“سمعتُ أنه في السابق كان السيد الأكبر صريحًا جدًا وحادّ الطباع.”
إدوين؟ رمشت كورديليا بعينيها ببطء. كان من المستحيل ربط تلك الصفة بإدوين كما تعرفه الآن. بالنسبة لكورديليا، كان لطيفًا وراقيًا بقدر جمال وجهه، ورجلاً حسن الخلق.
بالطبع… على السرير كان يشعرها أحيانًا كأنه شخص من عامة الناس…
“…….”
لم يكن هذا نوع الأفكار المفيد الذي ينبغي أن يخطر ببالها أثناء حديث مع شخص آخر. كما أنه لم يكن ذكرى جميلة تستحق أن تستعيدها وسط النهار. ابتلعت كورديليا رغبة في السعال لتدارك ارتباكها.
“يقول زوجي إن السيد الأكبر بدأ في مرحلةٍ ما يعارض والده في كل صغيرة وكبيرة، وحتى إنه قال لأمي أنها ليست والدته الحقيقية لذا لا ينبغي لها أن تتدخل بشؤونه. وسمعت أن العلاقة بين الأخوين بدأت تتدهور منذ ذلك الحين.”
“آه……”
“وفي النهاية، بعد أن هرب من المنزل، التقى امرأة ما، ثم تزوّجها من دون الحصول على إذن والدي. لقد سمعتُ أن والدي لم يكتفِ بمعارضته فحسب، بل حتى امتنع عن تقديم أي دعم.”
“حتى الدعم؟”
“نعم. والأسوأ أنه بينما كان في الخارج للقتال ليكسب المال، ماتت تلك المرأة. تمامًا كما يُشاع، لم يتمكن حتى من حضور لحظاتها الأخيرة.”
كانت قصة أكثر درامية ومأساوية مما توقعت. قصة تكفي لتفسير لماذا لا يُظهر إدوين الكثير من الود لأبيه آرون. وفكرت كورديليا أنه ربما قد يكون لامَ آرون بطريقة ما، واعتقد أن موت زوجته السابقة كان بسبب إهمال عائلته.
“بعد ذلك، لا أعرف إن كان ذلك بسبب تغيّرٍ في مشاعره، لكنه عاد إلى القصر، رغم أن العثور على أي أثرٍ من شخصيته القديمة كان صعبًا. أصبح هادئًا… غير مهتم بالآخرين.”
توقفت هايلي لحظة لتشرب من فنجانها.
“إن تغيّر حتى طبعه بهذا الشكل… فلا بد أن إدوين كان يحب زوجته السابقة كثيرًا.”
“……همم.”
ابتسمت هايلي ابتسامة محرجة عندما ذكرت كورديليا الزوجة السابقة محاولة فهم مشاعر إدوين. بدا أنها أدركت متأخرة أن حماسها في الكلام جعلها تكشف الكثير من التفاصيل.
“كان صغيرًا حينها، أليس كذلك؟ ربما كان مندفعًا. وربما لأنها كانت علاقة لم تكتمل أو تنضج، بقيت في قلبه بشكل أكبر…”
توقفت هايلي فجأة. كانت كلماتها تهدف إلى ألا تشعر كورديليا بالجرح، لكنها أدركت أن تفسيرها قد يُفهم على أن الزوجة السابقة ما تزال عالقة في قلب إدوين. أغمضت عينيها للحظة وكأنها توبّخ لسانها الطائش.
“ما أعنيه هو…”
“إنه أمر مضى وانتهى. أنا بخير، فلا داعي للقلق يا هايلي.”
فكرت كورديليا بأن لسان هايلي طويل قليلاً، لكنها لم تفكر في لومها. صحيح أن سماعها لتلك القصص لم يكن سارًا، إلا أن الجميع كان يعرف أن إدوين أحب زوجته السابقة بشدة. ولم تكن كورديليا تتوهم أنه لم يسبق له أن عرف الحب.
“لكنني أتساءل… كيف كانت تلك المرأة؟ حتى لو كان شابًا حينها، لا أعتقد أن ذوق إدوين كان رديئًا.”
ضحكت هايلي بخفة على كلام كورديليا، وكأن إعجابها بذوق زوجها أمر لطيف.
“هل تعرفين عنها شيئًا يا هايلي؟”
سألت كورديليا ببرودٍ متكلّف وهي ترفع فنجان الشاي إلى شفتيها. كانت تتظاهر بالهدوء، لكنها في الحقيقة كانت فضولية للغاية. فقد وعدت إدوين قبل الزواج أنها لن تسأله شيئًا عن زوجته السابقة، لكن بعد أن بدأت تحبه… أصبح فضولها تجاه كل ما يخصه لا يُحصى.
طعامه المفضل، لونه المفضل، أسلوب ملابسه، عاداته… وحتى نوع النساء اللواتي يعجبنه.
“آسفة… أنا أيضًا لا أعرف سوى القليل جدًا عنها.”
كانت كورديليا تأمل أن تسمع شيئًا من هايلي، لكنها شعرت بخيبة أمل. في النهاية، هايلي ليست سوى زوجة الأخ غير الشقيق، ومن الطبيعي أن إدوين لم يكشف لها أسراره.
“لكنني سمعتُ والدتي تتحدث عنها في إحدى المرات.”
اتضح أن هايلي تعرف أكثر مما ظنته كورديليا، ربما لأنها عاشت طويلاً في هذا القصر وسمعت أمورًا كثيرة من عائلة ترييد والخدم.
“وماذا قالت؟”
وضعت كورديليا فنجانها، وقد عاد بريق الفضول إلى عينيها.
“بحسب والدتي… كانت ‘فتاة من العامة، متمرّسة وذكية على نحو لا بأس به بالنسبة لمن نشأت في الطرقات’. وتقول إن هذا على الأغلب ما أثار إعجاب السيد الأكبر المتغطرس.”
كان هذا تعليق السيدة ليان القاسي—التي لم تكن تُضمر أي ود لإدوين. لكنه كشف بوضوح أنها كانت ترى في الزوجة السابقة جرأة وذكاءً.
“إدوين يحب النساء الذكيات؟”
“هذا… لا أعلم حقًا…”
ابتسمت هايلي بخجل. أدركت كورديليا خطأها وسارعت بالاعتذار. فقد بدا الأمر غريبًا أن تعرف زوجة الأخ ذوق إدوين في النساء، وخاصة مع سوء العلاقة بينهما.
“لكن، إن كان عليّ التخمين… فأظن أن السيد الأكبر سيُفضّل امرأة ذكية وشجاعة على امرأة ضعيفة تتمايل مثل زهرة في الريح.”
وعندما بدا أثر خيبة الأمل الخفيف على وجه كورديليا، لم تستطع هايلي تجاهله، فأضافت ذلك برقة.
“حقًا؟”
رمشت كورديليا وسألت، رغم أن صوتها كان أقرب إلى الهمس منها إلى السؤال.
“السيد الأكبر يعرف جيدًا أنه مميز، ويحب التعامل مع من يستطيعون مواكبة فكره. البشر يميلون عادةً إلى من يستطيعون التفاهم معهم.”
ورغم ذلك، واصلت هايلي الإجابة عن كل سؤال يتعلق بإدوين، سواء كان ذلك إيجابيًا أم سلبيًا، وكأنها دائمًا ترغب في إضافة كلمة عنه. رغم ادعائها أنها لا تعرف الكثير، كانت تتحدث كما لو أنها تعرفه عن قرب.
“……”
صمتت كورديليا وهي تراقب هايلي. لاحظت هايلي ذلك النظرة الحادة قليلاً، فسارعت إلى التوقف مبتسمةً بلطف، وكأنها تخشى إزعاجها.
لم تفهم الأمر تمامًا. ورغم علمها بحسن نية هايلي، شعرت بشيء غير مريح.
“الآن تذكرت… سمعت أن جناح صاحبة السمو الجديد أصبح جاهزًا.”
وهكذا غيّرت هايلي الموضوع بلطف عندما شعرت بتوتر كورديليا.
“لا بد أنكِ شعرتِ بعدم الارتياح لمشاركته غرفة نوم واحدة طوال الفترة الماضية. لقد تأخرنا بعض الشيء لأننا أردنا تجهيزها بأفضل الأثاث والأغراض.”
“آه……”
لكنّ الموضوع الجديد أيضًا لم يكن مريحًا كثيرًا. أحسّت كورديليا بلمسة انزعاج خفيفة.
“هل… لم يعجبكِ؟”
لاحظت هايلي ذلك فورًا فسألت بتردد.
“لا، ليس كذلك… لقد بذلتِ جهدًا في ترتيب كل شيء، فكيف لي ألا يعجبني؟ بل إني لم أرَ الغرفة بعد.”
سارعت كورديليا إلى التوضيح، رافعة يديها في الهواء نفيًا. كان من الطبيعي أن يستخدم كل منهما غرفته الخاصة بعد تجهيزها، فغرفتهما المشتركة كانت حلاً مؤقتًا.
“هل ترغبين برؤيتها الآن؟”
“نعم.”
نهضت هايلي بحماس. بدت متحمسة لعرض ما بذلته من جهد.
سارت كورديليا خلفها، متجهة إلى غرفة نومها الجديدة—غرفة تقع في الملحق مثل غرفة إدوين، لكنها لم تُستخدم من قبل لأنها لم تكن جاهزة لاستقبالها.
“ما رأيكِ؟”
وقفت كورديليا أمام الغرفة الواسعة الجميلة وقد أُعدّت بالكامل، فتألقت عيناها بإعجابٍ صادق.
“أحببتها كثيرًا. شكرًا لاهتمامكِ بكل التفاصيل بدلًا عني.”
ولم تنسَ أن تشكر هايلي. فابتسمت هايلي بفخر وامتلأت عيناها بالرضا.
“سأخرج قليلاً، تفقّدي الغرفة على مهل.”
لم يمضِ وقت طويل حتى غادرت هايلي المكان بلباقة. عادت كورديليا لتوجّه نظرتها نحو غرفة النوم.
كانت الغرفة، التي يدخلها الضوء بسخاء، جميلة إلى حد أنّ الضوء المتسلّل عبر الستار الرقيق الشبيه بملابس النوم بدا بحد ذاته رائعًا. أما اللوحات المعلّقة هنا وهناك، والقطع الصغيرة الموضوعة بعناية، فقد كانت أنيقة ودقيقة الصنع.
“…….”
لكن ذلك كان كل ما شعرت به تجاه الغرفة. لم تشعر بسعادة غامرة، ولا بخيالٍ حول كيفية تزيينها.
‘ربما إن نظرتُ إليها لاحقًا سأشعر بشيء مختلف…’
فكّرت كورديليا وهي تتجه نحو الباب المؤدي إلى الرواق، ثم استدارت تتأمل الغرفة من جديد، لعلّ نظرة ثانية تغير إحساسها… لكن شعورها بقي كما هو.
“أليست كبيرة قليلاً للاستخدام الفردي…؟”
كانت واسعة للغاية، بل أقرب إلى الفسيحة أكثر مما يلزم لشخص واحد. تمتمت كورديليا بذلك وهي تغلق الباب بإحكام وتخرج.
وكأنها لا تتذكر أن غرفة نومها في القصر الملكي كانت أكبر من هذه بكثير.
التعليقات لهذا الفصل " 44"