بعد الانتهاء من الاستحمام، فتح إدوين باب غرفة النوم بلا حذر. كان يتوقع سماع صوت كورديليا التي ستكون في الغرفة، لكنه لم يسمع شيئًا. شعر إدوين ببعض الريبة وهو يجرّ حذاءه المنزلي ويتقدّم نحو السرير.
“…….”
كان يمكنه أن يرى بوضوح خافت جانب وجه كورديليا النائمة بعمق خلف الستارة العلوية للسرير. بدا وكأنها تجاوزت اكتئابها سريعًا، لكنها على ما يبدو كانت متعبة جسديًا أو نفسيًا.
ففي النهاية، مهما كانت محاولة تغيير الجو، فمن الطبيعي أن يتعب المرء إذا أنفق ذلك القدر من المال.
فكّر إدوين بذلك وهو يزيح الستارة قليلاً ويصعد إلى السرير. ومع ميلان السرير قليلاً تحت وزنه، بدأت كورديليا تتململ بصوت خافت، ثم مالت بجسدها نحو حضنه.
احتضنها إدوين كما يحتضن أحدهم قطة مدللة بينما يقرأ الصحيفة؛ فربّت بيدٍ لطيفة على كتف كورديليا المستكينة بين ذراعيه. عندها عادت كورديليا سريعًا إلى نوم عميق بملامح مرتاحة. راقبها إدوين، ثم أسند ذراعه الحرة خلف رأسه واستلقى.
فجأة، عادت إلى ذهنه أحداث بعد الظهر.
“لورد إدوين، يجب أن تغادر.”
“……ماذا؟”
“يبدو أن منشورات تُسيء إلى الأميرة انتشرت في الساحة المركزية.”
في الحقيقة، لم يكن لديه نية لمرافقة كورديليا من البداية. كل ما هناك أنها ظهرت فجأة ثم غادرت كما يحلو لمزاجها.
“الآن بالتحديد؟”
“الآن.”
لكن سكوت، الذي سمع متأخرًا من موظف آخر عن الضوضاء التي حدثت في الساحة المركزية، هرع مذعورًا ونصح إدوين بالخروج فورًا.
“ولماذا؟”
“أليس هذا بسبب فشلك في إدارة الخدم كما يجب؟”
“إدارة الخدم من مهام كبير الخدم ورئيسة الخادمات، لا أنا.”
“على أي حال، هذا خطأ اللورد إدوين.”
ثم دفع إليه قبّعة كورديليا التي تركتها خلفها، ودفعه خارجًا. كما لو أن كل شيء خطأ إدوين وحده. وكأنه انتهز الفرصة ليلقي عليه كل الانتقادات التي كان يرغب دائمًا في قولها.
“إن ذهبت الأميرة إلى القصر الملكي بقلبٍ مجروح وتسبّبت في فضيحة كبيرة، فماذا ستفعل؟ إن أغضبتَ العائلة الملكية فتمّ طلاقكم أو لم تحصل على اللقب، فلن يضيع مستقبل الوريث فحسب، بل ستفقد شركة ترييد إلى الأبد!”
ولسوء الحظ، كان كلام سكوت صحيحًا كلّه. فآرون لن يسمح بسهولة بانتقال شركة ترييد إلى يد إدوين إذا طُلّق أو لم يحصل على لقب النبالة. سيقول بالتأكيد: “كيف ستصبح مالكًا للشركة وأنت غير قادر حتى على كسب قلب أميرة سهلة؟”
“……إدوين؟”
هذا هو السبب الذي دفعه للذهاب إلى كورديليا التي كانت تتسوق في المتجر الكبير. رغم أن كورديليا كانت تظن أن السبب مختلف قليلاً.
ربّت إدوين بإصبعه بخفة على خد كورديليا. على الرغم من مرور عدة سنوات على بلوغها، كانت وجنتاها ممتلئتين كطفلة، ترتجفان بردّة فعل تلقائية.
تمامًا كما كانت تفعل عندما كانت عاجزة عن إخفاء مشاعرها نحوه.
“…….”
لم يكن إدوين غبيًا. كان يعرف النظرات التي كانت تهرب منه متعمدة نحو الأسفل، وتلك التي كانت تعود لتسرقه سرًا.
كان واثقًا. ربما لا يعرف كيف كانت مشاعرها سابقا نحوه، لكن كورديليا الآن تحبه.
وفور إدراكه ذلك، فكّر إدوين للمرة الأولى أن سكوت يستحق الشكر لأنه دفعه للخروج. ما دام قد عرف حقيقة تلك المشاعر، فقد أصبحت كورديليا الآن في قبضته تمامًا.
وجاءت هذه اللحظة في توقيت ممتاز.
طبع إدوين قبلة خفيفة على صدغ كورديليا. ويبدو أنها أحسّت بتلك اللمسة حتى في نومها، فابتسمت بخجل. راقبها إدوين ثم ابتسم هو أيضًا.
لم يكن الأمر سيئًا. حتى إن فكّر بمقدار المال الذي أنفقته اليوم، لم يشعر أنه خسر شيئًا.
***
فجأة شعرت كورديليا بقشعريرة. فاحتكّت بوجهها على الوسادة وهي تتململ، ثم فتحت جفنيها المثقلين بالنعاس.
“…….”
تحت ضوء الفجر الخافت، كان إدوين يفتح باب غرفة النوم. يبدو أنه ذاهب ليستحم.
هل أعود للنوم قليلاً……؟
أغلقت كورديليا عينيها وهي تفكر. فخروج إدوين لم يكن يعنيها كثيرًا.
“…….”
لا، هذا غير صحيح.
فتحت كورديليا عينيها على الفور. ولو كان أحدهم أمامها لتفاجأ من سرعة رد فعلها.
لقد أدركت مشاعرها تجاه إدوين بالأمس، ولا يمكن أن تظهر أمام من تحب وهي نائمة بإهمال.
بأسرع؟ نظرت لينا إليها بوجه مستغرب. أما كورديليا، فكانت تتلمّس وجهها بحثًا عن أي شيء عالق، وهي تقفز من السرير على عجل. لم تستطع لينا معرفة سبب استعجالها هذا الصباح.
“قبل أن يذهب إدوين إلى المبنى الرئيسي.”
وعند سماع ذلك، فهمت لينا على الفور ما تقصده الأميرة.
“لا تقلقي يا سمو الأميرة!”
فالرغبة اللطيفة في الظهور دائمًا بمظهر جميل أمام من نحب ليست مسألة عمر أبدًا.
“ما رأيك بهذا الفستان؟”
ساعدت لينا الأميرة على غسل وجهها سريعًا، ثم أحضرت فستانًا منزليًا مناسبًا.
“حسنٌ، لنعتمد هذا.”
أسقطت كورديليا الرداء الذي كانت ترتديه على الأرض، ودخلت مسرعة في الفستان. كانت قلقة أن يعود إدوين في أي لحظة.
“سأذهب فقط لإحضار الساعة، لذا أخبريهم أن يبدؤوا بالإفطار.”
لكن إدوين كان أسرع مما توقعت. فقد فتح باب غرفة النوم بهدوء ليدخل وهو يبحث على ما يبدو عن الساعة التي تركها، ليلتقي نظره بنظر كورديليا مباشرة.
“…….”
حتى إدوين بدا وكأنه لم يكن يتوقع هذا المشهد، فلم يتكلم للحظة.
“إدوين، الباب……”
فلا يمكن السماح للخدم المارّين برؤية الأميرة وهي ترتدي ملابسها. فأشارت كورديليا بوجه محتقن نحو الباب، طالبةً منه إغلاقه.
“أعتذر. لم أكن منتبهًا. أتيت فقط لأخد الساعة.”
أغلق إدوين الباب كاملاً ودخل. وأشارت كورديليا إلى لينا كي تُسرع في إغلاق الأزرار الخلفية. عندها فقط بدأت لينا التي تجمّدت للحظة بالحركة.
“لماذا استيقظتِ مبكرًا هكذا؟”
سألها إدوين وهو ينظر إلى ساعة الجيب على الطاولة، وكأنه يقول إن الوقت لا يزال مبكرًا على ذلك.
“لا أعرف، استيقظت فحسب…وفكرت أن أذهب إلى مائدة الإفطار اليوم.”
كان ظهرها عاريًا من أسفل الخصر حتى العنق بسبب الفستان الذي يُغلق بالأزرار، فشعرت بالحرج. ورغم خجلها، كان عليها أن تواجه إدوين مباشرة.
وفي كل مرة تلتقي فيها عيناهما، كان قلبها يخفق بعنف، حتى خشيت أن ينكشف أمر مشاعرها، فنظرت إلى الأرض.
“في هذا الوقت، أنتِ يا سمو الأميرة على المائدة؟”
سألها إدوين بوجه غير مصدّق. فأومأت كورديليا بإحراج.
“هل انتهيتِ يا لينا؟”
“لحظة فقط يا سمو الأميرة…”
وبنبرة توحي بإخفاء حرجها، طلبت كورديليا من لينا أن تُسرع. لكنها، بسبب الاستعجال، لم تفعل سوى ارتكاب المزيد من الأخطاء.
“دعيني أقوم أنا بذلك. يمكنك الخروج.”
تحدث إدوين الذي كان يراقبهما بهدوء. ففتحت كورديليا عينيها بصدمة.
“ولماذا تقوم بذلك أنت؟”
كانت محاولة لرفضه، لكنه تجاهل ذلك متعمّدًا وتقدم بثقة ليحلّ محل لينا. لم يكن من النوع الذي يفوته مثل هذا المعنى الخفي.
“الخادمة المسكينة مرتبكة.”
“……مرتبكة؟”
“وبأي حال، نحن زوجان، فما المشكلة؟”
وبمجرد أن لامست يداه القماش والأزرار، شدّت كورديليا بطنها بخفة. فالفستان المنزلي يُلبس دون مشدّ، وكانت قلقة قليلاً من ذلك. لكن أثناء مساعدته لها، لم يقل إدوين شيئًا آخر.
حرّكت كورديليا عينيها المتوترة بسرعة، وأرهفت حواسها بحساسية لأي حركة تشعر بها خلف ظهرها. وبالطبع، لم تنسَ أن تحبس أنفاسها.
“آه…”
ولكن عندما لامست أطراف أصابع إدوين جلدها المكشوف من غير قصد، خرج النفس الذي كانت تحبسه رغماً عنها.
“…….”
وضعت كورديليا يديها تلقائيًا على فمها لتغطيه، ثم التفتت لتنظر إلى إدوين. وما إن تلاقت نظراتهما، حتى انحنت عيناه بنعومة. وبعد أن أكمل إغلاق أزرار الجزء العلوي من الفستان بإتقان، سحب يده عنها أخيرًا.
“لا داعي للقلق.”
القلق هممّ؟
ارتبكت كورديليا قليلاً، ورفعت يدها تتحسس أزرار عنقها بينما نظرت إلى إدوين باستغراب.
التعليقات لهذا الفصل " 41"