بايلان المسماة فالين.
في هذا المكان، هناك ثلاثة أشياء مشهورة:
أولها برج السحرة، الذي يضم نخبة أفضل السحرة.
وثانيها أسوار سيغناتي، المعروفة بأنها ذروة فنون الحماية السحرية، والتي صنعها سحرة ذلك البرج.
وثالثها، مكتبة عامة هائلة الحجم، يقال إنها تضاهي مكتبات القصور الملكية من حيث الاتساع والمحتوى.
وكانت شهرة هذه المكتبة العامة تأتي من كونها كنزًا معرفيًا مفتوحًا أمام الجميع.
سواء أكان المرء من الطبقة الدُنيا أو من العامة أو من النبلاء، فإن هذا الصرح المعرفي الضخم يفتح أبوابه لكل من يسعى وراء العلم، وهذا المبدأ كان رمزًا من رموز هذه البلاد.
ولكن… اليوم، وعلى بابه الأمامي، كانت هناك فتاة سيئة الحظ قد مُنعت من الدخول…
إنها أنا بالذات.
“قلت إني أريد الدخول!”
كنت أضرب الأرض بقدمي بإصرار، أحاول التوسل، بينما نظرت إليّ أمينة المكتبة بنظرة باردة خالية من أي تعاطف. يبدو أن سلاحي الأقوى—براءتي الظريفة—لا ينفع مع هذا العدو العنيد!
رفعت إصبعها السبابة اليسرى ودفعت نظارتها إلى أعلى أنفها بحركة باردة لا تخلو من اللامبالاة.
“ممنوع!”
“لماذا؟! أليست هذه مكتبة مفتوحة للجميع؟ هذا هو مبدأها، أليس كذلك؟!”
لم أعد أحتمل التأجيل. شعرت أنني إن لم أذهب اليوم فلن أذهب أبدًا، لذا انطلقت باكرًا، مع أول ضوء للصباح، مسرعة نحو المكتبة… لكن أمينة المكتبة أوقفتني فورًا، دون تردد.
حدّقت في وجهي للحظات، ثم أخرجت لفافة من داخل كمّها وفردتها أمامها.
وفي تلك اللحظة، ظهر راي من خلفها كالعادة، ليقدم خدماته غير الضرورية وينقل لي محتوى تلك اللفافة بصوت مسموع:
> [قائمة الممنوعين المضافة في شهر أغسطس – الأسماء والصفات:]
جيني (10 سنوات، أنثى). دخلت القلعة هذا العام في يوم 22 يوليو بكفالة قائد فرقة المرتزقة تشابيل. طالبة مسجلة في أكاديمية ديريك التابعة لأكاديمية ديميتري الملكية. شعر أشقر، عيون زرقاء – المظهر النمطي لبنات النبلاء.
ملاحظات خاصة: تحتفظ بثعبان أبيض صغير في ملابسها.
> [ما هذا؟! لديهم شيء كهذا عني؟!]
> [22 يوليو، عام 983 من التقويم الروني: تسببت بحادثة الثعبان الأبيض داخل نُزُل بالقلعة. تسببت في أضرار بالممتلكات العامة ونشوب شجار بين المرتزقة.]
[23 يوليو: حادثة انفجار نافورة الساحة المركزية. فجأة انفجرت النافورة، دون وقوع إصابات، لكن الترميم لا يزال جارٍ. هناك بلاغ يفيد بأن فتاة شقراء استخدمت السحر في الموقع.]
[25 يوليو: حادثة التماس مع سيغناتي. أُطلقت تعويذة هجومية نحو أسوار سيغناتي، ما تسبب في إعلان حالة الطوارئ. مجددًا، هناك بلاغ برؤية فتاة صغيرة شقراء في المكان.]
حقًا… لا عجب أن تُدعى بلاد العلماء، سرعة تداول المعلومات هنا مذهلة.
> [في اليوم نفسه، الثعبان الأبيض المملوك لجيني اقتحم متجر رينجسن وأثار فوضى. حاولوا قتله لكنه كان صلبًا جدًا.]
[في 28 يوليو، اندلع شجار مجددًا في النُزل بسبب حادثة الثعبان الأبيض. أضرار إضافية. لا يُعرف تمامًا ما جرى، لكن الأطراف توصلت إلى تسوية. محور الشجار كان جيني.]
[30 يوليو، حادثة مستنقع الغيلان.]
> [هل انتهينا بعد، راي؟]
> [هذا آخرها. حادثة مستنقع الغيلان: جيني غادرت القلعة دون إذن بحجة استقبال رفاق أكاديمية ديريك، وتعرضت للمطاردة من أربعة غيلان خارج المدينة، قبل أن تعود هاربة. كانت مركز الحادثة… يُرجى توخي الحذر…….. وهناك بعض الحوادث الأخرى، لكن يبدو أنهم لم يكتشفوها بعد، سيدتي!]
صوت راي كان يمرّ في ذهني كفيلم بانورامي، جعلني أكتفي بإغلاق فمي دون كلمة واحدة.
تشه… نافورة الساحة؟ فقط أردت رفع ضغط الماء قليلاً لأجعلها تقفز أعلى! من كان يتوقع أنها ستنفجر؟
أما عن سور سيغناتي أو أيًا يكن اسمه، فقط كنت أتمرن على سحر الأرواح بجانب الجدار، لكن الفرسان هبّوا فجأة كأنها نهاية العالم وهم يصرخون في وجهي!
ومتجر رينجسن؟ راي فقط أراد رؤية حجر نادر، لم نأخذ شيئًا أصلًا، فلماذا حاولوا قتل ثعباني الأليف؟!
أعترف، تسببت في… بعض المشاكل.
ولهذا شعرت بالذنب وذهبت لملاقاة رفاقي خارج العاصمة، لكن من كان يتوقع وجود مجموعة من الغول هناك؟ على الأقل قضيت على اثنين منهم! وكانوا بالأصل ستة!
ثم…
“اسمكِ جيني من أكاديمية ديريك هل هذا صحيح؟”
كنت في منتصف جدالي الداخلي حين قاطعني صوت أمينة المكتبة وهي تسألني بنبرة رسمية.
راودتني فكرة أن أتنكر وأتظاهر بأني لا أعرف من تكون هذه جيني، لكن لم أستسغ فكرة إنكار نفسي.
“أمم… ربما؟”
“كما توقعت… في هذه الحالة، دخولك إلى مكتبتنا مستحيل. مؤسف، ولكن عليكِ المغادرة الآن—”
“هيييك! كل ما أريده هو أن أتعلم! لماذا تكونون قساة هكذا…”
[أوندين، رشي المزيد من الماء، المزيد!]
[حالًا، يا سيدتي!]
وببراعة فائقة استدعيت أوندين بهدوء ونفذت تقنية رشّ الماء في الزاوية الداخلية للعين ببراعة لا توصف.
تقنية جديدة كنت قد طورتها مؤخرًا، وأثبتت فائدتها في مواقف عديدة.
“آه، أآآه… أعني…”
“أنا فقط… شهييق… أريد قراءة الكتب… شهييق…”
ومع تساقط الدموع الواحدة تلو الأخرى، بدأت أبكي ببطء.
فما كان من أمينة المكتبة إلا أن بدا عليها الارتباك الشديد، ولا تعرف ما عليها فعله.
“هاه… هذا غير مسموح حقًا…”
“ههييييك…”
“… لا خيار إذًا. توقفي عن البكاء، واتبعيني. هيا، امسحي دموعك.”
> [أحسنتِ، أوندين. يمكنكِ العودة الآن.]
> [كما تأمرين، سيدتي.]
أمسكتُ يد أمينة المكتبة كما لو أنني حزينة جدًا ولا أقوى على المشي وحدي، وتبعتها إلى الداخل ببطء.
وفي اللحظة التي دخلت فيها المكتبة، أعدت أوندين إلى عالم الأرواح.
أما داخلي فكان يرقص فرحًا وينشد أغنية النصر،
لكن تمثيلي كان متقنًا للغاية لدرجة أن أحدًا لم يشك بشيء.
***
لقد اعتدت على الأمر حتى بدا النُزُل وكأنه منزلي.
وحين فتحت الباب ودخلت، رأيت رفاقي ينهضون لتوهم من مائدة الطعام.
وكانت أنيليا أوّل من رآني، فابتسمت لي ابتسامة دافئة.
“كيف كانت المكتبة، يا جيني؟”
“كانت رائعة! الكتب هناك أكثر تنوعًا مما توقعت! رأيت كتبًا لم أرى مثلها من قبل!
صحيح أنني لم أجد ما كنت أبحث عنه، لكن…”
تعلّقت كعادتي بركبتي أنيليا، وأخذت أتحدث بحماس، لكن شيئًا ما في وجهها لم يكن على ما يرام… بدت حزينة.
“أوني، ما بكِ؟ هل حدث أمر ما؟ هل أزعجكِ أحد؟ قولي لي وسأتولى أمره!”
“…ليس الأمر كذلك. آسفة يا جيني، لكن يبدو أننا سنضطر للعودة.”
“العودة؟ ماذا تعنين؟”
لكن أنيليا لم تُجبني، بل كان تشابيل بوجهه المتجهم المعتاد، هو من نطق:
“ماذا نعني؟ نعني أننا سنعود إلى شاران. لقد وصلنا طلب جديد.”
لم أتمالك نفسي من الذهول.
“وماذا عني أنا؟”
“رفاقك من أكاديمية ديريك سيصلون اليوم أو غدًا على أبعد تقدير. ابقي هنا وانتظريهم بهدوء. لقد طلبت من صاحب النُزُل أن يحرص على إطعامك… فلا تقلقي.”
“لا! أنتم تتركونني وتغادرون؟!”
“نحن لا نتخلى عنك! سيظن الآخرون غير ذلك إن سمعونا!”
“قاسٍ كما أنت دومًا! لا عجب أنك ما زلت أعزبًا!”
“…م… ما علاقة هذا بالموضوع؟! على كل حال، الأمر قد حُسم! علينا أن نغادر اليوم! علينا أن نكسب قوتنا.
بقينا هنا ثلاثة أيام إضافية بسببك! فعلى الأقل، كوني ممتنة لأنيليا”
وقفتُ مذهولة من خبر انسحاب فرقة المرتزقة، فلم أكن أتوقعه أبدًا.
كنتُ أظن أنهم سيبقون معي حتى يصل رفاقي من أكاديمية ديريك.
وبالطبع، أنا ممتنة لكونهم بقوا معي كل هذه المدة… لكن لماذا أشعر بالحزن هكذا؟
لماذا أشعر أن دموعي على وشك السقوط؟
أدار تشابيل وجهه عني وهو يراني على وشك البكاء، وصعد إلى الطابق الثاني دون أن يلتفت خلفه.
وكذلك فعل بقية المرتزقة… ما إن التقت أعينهم بعيني، حتى تظاهروا بالانشغال وفرّوا من أمامي.
كلها تدفقت دفعة واحدة لفرقة المرتزقة التي بقيت معي في فالين قرابة عشرة أيام بسببي وحدي.
رغم ما أحمله من ذكريات سابقة، فجسدي وعقلي الآن لا يزالان لطفلة في العاشرة من عمرها.
وفي بعض اللحظات، تمامًا كهذه، كنت أتحول إلى طفلة صغيرة بكل جوارحي حين يغلبني الحزن أو حتى الفرح.
“أوني! إن افترقنا الآن… متى سنلتقي مجددًا؟!”
“سيجمعنا القدر مرة أخرى جيني… إن كانت بيننا رابطة حقًا، فسنلتقي مجددًا مهما باعدت بيننا الطرق.”
لو كانت من النبلاء، لربما كان هناك عنوان أرسل إليه، أو وسيلة للتواصل…
لكن أنيليا مجرد مرتزقة، منحدرة من أدغال بعيدة، ولا وسيلة للتراسل معها…
وهذا ما جعلني أشعر بالحزن أكثر، شعور العجز والقطيعة.
“ما بها الصغيرة؟ لماذا تبكي هكذا؟”
“هل أبكيتها بشيء؟”
تجمّع المرتزقة حولي، متسائلين بقلق.
ورغم كمّ المضايقات التي كنت أتحملها منهم، إلا أن رؤيتهم قلقين لأجلي الآن ملأت قلبي امتنانًا…
وربما، شيئًا من الأسف أيضًا… لأنني سأفقد مواد تجاربي معهم.
“آه، فلنلغِ أمر العينة التجريبية.”
***
كنت أودع أفراد فرقة المرتزقة أمام بوابة القلعة، وأشدّ على أسناني كي أمنع دموعًا جديدة من الانهمار.
يا لهذا الجسد الطفولي البائس، لا يكفّ عن البكاء في كل حين!
“أوني، عليك أن تكتبي لي رسالة، وعدتِني بذلك، أليس كذلك؟ أرسليها إلى الأكاديمية!”
“حسنًا، جيني. استمتعي بالمهرجان، وكوني بخير! سأشجعك من بعيد، اتفقنا؟”
“نعم!”
كان الحارس الذي يقف خلفي يُمسك بياقة عنقي بإحكام، وكأنما يخشى أن أركض خارج البوابة مرة أخرى.
وكأنني سأعود مصحوبة بغول هذه المرة أيضًا! حتى لو كنت أنا…!
“وداعًا جميعًا! عيشوا طويلًا!”
“وأنتِ أيضًا، أيتها الصغيرة!”
“اعتني بنفسك!”
“عِش طويلًا حتى نلتقي مجددًا في مكان ما!”
في هذا العالم، كانت عبارة عِش طويلًا أصدق ما يُقال بدلًا من إلى اللقاء.
لوّحت لهم بيدي حتى اختفى شابل ورفاقه عن ناظري.
تاركة خلفي الامتنان والحسرة، على أمل بلقاء قادم…
لكنني لم أعتد الفراق بعد، وكان ذلك مؤلمًا للغاية.
عندما لم يعد أيٌّ منهم ظاهرًا، بَكَيتُ أكثر من أي وقت مضى.
***
حين تجاوزنا تلًا صغيرًا، ولم يعد سور فالين، سيغناتي ظاهرًا للعيان
انفجرت آنيليا أخيرًا بالبكاء، بعد أن كانت تتماسك بصعوبة.
“هُق!”
“آنيليا! لا تقلقي كثيرًا. تلك الطفلة ستكون بخير، أنا واثق.”
“صحيح، حتى لو رُمِيت في إمبراطورية كويران المظلمة، لكانت قد نجت.”
“أعلم… لكن جيني لا تزال مجرد طفلة في العاشرة! هل تتخيلون كم ستكون خائفة وهي وحيد؟ ألم تروا كيف ظلت تبكي؟ ربما…”
ساد الصمت بين أعضاء فرقة المرتزقة.
ففي الحقيقة، باستثناء آنيليا، لم يكن بينهم أحد لم يشعر بأن حياته كانت مهددة من قِبَل تلك الطفلة ابنة العاشرة.
وفجأة، أوقف تشابيل حصانه وأشار إلى جهة بعيدة:
“انظروا هناك، آنيليا.”
كان هناك مجموعة من الناس تقترب من الاتجاه المقابل،
وعلى رأسهم كان يُرفرف علمٌ مألوف جدًا.
خلفية حمراء، ونسر وأسد ذهبيان متداخلان في طيران مشترك —
كان ذلك بلا شك علم أكاديمية ديريك،
مستوحى من شعار العائلة الملكية، لذا كان من المستحيل عدم تمييزه.
“الحمد لله!”
رأت آنيليا الراية، فتنفّست الصعداء على الفور، وابتسمت ابتسامة عريضة والدموع لا تزال في عينيها.
“تلك الفتاة… محظوظة على نحوٍ غريب، أليس كذلك؟”
قالها تشابيل، فأردف كينتا قائلاً:
“بل أكثر من ذلك. هل تتذكرون حادثة الغول؟ كدت أموت من الدهشة.
تلك الصغيرة وكأن لديها أكثر من حياة واحدة!”
“إن كانت تملك مثل هذا الجَنان ، فربما تصبح شيئًا كبيرًا ذات يوم.”
“صحيح، صحيح. لا يمكن اعتبارها طفلة عادية.”
ورغم شعورهم جميعًا بالأسى، لم يكن هناك من يشعر بقلق بالغ.
فقط آنيليا من كانت تلتفت إلى الوراء مرارًا.
“ستكون بخير… أليس كذلك؟
أتمنى أن ألتقي بجيني مرة أخرى، يومًا ما… لا بد أن يحدث ذلك.”
قالتها آنيليا بنبرة حزينة حالمة،
لكن أحدًا من المرتزقة لم يشارِكها مشاعرها.
وعلى عكسها تمامًا،
كان أعضاء فرقة المرتزقة بقيادة تشابيل لا يتمنّون لقاء جيني مجددًا أبدًا.
وهكذا تباينت مشاعر الوداع بينهم.
نهاية الفصل
قراءة ممتعة💗
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 43"