الفصل 41

 

عندما خرجنا من أسفل سلسلة الجبال، بدأت الشجيرات المحيطة تتضاءل بشكل ملحوظ. وفي الأفق، ظهرت أسوار فالين، عاصمة بايلان.

 

لقد بدا الأمر رثًا إلى حد ما مقارنة بالأسوار المهيبة التي تخترق السماء والتي كانت تحيط بعاصمة ديمتري، شاران.

 

“جيني، هذه هي فالين عاصمة بايلان.”

 

وأشارت أنيليا أوني إلى العاصمة فالين، التي كانت لا تزال بعيدة بعض الشيء.

 

“أستطيع رؤيتها. لكنها تبدو صغيرًة بعض الشيء مقارنةً بأسوار شاران.”

 

“لكن لا تقللي منهم، صحيح أن أسوار شاران عالية وقوية، لكن أسوار فالين مضمنة بحواجز سحرية قوية بما يكفي لملئها.” 

 

“آها….حواجز سحرية، أرى”

 

أحد الحقائق التاريخية الأولى التي تعلمتها في الأكاديمية هي أن ديمتري وبايلان كانا في الأصل أمة واحدة.

 

القارتان العملاقتان اللتان تقسمان القارة حاليًا إلى قسمين، الإمبراطورية المقدسة إيلان والإمبراطورية المظلمة كويرين.

 

والإمبراطورية المحايدة ديميران التي تتوسط بينهما. رمز الحياد الذي اختفى الآن.

 

تمزقت ديميران بسبب الصراع الداخلي بين ديمتري وبايلان

 

“في الماضي، شعرت إمبراطورية ديميران بصعوبة شديدة في الحفاظ على حيادها بين الإمبراطوريتين اللتين كانت كل منهما تتمسك بموقفها الخاص، فتفجّر الخلاف بين الجناح العسكري، الذي رأى ضرورة الانحياز لأحد الطرفين والمساهمة في توحيد القارة، والجناح المدني الذي أصرّ على التمسك بالحياد رغم الصعوبات، مما أدى في النهاية إلى اندلاع حرب أهلية.

 

وفي النهاية، انقسمت الإمبراطورية إلى مملكتين، يفصل بينهما جبل دراغونيا.

 

وبهذا، سقطت واحدة من الإمبراطوريات الثلاث التي كانت تهيمن على القارة، بشكل بائس ومن دون مقاومة تُذكر. 

 

لم يكن من الممكن للإمبراطوريتين أن تتركا المملكتين منقسمتين هكذا بمفردهما.

 

اندلعت معركة شرسة تحت الماء بين إيلان وكويرين.

 

ديميتري، حيث اجتمع العسكريون، أعلنت بسرعة تحالفها مع مملكة إيلان. أما بايلان، التي كانت تصر على التمسك بالحياد حتى النهاية، فقد دخلت في احتكاك ما مع كويرين، مما دفعها في النهاية إلى إعلان دعمها للإمبراطورية المقدسة إيلان.

 

وبهذا، ازدادت العلاقة سوءًا بين بايلان وديميتري.

 

بما ان ذلك كان سيحدث على أي حال، لو وحدنا قواتنا في وقت سابق، لم نكن لنخسر مكانة الإمبراطورية.

 

لقد كان هناك دائما سبب لكرهنا لبعضنا البعض.

 

“يا جيني، بمجرد دخولكِ القلعة، يجب أن تكوني حذرًة فيما تقولينه، هل فهمتي؟”

 

“لماذا؟”

 

“مع أنكم تتحدثون اللغة القارية نفسها، إلا أن هناك اختلافًا واضحًا في اللهجة. جيني تتحدث بلهجة ديمتري قوية. من المعروف أن أهل بايلان وديمتري أعداء، أليس كذلك؟” 

 

“بالطبع.”

 

“كلما كبرت المدينة، كلما كان التمييز أكثر شدة.”

 

السبب وراء توجه وفد ديمتري إلى عدوهم، بايلان، كان بسبب رسالة إيلان لاستخدام النقل الآني.

 

أصبح من المستحيل الآن على ديمتري أو بايلان أن يعصوا أوامر إيلان. 

 

وسيكون من الجميل أن تتمكن الدولتان من توحيد قواهما مرة أخرى، ولكن يبدو أن هذا الأمر أصبح أقل احتمالا على نحو متزايد.

 

“حسنًا، الآن سيكون منحدرًا شديد الانحدار، لذا أمسكيني.”

 

مدت أنيليا يدها إلي.

 

تشبثتُ بيد آنيليا البرونزية وأنا أنظر إلى الطريق المنحدر. فجأةً، تساءلتُ عن أصول آنيليا، ببشرتها الداكنة وشعرها الفضي اللامع.

 

“أنيليا أوني، من أين أنتِ؟ هل أنتِ من ديمتري؟”

 

“إذا دققنا، فأنا من مملكة كُوران. لكن الغابة السوداء التي نشأت فيها كانت مجرد جزء من كُوران.”

 

“ماذا يعني ذلك؟”

 

“أنا من الغابة.نحن لا نمتلك مفهوم الوطن بالمعنى التقليدي. لدينا فقط موطن نشأة. نحن نعيش في مجتمعات قبلية، لذلك لا نتبع ملكًا.

 

هل سمعتِ عن الذئاب الفضية؟ إنها قبيلةٌ كبيرةٌ جدًا”

 

“لقد سمعت عنها”

 

“حقا؟ أنا سعيدة”

 

“هم أقلية مميزة وبارزة حتى في دولة كوران، التي هي اتحاد قبلي، أليس كذلك؟

يتميزون بشعر فضي… وكل أفراد القبيلة من المبارزين بالسيفين.”

 

الحديث هذا يذكرني تمامًا بـ آنيليا.

 

يُقال إنهم يعتقدون أن أجدادهم هم الذئاب الفضية، لذلك يقدسون الذئاب.

 

لا أعرف إذا كان هذا حقيقيًا أم لا…

 

 ولكن… … … … … .

 

لقد حضرت الدرس دون وعي، لذا كانت ذكرياتي عما تعلمته غامضة.

 

“أنتِ تعرفين الكثير؟ من أين سمعتِ بذلك؟”

 

سألتني أنيليا بعيون متسعة.

 

في الواقع، كانت خصائص أي قبيلة في أي بلد كهذه معرفةً دقيقةً للغاية.

 

لقد كان لديّ معرفة أكثر مما أحتاج إليها، وكان من الطبيعي ألا أعرف الكثير.

 

” في الأكاديمية”

 

“همم”

 

“إنهم يجعلونكِ تدرسين كثيرًا”

 

قبل أن أفترق عن أنيليا، هل يمكنني أخبارها بأنني نبيلة؟

 

من المحرج بعض الشيء أن أقول هذا الآن، لكنني أشعر بالندم لأنني لم أقلها منذ البداية.

 

***

 

بعد النزول من الجبل والمشي لمسافة قصيرة، ظهرت بوابة القلعة على الفور.

 

زعيم المرتزقة تشابيل، تصرف وكأنه على معرفة كبيرة بحارس البوابة.

 

أومأ حارس البوابة أيضًا ردًا على ذلك، لذا بدا الأمر كما لو كانا يعرفان بعضهما البعض بالتأكيد.

 

“لقد مر وقت طويل، يا كابتن”

 

“لم يكن هناك أي عمل في الآونة الأخيرة”

 

“فهمت. كما تعلم، أرجو أن تُريني تصريح نقلك وشارة المرتزقة وقائمة النقل.” 

 

بعد محادثة قصيرة، سلم تشابيل لحارس البوابة قطعتين من الورق وبطاقة مرتزقة من صدره.

 

“يتم تسليم قالبين من الجبس، ومخطوطة نحتية، وإطار مذهّب، وكنز نحتي وفني إلى متحف دالب للفنون في خمس عربات. المرسل هو شركة ساروكا، أليس كذلك؟”

 

“نعم، كانت عملية نقل صعبة، لقد صادفنا غولًا في الطريق”

 

“غول؟ لابد أنه كان هناك الكثير من الضحايا”

 

“الحمد لله أنه لم تقع أي إصابات لذا عليّ المرور بالمعبد. أوه، و هناك 23 مرتزقًا إجمالًا بالإضافة إلى شخص آخر في المجموعة ليس مرتزقا” 

 

وعند سماع كلمات تشابيل، تحولت عيون حارس البوابة مباشرة نحوي.

 

من الواضح أن مظهر الطفلة الواقفة بشكل وحيد بين مجموعة المرتزقة كان منظرًا غريبًا.

 

 جلستُ هناك متظاهرة بأني غير مؤذية

 

ورمشت بعيني كما لو أنني أقول: لا أعرف شيئًا، متظاهرة بالبراءة.

 

نظرًا لأنني لم يكن لدي أي أمتعة في الوقت الذي ضللت فيه طريقي، لم يكن لدي أي بطاقة هوية، ناهيك عن بطاقة الطالب والتي تعتبر دليلًا لإثبات أنني طالبة في اكاديمية ديريك. 

 

باختصار، هويتي كانت غير معروفة. 

 

“من هي تلك الطفلة؟ “

 

“لقد أنقذتها بعد أن ضاعت عن رفاقها في الطريق. بعد بضعة أيام، من المفترض أن يصل رفاقها إلى هنا… أنت تعرف أكاديمية ديريك صحيح؟ يُقال إنهم قادمون إلى هذا المكان.”

 

“سوف أتحقق من ذلك فمع اقتراب وقت المهرجان، يأتي الكثيرون إلى هنا مستخدمين النقل الآني” 

 

“هل يمكننا الدخول الآن؟”

 

“حسنًا، بما أنها طفلة فبإمكانها الدخول إذا قام القائد فقط بملء بعض الأوراق البسيطة.”

 

“بسيطة؟ ما هي هذه الأوراق؟”

 

“هذه ورقة تتعهد بتحمُّل جميع المشاكل التي قد يسببها ذلك الطفل في الداخل، لكنها مجرد إجراء شكلي، فلا داعي للقلق.”

 

عند سماع كلمات الحارس الهادئة، التفت تشابيل لينظر إليّ بنظرة جادة.

 

كان من الواضح أنه لا يعتقد أن أيًا من ذلك كان وثيقة بسيطة.

 

لأنني كنتُ محور كل أنواع الأفكار في الأيام القليلة الماضية. ههه.

 

“ماذا لو، تحسبًا… حدث خطأ ما؟”

 

“ببساطة، سيصبح السيد تشابيل ضامنًا للفتاة، بدلًا من ذلك سيُسجن أو يدفع غرامة”

 

“……..أرى أعتقد أنه لا يوجد شيء يمكنني فعله”

 

على ما يبدو أن الحديث قد انتهى تقريبًا إذ شوهد تشابيل وهو يدخل إلى نقطة الحراسة.

 

قالوا بما أنها العاصمة، فقد يكون من الصعب بعض الشيء الدخول بدون بطاقة هوية، لكن الأمر كان أسهل مما توقعت.

 

وأخيرًا، وصلت إلى فالين.. عاصمة بلد السحرة بايلان التي لطالما بدت بعيدة، بعيدة جدًا. 

 

والبوابة الأخيرة والنهائية إلى إيلان.

 

 ***

 

لأنني سلكتُ طريقًا مختصرًا، وصلتُ إلى العاصمة قبل الوفد بأسبوع.

 

نعم، كان ذلك متوقعًا، لكنني كنتُ أتساءل ماذا أفعل أثناء الانتظار.

 

بالحديث عن عاصمة بايلان، كان أشهر ما فيها مكتبتها العامة الضخمة التي تغطي مساحة ألف بيونغ (يعني تقريبا 3300 متر مربع) 

 

كنت أفكر في المرور هناك قريبًا. ظننتُ أن هناك كتبًا عن الأرواح أكثر من ديمتري.

 

على الرغم من أنه من المرجح جدًا ألا تكون كتب اللغة القديمة متاحة.

 

 

 

 

 

<حيث تستقر الريح>

 

وصلتُ برفقة فرقة المرتزقة إلى نُزل عادي يبدو كأي نُزل يمكن أن تجده في أي مكان. يُقال إنه نُزلهم المفضل؟

 

لقد بدأ صغيرًا بعض الشيء، لكنني كنت سعيدًة بالفعل لأنني تمكنت من الإقامة في نزل مع سرير.

 

أولاً اتخذت قرارًا بسيطًا بتناول وجبة طعام مناسبة، ثم ملء حوض الاستحمام بالماء وغسل نفسي حتى أصبح نظيفًة تمامًا، ثم شرب كوب من الحليب الدافئ قبل الذهاب إلى السرير.

 

ولكن في اللحظة التي فتح فيها باب النزل ودخلت، تحطم حلمي الصغير.

 

تراجعت بسرعة خطوة إلى الوراء، وأمسكت أنفي.

 

“ما الخطب يا صغيرة، ألن تدخلي؟”

 

“هنا؟”

 

“إذن هل تريدين النوم في الشارع؟ كما تريدين!”

 

يبدو النزل أكبر مما يبدو عليه من الخارج.

 

المشكلة لم تكن في أولئك العمالقة ذوي الملامح المخيفة الذين ملؤوا النزل من الداخل، ولا في تلك النظرات التي كانت تتركز عليّ وحدي من بين المجموعة لأني أبدو مختلفة.

 

فأنا أفتخر بأنني وقحة الوجه!  (تعني بأنها ما تخجل من نظرات الناس ولا تهتم لها) 

 

كانت المشكلة هي الدخان الأبيض الكثيف الذي ملأ النزل.

 

كان كثيفًا لدرجة أنه كان من الصعب رؤية أي شيء.

 

“سعال! سعال! سعال!”

 

لو كانت هذه حياتي الماضية، لكان أمر كهذا مستحيلاً.

 

في هذا العالم حتى الأطفال يدخنون لذلك كان من غير المعقول أن نتوقع من شخص أن يتوقف عن التدخين لمجرد أنه كان هناك طفلاً بالجوار. 

 

بعد ترددٍ قصير، دفعني مرتزقة تشابيل أخيرًا إلى النزل.

 

كان النزل خانقًا لدرجة أنني كنت أعاني من صعوبة في التنفس.

 

بكمية الدخان هذه، شعرت أني لا أحتاج إلى سيجارة، يكفي أن أتنفس لأعيد تدوير الدخان الموجود في الهواء!

 

كنت ممسكًة بحافة ملابس أنيليا بقوة وعقدت حاجبي بنظرة من الاستياء الشديد على وجهي.

 

كانت كل العيون من حولي مركزة علي.

 

[لماذا ينظر الناس إلينا؟]

 

[حسنًا، آنيليا أوني مشهورة؟]

 

وإلا فهذه هي المرة الأولى التي يرون فيها طفلاً هنا…

 

“تسك”

 

“هل سمعت ذلك؟ ذلك الشيء الصغير يُصدر صوت بلسانه، إنه لطيف” 

 

التفتُّ نحو الصوت.

 

كان صوتًا مزعجًا لدرجة أنه أزعج أذني وحتى أعصابي.

 

حيث توقفت عيناي، كان صاحب ذلك الصوت، رجل ذو بنية كبيرة بما فيه الكفاية، على الرغم من أنه ليس طويل القامة مثل كينتا، يحدق بي.

 

الرجل ذو الشفاه السميكة والعينين نصف المغلقتين، مثل الضفدع، لعق شفتيه الكبيرتين السميكتين ولوح بيده ببطء نحوي.

 

قشعريرة……………. 

 

“أرى الآن أن مرتزقة تشابيل يرافقون الأطفال أيضًا؟ هاها”

 

“هذا صحيح، إنها جميلة جدًا لماذا لا تربيها جيدًا وترسلها لي كعروس؟”

 

مجنون…! حتى لو أن هذا العالم يسمح بالزواج من عمر 12 سنة، فأنا أرفضك! لا أريد! لا أستطيع! تفف!

 

 

أدرت نظري وكأنني خائفة.

 

يمكنني أن أسامح القبح، لكن لا يمكنني أن أسامح من يتصرف بطريقة مقززة ومبتذلة. 

 

لقد تمسكت بثوب أنيليا بشكل أقوى.

 

لم أستطع أن أثق بأحد سوى أنيليا. 

 

[راي، لا تبق على مسافة تقل عن 5 أمتار مني في الوقت الحالي]

 

[نعم!]

 

[حسنًا! لا تبتعد عني ابدًا!]

 

رغم أنني أوصيت راي بإلحاح، إلا أن شعورًا بعدم الارتياح ظل يلازمني.