ما إن دخل المبنى الملحق، حتى توجّه الخدم إلى إدوين قائلين إن موعد العشاء قد حان. نزع إدوين قبعته وسلمها لهم، ثم وضع قدمه على الدرج مع كورديليا.
“وطالما أننا لم نستدعي أحد، فلا يجرؤ أحد على الاقتراب من الطابق الثاني.”
أضاف إدوين تحذيرًا وكأنه تذكر الأمر فجأة.
نظر الخدم إليهما بوجوه مذهولة لسماعهم ما لم يتوقعوه. لم تدرك كورديليا معنى كلام إدوين إلا حينها، فاحمرّ وجهها على الفور. لكن إنكارها في هذه اللحظة كان ليبدو أكثر حرجًا.
“بما أنه قال ذلك، فلينصرف الجميع.”
وبينما عجزت كورديليا عن قول كلمة وظلّ فمها يتفتح ويغلق بصمت، جذبها إدوين معه. وعندما كانت تصعد الدرج على حين غفلة منها، تولّى سكوت تهدئة ارتباك الخدم بوجه هادئ لا يحمل أثرًا للدهشة.
“إ، إدوين… مهما يكن…”
كيف يمكن لأحد، مهما كان، أن يلمّح علنًا أمام الخدم إلى علاقة زوجية! وما إن فتحت فمها معترضة حتى اندفع جسدها إلى داخل غرفة النوم.
ما إن شعرت بأنفاسه تتساقط على وجهها، حتى تصاعدت الحرارة داخل جسدها. أغمضت كورديليا عينيها بشدة وهي تشعر بأن وجه إدوين يقترب مائلاً.
عندها تلامست شفتاهما برفق. في البداية قبلة خفيفة، كأنها تعبير عن مودة. ثم، في لحظة ما، غاص فيها بعمق، ولم يبتعد سوى حين بدأت كورديليا تلهث وقد فقدت أنفاسها تقريبًا.
“أنفاسي…”
“تنفّسي براحة.”
طبع إدوين قبلة قصيرة أخرى على شفتي كورديليا المتعبة من اللهاث. وفي هذه الأثناء، أخذ طرف فستانها يرتفع ببطء مخالفًا الجاذبية. شعرت كورديليا بملمس جلده الأملس على بشرتها الرقيقة فارتجف جسدها.
“إ، إدوين… لحظة.”
أرادت أن تحتج، فكيف لها أن تتنفس بسهولة في مثل هذا الوضع!
كل ما استطاعت كورديليا فعله هو التحديق به بامتعاض، وقد احمرّ وجهها حتى بدا وكأنه يغلي.
“أكره…”
ابتسم إدوين وكأنه يجدها شيئا لطيفًا، ثم نهض وأطبق شفتيه على شفتيها. كان لطعم القبلة مذاق غريب لم يخطر في بال كورديليا يومًا.
من أوائل المساء حتى آخر الليل، ثم حتى تلك اللحظة التي بدأ فيها الضوء يتسلل.
***
استغل إدوين الضوء الخافت المتسلل ليحدّق، كالسارق، في وجه زوجته النائمة بعمق.
كان شعرها المضفر بعناية قد انفك تمامًا خلال الليل، وتحولت خصلاته الطويلة إلى أمواج متناثرة كان يلفها حول أصابعه ويمررها بينها عبثًا. ومع ذلك، لم تستيقظ كورديليا. فقد نامت كمن فقد وعيه، وهذا كان طبيعيًا.
وإن كان للتبرير، فهذا كله كان جديدًا على إدوين أيضًا. لم يسبق له أن فقد السيطرة على جسده كحيوان مسعور، يعود كلما حاول جسده أن يهدأ.
“…….”
وليس كأنه يملك جسدًا لأول مرة.
مرر إدوين أصابعه من عنق كورديليا العاري نزولاً إلى كتفها ببطء. جلدها الدافئ الناعم الذي كان دومًا يثيره التصق براحة يده. كانت جذابة، لكن ذلك لم يكن جديدًا.
ربما لأن كورديليا كانت أول من قال إنها تريد طفلاً منه، بغض النظر عن عقد ما قبل الزواج؟
لكن ألم يصبح هذا بلا أهمية منذ مدة؟ طالما اختلط الجسدان، فلا بد أن يأتي الطفل عاجلاً أم آجلاً. وقد وهبت كورديليا له جسدها منذ مدة كافية.
“لأنني أحبك. سأتمكن من رؤية طفل يشبهك يولد وينمو أمامي.”
ربما كان ذلك السبب…
“وأحب فكرة أنني سأحتضن نسخة صغيرة منك وأغمرها حُباً. صحيح أنه لن يكون حقاً إدوين الصغير، لكن على الأقل…”
أم كان هذا هو السبب؟
كان ذلك السبب، لكنه لم يكن السبب الوحيد في الوقت نفسه. ما تسلل إلى قلب إدوين لم يكن فقط رغبتها في رؤية طفل يشبهه، بل رغبتها في احتضان إدوين الصغير الوحيد والمنعزل، وحبّها الحار الذي يتمنى له السعادة.
لم يكن إدوين جاهلاً بحب كورديليا له. فقد عرف ذلك منذ زمن، واستغل ذلك بمهارة. كذب عليها قائلاً إنه يحبها، واتخذ جسدها لينجب طفلاً كما أراد آرون.
“…….”
لكنه أدرك سريعًا أن حب كورديليا يختلف عن ذلك الذي ادّعته سالي هنترز. لم يكن بوسعه تجاهله، لأنها كانت تصرح به باستمرار. كانت دائماً صادقة معه، حتى بدا شكّه السابق أمرًا يدعو للحرج.
ومع ذلك، لم يكن يشعر بالذنب. وحتى إن شعر به، فلم يكن ليعتذر أو يصرّح بشيء قد يفتح جرحًا لا داعي له.
على أي حال، العلاقة بين إدوين وكورديليا كانت جيدة في الداخل والخارج. وقد بدأ إدوين يصل إلى نقطة يجد فيها هذه الحياة مرضية الى حد ما. مزعج أحيانًا ومربك، لكنه ليس سيئًا. بل بدأ يعجبه أن تكون كورديليا هي المرأة التي ستحمل طفله قريبًا.
كان يخشى سابقًا أن ينتهي به الأمر مع طفل يبكي بينما يبكي هو أيضًا، لكن حتى لو رأى ذلك لن يكون صعبًا عليه أن يبتسم. فطفل باكٍ يمكنه احتضانه وتهدئته أو تكليف المربية بذلك. والآن لم يعد بوسعه تخيل كورديليا بوجه منكدر ومنهك من رعاية الطفل.
فجمالها إن بهت، فذلك مأساة كبرى في هذا العالم.
ابتسم إدوين وهو يتذكر ما قاله يومًا خلال أحد موائد الطعام، والوجوه المصدومة التي سمعته.
من كان يظن أن كلمات ألقاها ليستفز السيدة ليان وهايلي ستصبح حقيقة في نظره؟
“ليس من السهل عدم الرغبة بذلك.”
لكن وهو ينظر تحت ضوء الفجر الباهت إلى بشرتها البيضاء الناعمة وشعرها الذهبي الفاخر الذي بدا شاحبًا كمخلوق بحري أسطوري، كان من الصعب ألا يرغب في ذلك.
“صحيح أن طفلاً يشبهك تمامًا سيكون هدية بالنسبة لي أيضًا…”
فجأة تذكّر كلمات كورديليا حين قالت إنها تريد طفلاً يشبهه. لم يشعر بشيء حين تخيل ولدًا ذا شعر بني وعينين خضراوتين. بل بدا له أنه سيصاب بالذعر إن لمح فيه ظل آرون.
“…….”
أما طفل أشقر ذا عينين زرقاوتين يشبه كورديليا… حين تخيله، امتدّ فكره بعيدًا.
صحيح أن الشقار و العينين الزرقاوتين كان مظهرًا شائعًا في روشيستر. معظمهم يولدون كذلك، فلا شيء مميز في الأمر. لكن حين أضيفت إليه ابتسامة كورديليا، بدأ الخيال يأخذ شكلاً مختلفًا.
ذراعان وساقان قصيرتان ممتلئتان تتلوى في الهواء، خدّان ناعمان كقطعة مارشميلو، عينان تتلألآن كضوء على ماء البحر، ووجه يبتسم ببراءة كأمه.
“بابا!”
وإن اندفع هذا الصغير نحوه مناديا “بابا” ومعانقا لجسده…
عند تلك الفكرة، اندفعت موجة من المشاعر داخله ثم تفتت كبياض يتناثر في الهواء.
“…….”
رفع إدوين يده يتأملها، ثم التفت نحو كورديليا. كانت أصابعها الملقاة فوق الملاءة تنثني نحو راحة يدها.
كمن يظن أنه قبض على كل شيء، أو كمن يرغب في قبض ما يتخيله حد العجز عن التحمل.
التعليقات لهذا الفصل " 86"