“لكن سمعتُ أنكِ قررتِ عدم إصطحاب الخدم معكِ إلى قصر ترييد؟”
عند سؤال الملكة، هزّت كورديليا رأسها. ثم رفعت ملعقة من الكعك المصنوع من فاكهة حامضة قُدِّم كتحلية.
“ماذا تعنين بذلك؟”
سأل الملك وهو يحدق بعينيه متسعتين، وكأنه يسمع الأمر لأول مرة.
“يقولون إن كورديليا قالت إنها لن تأخذ السيدة ليمونت ولا الوصيفات معها.”
“لِمَ؟”
كان وجه الملك يوحي بأنه لا يستطيع فهم الأمر. لكن الملكة، ربما لأنها أنجبتها، استطاعت بسهولة تخمين حقيقة ما في داخلها.
“إدوين لم يتسلّم لقبًا بعد، أليس كذلك؟ في مثل هذا الوضع لا يمكنني اصطحاب السيدة ليمونت والوصيفات.”
لم يختلف جواب كورديليا كثيرًا عن توقع الملكة. صحيح أن مرافقة الوصيفات تُثبت ولاءهن، لكن من الواضح أن مكانتهن في المجتمع ستصبح مُبهمة. فكم سيبدو سخيفًا أن تتزوج أميرة برجل من عامة الشعب بلا لقب، وكم سيبدو أولئك الذين يتبعونها هزليين في نظر الآخرين.
“كورديليا، نحن ما زلنا نحبكِ ونعتني بكِ، فلماذا يُشكل الأمر مشكلة؟”
“لا مشكلة عندي، لكن بالنسبة لشيستر وآنا فالأمر مختلف. سمعتُ أنهما في فترة تداول أحاديث الزواج في الآونة الأخيرة، ولا أريد أن يتسبب شيء تافه بمشكلة لهما.”
ومع ذلك لم تكن الملكة تريد لكورديليا أن تغادر القصر الملكي وحدها لمثل هذه الأسباب. فهناك ما يكفي من الأمور التي تشعر بها بالذنب، ولم تكن ترغب بأن تبدو ابنتها بائسة لأنها تُفكر في كل شيء حتى هذا الحد.
“إذن خذي السيدة ليمونت على الأقل.”
“سيبدو الأمر حينها وكأن شيستر وآنا تخلّتا عني وأدارتا ظهريهما لي. هذا سيجعلني أبدو مثيرة للشفقة، وأنا لا أريد ذلك.”
أجابت كورديليا بخفة، ثم دفعت ملعقة التحلية إلى فمها. أغمضت عينيها بقوة من الطعم الحامض ثم فتحتهما، قبل أن تُجيب متأخرة بنصف نبضة.
“ومن يجرؤ على التفوه بمثل هذا الكلام؟ أنتِ الأميرة الوحيدة في هذه العائلة الملكية، وابنتي الوحيدة!”
صرخت الملكة وقد غصّ صوتها فجأة.
لم يتخذ الملك في حياته عشيقة قط، ولم ينظر إلا لزوجته. ولذلك كانت هي و كورديليا دائمًا محور المجتمع. فكيف يجرؤ أحد على انتقاد العائلة المالكة التي تقف في قلب السلطة؟ لم يخطر هذا بباله يومًا.
“قد يتهامسون من خلف ظهورنا دون أن نعلم.”
مع ذلك لم تبدُ كورديليا مهتمة بغضب أمها. كانت لهجتها تقول إنها اتخذت قرارها، وعلى الآخرين أن يتبعوها. كما اعتادت دائمًا جرّ والديها خلف قراراتها.
“عندما يحصل إدوين على لقبه، سأستدعيهن. لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً على أي حال.”
مع أنها تعلم أن خطة التعويض ما تزال عالقة في البرلمان، تحدثت كورديليا وكأن كل شيء سينتهي خلال لحظة، وأن إدوين سيحصل على لقبه غدًا.
“جلالتك.”
كان موقف كورديليا يصيب الملكة بالقلق. نسيت حتى أنها سحقت قدم الملك قبل قليل وهي ترجوه. أطلق الملك صوت أنين صغير.
“لنترك الأمر كما قالت كورديليا الآن. فلا بدّ أن للأميرة رأيًا هي الأخرى.”
“جلالتك!”
وفجأة، كان الملك إلى جانب كورديليا. بدا واضحًا أنه يشعر بعبء لا ينتهي من الذنب لأنه زوّج ابنته المدللة لعامة الشعب رغمًا عنها.
“…….”
أو ربما، كما قالت كورديليا، عليه أن يخطط لتمرير اللقب لإدوين بأسرع وقت حتى لا يجرؤ أحد على فتح فمه بكلمة، وكأنه يخطط لشيء ماكر.
***
بعد انتهاء العشاء، نهضت كورديليا وإدوين فورًا.
لم يتمكن الملك من إخفاء شعوره بالأسى، بينما بدت الملكة وكأن لديها الكثير لتقوله، لكن كورديليا أعربت عن رغبتها في العودة لأنها متعبة.
“لم أنم جيدًا.”
وما إن قالت ذلك، حتى التفتت عينا الملك الضيقتان نحو إدوين. لم يكن كلامها بعيدًا عن الحقيقة، لذا اكتفى إدوين بابتسامة هادئة.
“أ، أجل. كان عليّ التفكير أكثر… كان عشاءً معًا بعد وقت قصير.”
كانت حياة ابنته الخاصة وقد أصبحت متزوجة بالفعل. بدا وكأن لديه الكثير يقوله، لكنه كتم ذلك وأذن لها بالرحيل. وعندما ساعدها إدوين على النهوض ونظر لها من طرف عينه، بدا وكأن الملك على وشك البكاء.
“…….”
هل يصبح كل أب ينجب ابنة أبلهًا هكذا؟
بصراحة، هذا ما فكّر فيه إدوين وهو ينظر إلى الملك. فآرون لم يكن لديه سوى أبناء ذكور مثل إدوين وبارتون، ولم يبدُ أبدًا بهذا الغباء أمامهم.
“إن كنت عديم الفائدة، فاترك رأسك في الغرفة قبل أن تغادر!”
“إذن سيكون جسدي يمشي بلا رأس في القصر، وهل تضمن ألا تُغمى عليك عند رؤيته؟”
كان والده يحطم كبرياء أبنائه بجُمل قاسية بدل أن يرتبك من كلمة واحدة. وبالطبع لم يكن إدوين ممن يطأطئون رؤوسهم أمام ذلك، فلم يكن هناك أي سبب ليكون لطيفًا كما يفعل الملك.
“هل أنتِ متأكدة من ترك السيدة ليمونت أيضًا؟”
عند هذا السؤال غير الصادق، رمشت كورديليا بجفونها الطويلة. كانت رموشها من الطول بحيث بدا وكأن أحدهم شدّها لتزداد طولاً، حتى إن أية حركة لها كانت واضحة.
“على كل حال، أقرب وصيفاتي إليّ منذ الطفولة، جاين، توفيت فجأة بسبب المرض مؤخرًا. لن يكون الأمر مختلفًا كثيرًا أيًّا كانت مَن حولي.”
“…….”
“ثم إن هناك أشخاصًا في قصر ترييد أيضًا.”
“بالطبع، فالخدم هناك بالعشرات.”
كانت السيدة ليان وهايلي تعتبران حجم القصر وعدد الخدم مسألة تتعلق بكبريائهما، رغم أنهما لا تستقبلان أي ضيوف من الخارج. كان الأمر مضحكًا.
“اقترب قليلاً.”
في اللحظة ذاتها التي كان فيها إدوين يتذمّر داخليًا من ليان وهايلي، انحنى قليلاً نحو كورديليا كما طلبت. فقربت شفتيها من أذنه.
“السيدة ليمونت توقظني باكرًا ولا تسمح لي بالنوم.”
قبل أن يلتقط أنفاسه من رائحة عطرها المفاجئة، سمع السبب الغريب، فحرّك عينيه بصمت.
“فأحببت أن أستمتع بالنوم قليلاً هذه الفترة.”
يا له من سبب! كاد يضحك بسخرية، لكنه تمالك نفسه أمام هذه الأميرة الشرسة الشبيهة بالقطط.
“كما تشائين.”
“…….”
“افعلي ما تريدين.”
اعتدل إدوين في وقفته، وقال لها بلطف أن تفعل ما يحلو لها. فعدم وجود السيدة ليمونت الصارمة التي لا تتوقف عن الكلام اللاذع لم يكن مزعجًا له على الإطلاق.
“أرجوك تصرّف وكأنك لا تعرف شيئًا.”
“إن رغبتِ بذلك، بالتأكيد.”
ومع ذلك شعر ببعض الشفقة تجاه السيدة ليمونت التي كانت تعتني بالأميرة بصدق أكثر من اعتنائها بأولادها على الأرجح. لكن جحود كورديليا لم يكن مختلفًا كثيرًا عن جحود الأبناء العاديين.
“ادخلي أولاً يا صاحبة السمو. مساعدي ينتظرني لأتحدث معه قليلاً.”
كان ذلك عند وصولهما إلى الردهة. سمح إدوين لكورديليا بالصعود إلى أعلى الدرج، ثم توجه نحو سكوت الذي كان واقفًا قرب المدخل.
“هل حدث شيء؟”
“هناك مشكلة في فرع أستانا.”
“أي مشكلة؟”
“تطالب حكومة أستانا باستعادة حق امتياز منجم الحديد، ويبدو أن السيد آرون ينوي إرسال السيد بارتون لمعالجة الأمور.”
التعليقات لهذا الفصل " 16"