“فهو يمنحني سكينة نفسية أكثر من ثوب النوم الذي ترتدينه ليلاً يا سموّ الأميرة.”
حتى لو كانت تكشف ظهرها أثناء تغيير الملابس، فهو ــ بحسب ما قال إدوين ــ أفضل بكثير من ثوب النوم الذي لا يبدو وكأنها ترتدي شيئاً أصلاً عندما تنام.
“هـ، هل كان ذلك الثوب مزعجًا إلى هذا الحد؟”
خرجت كلمات كورديليا متلعثمة من فمها دون أن تدري. لم تستطع إخفاء ارتباكها، وفتحت فمها كسمكة تلهث.
“…….”
لم يُجب إدوين. لكنه بصمته ذلك عبّر عمّا يريد قوله بوضوح.
“إنه ثوب النوم الذي أرتديه دائمًا.”
“…….”
“ثم أنت… حتى في ليلة زفافنا لم تبدُ منزعجًا. بل كنت هادئًا إلى حد دفعني لامتعاضك.”
استرجعت كورديليا ليلة زفافهما، مشيرة إلى تناقض تصرفات إدوين. ففي تلك الليلة، عندما دخل إدوين حجرتهم ورأى ثوب نومها، تعامل معها كما لو كانت شقيقته الصغرى. ولم تكن اللمسات بينهما طبيعية إلا بعدما بادرت هي بذلك.
“أعتذر، لكنني لم أكن مرتاحًا حتى في تلك الليلة.”
لم يكن يبدو كذلك إطلاقًا.
لكن ما دام هو نفسه يقول إنه شعر بعدم الارتياح، فلا يمكنها لومه فقط لأنها رأت خلاف ذلك. ربما كان ماهرًا جدًا في التحكم بتعابير وجهه.
“لم أظهر ذلك لأنني كنت أعلم أن سموّ الأميرة لم تكن راغبة.”
“…….”
“لو كنتُ فعلاً غير مبالي، لما أمكنني أن أقترب من جسدك إلى تلك الدرجة تلك الليلة.”
هل يجب أن تعتذر لأنها جعلته يشعر بعدم الارتياح مرارًا كل ليلة دون أن تدري إذن؟
“أ… آسفة؟”
انطلقت كلمات الاعتذار من فم كورديليا بلا وعي، وبنبرة مترددة لأنها لم تكن متأكدة إن كان عليها الاعتذار أصلاً.
نظر إليها إدوين للحظة صامتًا، ثم رفع يده وضغط بإصبعيه على ما بين حاجبيه. أخذت كورديليا تدور بعينيها، تتساءل عما إذا كانت ارتكبت خطأ آخر.
“إدوين؟”
حتى كتفا إدوين اهتزّا قليلاً. وضعت كورديليا يدها على كتفه وقد ظهر القلق على وجهها. وفي تلك اللحظة، انفجر إدوين ضاحكًا بصوت مسموع.
“إدوين!”
هل كان… يسخر منها؟
صرخت كورديليا غاضبة.
***
“إدوين.”
كان إدوين قد أدخل ذراعه في السترة التي قدمها له سكوت بعد وجبة الإفطار، وبدأ بارتداء قفازيه، قبل أن يلتفت نحو مصدر الصوت. كانت كورديليا تقترب منه، مرتدية فوق كتفيها الدانتيل الرقيق الذي يلائم فستانها المنزلي.
“هل جئتِ لتوديعي أيضًا يا سمو الأميرة؟”
سألها إدوين ممازحًا وهو يراقبها تقترب منه.
“وهل هذا غير مسموح؟”
تذكّرت كورديليا كيف سخر منها ذلك الصباح بوجهه الوسيم، فرمقته بنظرة جانبية. وبطبيعة الحال، خرج صوتها بنبرة أكثر تحفظًا.
“بالطبع لا.”
“استيقظت مبكرًا، فقررت إنني أودّ توديعك. كما أنني لم أرك يومًا تغادر إلى العمل.”
هزّ إدوين رأسه وكأنه فهم مقصودها الآن.
“هذا جيّد. كنت أريد إعطاءك شيئًا على أي حال.”
ثم حرّك أصابعه المغطاة بالقفاز الأبيض في الهواء وكأنه يتذكر شيئًا.
“شيئًا لتعطيني إياه؟”
سألت كورديليا باستغراب وهي تميل برأسها قليلاً.
“قلتُ سابقًا إنه إن كانت هناك أوبرا تُعرض في المسرح الكبير فسأحضر لكِ تذكرتين.”
آه— أطلقت كورديليا تنهيدة إعجاب صغيرة. أدهشها أنّه لم ينسَ ما كانت هي نفسها قد نسيت.
“أحضرت تذكرتين، لكن لستِ مضطرة للذهاب معي.”
أخرج إدوين من الجيب الداخلي لسترته ظرفًا ورقيًا متينًا وسلمه لها. لم يكن يبدو وكأنه يريد التفاخر بشيء.
“كنت أنوي دعوة سموّ الأميرة لموعد، لكن… أظن أنه من الأفضل أن تذهبي مع من ترتاحين له هذه المرة.”
فتحت كورديليا الظرف، وتفقدت التذاكر والرسالة المكتوبة بخط يده. كانت الرسالة تتمنى لها وقتًا لطيفًا وأن تمحو ما بقي في قلبها من مشاعر عالقة. ورغم أنه لم يذكر اسمًا، فقد عرفت فورًا من يقصد.
“لا أعرف ما الذي حدث في ذلك اليوم، لكن إن بادرتِ أنتِ يا سموّ الأميرة، فالسيدة ليمونت ستستقبل ذلك بترحاب كبير.”
لم تكن كورديليا تتوقع أن يكترث لِما يخص السيدة ليمونت. فلم تخبر أحدًا بما حدث بينهما.
“سموّ الأميرة؟”
لم تسمع سوى نبضات قلبها، شعرت وكأن الهواء من حولها يتباعد. لم تستطع نزع عينيها عن الظرف الذي كانت تمسكه.
“……شكرًا.”
“على الرحب والسعة.”
بعد أن أدركت الليلة الماضية حقيقة مشاعرها تجاه إدوين، لم يكن هناك شك فيما كانت تشعر به الآن. لقد كانت مشاعر التأثر الناجمة عن اهتمام من تحب.
رفعت كورديليا رأسها لتنظر إليه. وكانت شمس الصباح الباكر تتلألأ خلف كتفه، فتنعكس على وجهه الجميل النائم بوهج لطيف. شعرت أنها تحب إدوين أكثر من الأمس.
“يبدو أنه علي الذهاب الآن. سأعود لاحق–……”
“الزواج منك… لم يكن خيارًا سيئًا على الإطلاق.”
قالتها كورديليا بصوت خفيض، يكاد يذوب في صوت الريح الهادئة التي تهز أغصان الأشجار.
“إنه لشرف.”
التقط إدوين ذلك الصوت الخافت كما لو أنه بحث عنه عمدًا.
ثم أضاف أنه يشرفه كونه زوجًا غير مخزٍ لأميرة، مما جعل كتفيها يرتجفان بنشوة صغيرة.
“لو لم تكن تمزح طوال الوقت، لكان ذلك أفضل.”
شعرت بدغدغة لا تُطاق في قلبها. شعور غريب لم تعتده، فاضطرت إلى إضافة جملة أخرى. وما لبث أن ندمت على لسانها الذي لا يكفّ عن قول ما لا تقصده، حتى تمنت لو عضّت عليه.
لا تدري. قلبها وجسدها، فمها وعقلها… كلها باتت تتصرف بشكل منفصل. كانت تشعر بأنها أكبر حمقاء في العالم. مع أنها نفسها كانت ستضيق ذرعًا لو سمعت شخصًا يقول كلامًا كهذا، إلا أن إدوين لم يُعلّق، بل ابتسم وكأنه يرى شيئًا لطيفًا.
“مع أنني كنت استمتع قليلاً بسبب ردود أفعالك اللطيفة… إلا أن ما قلته آنفًا لم يكن كذبًا.”
اقترب إدوين من أذنها وهمس بصوت خافت لا يسمعه أحد غيرها. لم تستطع كورديليا الرد، واكتفت برمشات سريعة.
“لورد إدوين.”
حدّق إدوين في وجه كورديليا التي بدت كأنها شاردة الذهن، ثم وقف مستقيمًا إثر استعجال سكوت. بعدها أمسك بيدها ورفعها بخفة، وطبع قبلة على ظهر يدها.
“سأعود قبل أن يتأخر الوقت.”
ثم ارتدى القبعة التي قدمها سكوت، واستدار نحو العربة.
“سموكِ؟ هل تشعرين بمرض ما؟”
لم يمضِ وقت طويل حتى أُغلق باب العربة وبدأت بالتحرك. وضعت كورديليا يدًا على فمها وتمايلت قليلاً.
“رأسك؟ هل يؤلمك رأسك؟”
ركضت لينا نحوها مذعورة، لكن كورديليا لم تستطع الإجابة. كان ذهنها مشغولاً بتكرار كلمات إدوين.
قال إن ردود أفعالها كانت ممتعة له، لكن الجزء المتعلق برغبته بها لم يكن مزاحًا. لم يكن هناك تفسير آخر لكلامه.
أنزلت يدها عن فمها، وحدّقت في ظهر يدها حيث طبع قبلة قبل قليل. بدا موضع القبلة ساخنًا وكأن أثر شفتيه ما زال عالقًا.
“…….”
‘هل يمكن أن يكون إدوين… يحبني؟ قال إنه يجدني جذابة بما يكفي لتحريك شهوته… مثلما حدث ليلة الزفاف…’
ليلة الزفاف. توقفت كل الأفكار المشوشة عند تلك الكلمة. وبدأت بالتدفق في رأسها صور محرجة من تلك الليلة. لحظة عضّه لرباط الساق وإزالته بأسنانه، أو عندما مرّت يداه الكبيرتان على بشرتها…
يا لي من حمقاء تفكر في مثل هذه الأمور منذ الصباح! يا له من رجل بغيض… إدوين تريد هو إنسان خطير على الصحة النفسية.
***
“يبدو أنكما تعيشان حياة زوجية يانعة جدًا.”
حتى بعد انطلاق العربة التي استقلها إدوين، بقيت كورديليا واقفة أمام المدخل غير قادرة على الحركة. ألقى سكوت، الذي كان يراقب الأميرة من نافذة العربة، تعليقًا ساخرًا.
“أنت بارع حقًا. كيف استطعت أسر قلب الأميرة تمامًا بين ليلة وضحاها؟”
“…….”
“يبدو أنّ إنجاب الوريث الذي يتمناه السيد آرون ليس بعيدًا كما يبدو.”
ثم زاد في تمجيد إدوين حتى إنه صَفَّق وهو يتحدث، كأنه يسكب الذهب على وجهه. فزوجته لم يكن مضى وقت طويل منذ كانت ترمقه بنظرات حادة، وتتجاهله، وتصعد الدرج بخطوات صاخبة. لذا كان المشهد الحالي مدعاة للدهشة حقًّا.
“لستُ متأكدًا.”
لم يكن أمرًا يستحق طول التفكير. سواء كانت كورديليا قد انجذبت إلى وجهه، أو إلى لسانه الماهر في المجاملة، فكل ذلك لم يهمه كثيرًا ما دام أيًّا منهما لا ينبع من صدق.
ترك إدوين إجابة فاترة، ثم وجّه بصره إلى ساحة المبنى الملحق حيث كانت أشعة الضوء الساطعة تنهمر.
كانت كورديليا لا تزال في مكانها، تغطي وجهها بكلتا يديها. ولم تكن خادمتها تعرف ما تفعل، فتتنقل حولها بارتباك ظاهر.
“ياللشفقة.”
وبينما كان سكوت ينقر بلسانه تعاطفًا مع كورديليا، اكتفى إدوين بابتسامة هادئة. ثم محا صورتها من مجال رؤيته.
التعليقات لهذا الفصل " 42"