“لا أملك حقًّا ما يمكن أن أعتذر به. أنا حقًّا آسف.”
هذا أمر غير معقول. هي لم تُرسل الرسالة قطعًا، وقد استعادتها من السيّدة ليمونت وخبأتها جيدًا داخل الدرج.
“اعترف موظّف متجر المجوهرات بأنّه نسي أنّه سبق وباع الزمرد لسموكِ، ثم باعه مرّة أخرى إلى كونتيسة أستون ولم يُدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان، ولأنّه خشي إبلاغ الحقيقة، فقد اختار الكذب.”
كانت غارقة في تفكيرها إلى حدّ أنّ كلمات الاعتذار الطويلة لم تصل إلى أذنها. لم تستطع كورديليا إخفاء ارتباكها، فبللت شفتيها المتصلبتين بطرف لسانها.
“هذا أمر لا ينبغي حدوثه مطلقًا، ولا ينبغي أن يحدث مستقبلاً أيضًا. لذلك، حتى إن فقدتِ سموكِ ثقتك بالتعامل مع متجرنا، فنحن نتفهّم ذلك جيدًا.”
“…….”
“نحن نودّ أن نقدّم لسموكِ تعويضًا قدر الإمكان. نعلم أنّ قلبك المتضرّر لن يشفى مهما فعلنا، لكن إن رغبتِ، يمكننا الحصول على حجر آخر وصياغته من جديد ثم تقديمه لكِ.”
وفي محاولتها إخفاء ارتباكها، اختفت ملامح كورديليا عن وجهها تمامًا. وربما أساء فريد فهم ذلك، فبدأ، وهو منبطح تقريبًا، يعرض خيارات عديدة يمكن للمتجر تقديمها لكورديليا كتعويض.
“أو يمكننا التواصل مع كونتيسة أستون واستعادة العقد ثم إعادة صياغته لك….”
“لا، هذا سيكون غرضًا استُخدِم من قبل شخص آخر فقط.”
كان هذا الخيار هو الأسوأ على الإطلاق بالنسبة إلى كورديليا. فرفضت اقتراح المتجر دون لحظة تردّد ودون أي تفكير.
“أنا فقط أردت معرفة الحقيقة، وإن كانت شكوكي صحيحة، أردت الحصول على الاعتذار فحسب.”
“إذن، يمكن للموظّف المخطئ أن يجثو على ركبتيه ويعتذ—”
“آسف، آسف جدًّا.”
“يكفي! لا تفعلوا هذا!”
لقد منعتهم أيضًا من جعل الموظف يجثو على ركبتيه. فقد خشيت انتشار الخبر على نحو لا يمكن توقّعه ووصوله إلى العاصمة. عندها، تراجع فريد محرجًا بعدما كان يحاول إجبار الموظف المرعوب الذي أوشك على البكاء على الركوع.
“اعتبروا أنني تلقيت الاعتذار بالكلام الذي قلتموه الآن، ولا حاجة لأي تعويض آخر. يمكنكم المغادرة.”
الأسوأ الآن لم يكن في عروض التعويض التي قدّمها متجر كلايتون، بل حقيقة أنّ رسالة لم تُرسلها كورديليا قد خرجت بالفعل. والأسوأ أنّه لم يدرك أحد ذلك.
“بنجامين، بما أنهم سيغادرون، تفضّل وودّعهم.”
“أجل، يا صاحبة السمو.”
تردّد فريد قليلًا، ظنًّا منه أن كورديليا لم تهدأ بعد، لكنّها كادت تطرده دفعًا وهو يغادر. ثم حاولت التفكير في ما حدث بالضبط.
لكن لم يكن هناك أي سبيل لمعرفة ما حدث. كورديليا لم تُرسل الرسالة، وما إن مرّ وقت قليل حتى غادرت برفقة إدوين إلى المقاطعة. لم يكن بوسعها معرفة ما جرى في أثناء غيابها.
“الغريب أنّ خطّي صحيح، والمحتوى هو ما كتبته فعلاً، لكنّي لم أرسل الرسالة.”
“…….”
“كما قلت سابقًا، كنت أريد مناقشة الأمر معك قبل اتخاذ قرار. أقول الحقيقة.”
حتى بالنظر للأمر بموضوعية، لم يكن إدوين يتّهمها. لم يظهر في حديثه أي انزعاج أو غضب. ومع ذلك شعرت بالقلق. فحدوث مشكلات جديدة مرتبطة بها تقريبًا كل يوم صار مربكًا حتى بالنسبة لها.
“لا أدري فعلاً كيف حدث هذا. والسيّدة ليمونت ليست ممن يُقدم على فعل أي شيء دون أن أطلبه….”
كانت تعلم أن كلماتها قد تبدو غريبة، لكنها لم تستطع إلا أن تدافع عن نفسها.
“يا صاحبة السمو.”
“…….”
“يمكنك قول الحقيقة دون خوف. وإن كنتِ تخشين ما قد يحدث لاحقًا فلا تستطيعين قول الحقيقة، فحتى إن اعترفتِ فلن ألومك….”
“هذا ليس صحيحًا.”
تعترف بأن الوضع مبهم. لكنّه كان مؤلمًا أن يظنّ إدوين أنّها تكذب عليه.
“لقد كتبت الرسالة لأنّي شعرت بالأسف، أردت تقديم الهدية لك، لكن حتى لحظة مغادرتي لم أرسل شيئًا إلى متجر كلايتون.”
قالت كورديليا ذلك وعيناها تلمعان بالدموع. راقبها إدوين بصمت، ثم أطلق تنهيدة خفيفة. ونهض من مقعده وانتقل إلى الجلوس بجوار كورديليا الجالسة قبالته.
“لا تبكِ.”
ومال جسد كورديليا نحو صدره بلا شعور. دفنت وجهها في صدره وهي تشهق، فبدأ يداعب ظهرها برفق بإيقاع ثابت.
“إن لم تكوني أنت من أرسل الرسالة فعلاً، فربما لدينا جرذٌ يعبث داخل المنزل.”
“…….”
“علينا الاهتمام أكثر بإدارة الأغراض والأمن في الجناح الفرعي.”
كان وجه إدوين يبدو هادئًا كما هو دائمًا، وصوت نبضات قلبه كان مطمئنًا عبر صدره. وما إن شعرت بذلك حتى هدأت قليلاً، وبدأ ارتجاف يديها يضعف تدريجيًا.
كان ضوء ما بعد الظهيرة المتأخر يتسلّل بأناقة ويملأ الردهة، جاعلاً منه خلفيّة تُبرز حضوره. كان إدوين، كما هو دائمًا، وسيماً لدرجة تكفي لإرباك قلوب النساء.
“سموكِ.”
حتى ابتسامته الناعمة وصوته العذب الذي يشبه الشوكولاتة الدافئة لم ينجحا في إسعادها هذه المرّة.
رغبتها في إهدائه ذلك الشيء كانت تعبيرًا عن أثر محبةٍ صادقة. وما جُرح لم يكن كبرياءها فحسب، بل قلبها ونيّتها. لكن كلمات إدوين كانت وكأنّها تُقلِّل من شأن كل ذلك.
“…….”
وكأنّه لا يفهم شيئًا عن مشاعر الشخص الذي يُحضّر هدية لمن يحبّه.
“حسنًا.”
لا بد أنه مجرد وهم.
فكّرت كورديليا بذلك، وقدّمت له الجواب الذي يرغب بسماعه. فطبع إدوين قبلة قصيرة على خدّها الطريّ كأنه يمتدحها.
لم يكن إدوين غاضبًا من كورديليا. وقد صدّق قولها بأنّها لم تُرسل الرسالة، وواسَى خوفها وحيرتها. وكل ما قاله أنّه لا داعي لإفتعال المشاكل من أمور بسيطة. وكل هذا كان لأجلها.
لكن الشعور يشبه أن تسير على طريق مستوٍ تمامًا، ثم فجأة تطأ حجرًا صغيرًا لم تعلم بوجوده، فتفزع. شعور يصعب أن يختفي بسهولة.
***
“ما هذا!”
في الصباح الباكر، اقتحمت الشرطة مبنى صحيفة العاصمة، بعد تلقّي بلاغ مجهول بأنّ جمهوريين يخططون لتفجير القصر الملكي قد اختبؤوا داخل مقر الصحيفة لعقد اجتماعهم.
“تفجير؟! من الذي سيفجّر شيئًا هنا؟!”
“وصلنا البلاغ، فإن لم يكن لديكم ما تخفون، تعاونوا معنا في التحقيق.”
وبما أنّ الأمر قد يتصاعد إلى حادث خطير، تحركت الشرطة بسرعة. لكنها لم تعثر على أي إرهابيين.
“هذا….”
“لماذا؟ ما الأمر؟”
لكن الشرطة عثرت على مقال يتناول الخلاف بين كورديليا ومتجر كلايتون. وقد هاجم الكاتب كورديليا، وادّعى أنها تتظاهر بالعطاء والاهتمام بأهالي المقاطعة، بينما خلف الكواليس تسيء معاملة موظّف ضعيف وترغمه على الاعتذار.
“من كتب هذا المقال؟”
كان الملك غاضبًا أصلاً بسبب سلسلة المقالات المسيئة لكورديليا الأميرة. فقد اعتُقِل صحافي مؤخرًا بتهمة إهانة العائلة الملكية. وحذّر الملك بأنّ أي حالة مشابهة سيتم التعامل معها بصرامة تحت ذات التهمة.
لذلك قيّدت الشرطة ذراع الصحافي وسحبته خارج المبنى.
“…….”
راقب سكوت المشهد من الخارج.
“سكوت.”
كان ذلك مباشرة بعد مغادرة ممثلي متجر كلايتون. خرج إدوين من غرفة الاستقبال، تاركًا كورديليا داخلها، واستدعى سكوت الذي كان ينتظر في الخارج.
“مزاجي سيّئ. أفكّر في إحراق مبنى الصحيفة.”
“ماذا؟ فجأة؟!”
“أمـزح.”
قالها مبتسمًا بطريقة لم تبدُ كالمزاح، مما أثار قشعريرة في جسد سكوت.
“قدّم بلاغًا بوجود إرهابي، وأرسِل الشرطة إلى مقر الصحيفة التي يوجد فيها ليام هامبتون. لا يهمّ إن كان هو الفاعل أم لا. تخلّص منه فحسب.”
“حتى بعد القبض على كاثرين بوتر؟”
“تخلّص من كلّ الشرارات التي قد تدفع هايلي ترييد لفعل أي حماقة. شعرت بشعور سيّئ، وأكاد أجزم أنّ له علاقة بتلك المرأة.”
ظنّ سكوت أن مزاج سيّئ يدفع إدوين لرغبة عنيفة في ضرب كل ما حوله. لكن تبيّن لاحقًا أنّ حدسه ذاك كان صحيحًا… فمن الواضح أنه رجل يملك إحساسًا أشبه بحدس الحيوان.
التعليقات لهذا الفصل " 82"