“أُبارك لكما زواجكما، أنا هاري من أسرة كونت براينت.”
وفي تلك الأثناء، قاطع أحدهم فجأة حديث كورديليا وإدوين.
“يشرفني أن أحضر مثل هذا الحدث السعيد.”
على عكس كورديليا التي فزعت بشدة، وقف إدوين بهدوء إلى جانبها بحركة سلسة.
“يشعر المرء بالحرج قليلاً حين يقابل أحد عملاء الشركة في مثل هذا الحفل.”
كان تعامل إدوين مع كونت براينت طبيعيًا للغاية، كما لو كان يستقبل ضيفًا في منزله.
“في روتشستر، لا يوجد من لا يعرفكما، لذا عليكما التعود على ذلك.”
“كلامك صحيح.”
“بما أنك تزوجت الآن، فربما سيتأخر إطلاق سفينة التجارة التالية قليلاً.”
“بالفعل، ليست لدي أي خطط في الوقت الراهن.”
أجاب إدوين بصوت دافئ.
أما كورديليا فلم تُعر اهتمامًا للأمر، فقد كانت تعرفه مسبقًا، كما أنها لم تكن تهتم بأحاديث الرجال. لذا حوّلت اهتمامها بهدوء إلى مكان آخر، إذ كان في تجمع السيدات الكثير من الأحاديث الممتعة والمثيرة للاهتمام.
“يبدو أن أوين جيرالد خسر فرصته للأسف.”
“طبيعي، فباعتباره أصغر أبناء دوق جيرالد، كان الجميع يرونه المرشح الأقوى للزواج منها، لا بد أنه تأذى كثيرًا.”
“لابد أنه يشعر وكأن أحدهم وجه له ضربة في مؤخرة رأسه.”
ابتسمت كورديليا قليلاً وهي تسمع همسات النميمة عن أوين. عندها، نظر إليها إدوين مطولاً بينما كانت تضحك بخفة كطفلة.
“بعد كل شيء، لا يمكن أن تُتترك العروس الجديدة وحدها بعد الزواج مباشرة.”
“أ… أتعني أنا؟”
ما إن شعرت بنظرته، حتى أدركت أنها أصبحت محور الحديث، واتسعت عيناها دهشة. أما إدوين فاكتفى بابتسامة هادئة وكأنه لم يكن يقصد تنبيهها.
“إذن، سأترككما الآن…”
راقب كونت براينت الزوجين بنظرة دافئة كما لو كانا زوجين لطيفين، ثم غادر وهو يحاول كتم ضحكته.
حاولت كورديليا إخفاء حرجها، فرفعت ذقنها ونظرت إلى الأفق ببرود متصنع، لكنها لم تبتعد عن إدوين رغم ذلك.
كان غريبًا أن تُدعى العروس الجديدة، لكنها لم تمانع اللقب تمامًا. بل وشعرت ببعض الفخر وهي تقف إلى جوار إدوين.
“إن شعرتِ بالتعب في أي لحظة، فقط أخبريني. يحق للعروسين مغادرة الحفل متى أرادا.”
أومأت كورديليا بلا تفكير، لكن فجأة اتسعت عيناها حين أدركت شيئًا.
السبب في أن العروسين يمكنهما مغادرة الحفل أولًا هو… ليلة الزفاف.
“يقولون إن البداية مؤلمة جدًا.”
“لكن إن كان الزوج حنونًا، فلن تكون مؤلمة إلى هذا الحد.”
“هل… هل جربتِ ذلك؟”
“لا! بالطبع لا! فقط سمعت… سمعتُ هذا الكلام!”
لم يكن وجه إدوين وهو يحيي الضيوف يحمل أي نية مريبة، لكن كلمات الوصيفات ما زالت ترن في أذنها، وتذكرت كيف تظاهرن باللامبالاة حين ظهرت السيدة ليمونت.
كانت تعرف أن هذه الأفكار لا تليق بمثل هذا المكان، لكنها لم تستطع طردها من رأسها.
“هل تشعرين بعدم الارتياح؟”
سألها إدوين حين لاحظ اضطرابها. لم تستطع كورديليا الاعتراف بأنها كانت تسرح بخيالها حول تلك الليلة، فأجابت بسرعة مرتبكة
“أظن أنني… آذيت قدمي قليلاً.”
وبينما ارتبك إدوين يبحث حوله عن المساعدة، كانت كل الأنظار مسلطة على الزوجين الجديدين.
***
كيف انتهى بي الأمر هنا بهذه السرعة؟
رمشت كورديليا بعينيها وهي جالسة على السرير مرتدية ثوبًا شفافًا خفيفًا.
“يبدو أنه من الصعب فحصها هنا…”
لم تستطع أن تعترف لإدوين بأنها اختلقت قصة الإصابة من شدة الإحراج، لذا غادرا الحفل مباشرة.
“كورديليا…”
بمجرد أن تذكرت وجه والدها الملك حين غادرت القاعة قبل انتهاء الحفل – وقد امتزجت على ملامحه الدهشة بالحزن – تمنت لو ابتلعها الماء وماتت غرقًا. لكنها لم تكن لتستطيع الصراخ في الحفل لتقول إن الأمر ليس كما يظنون.
“صاحبة السمو، يقولون إن السيد إدوين قادم الآن.”
ارتجفت كورديليا في مكانها.
في الحقيقة، لم يدخل إدوين غرفة الزفاف من قبل بشكل كامل، وحين وصلا قبل قليل، لم يُلقِ نظرة على كاحلها لأن كورديليا لم تسمح له. ربما ظن أن السبب خجلها، فاستدعى الطبيب وتركها وحدها لبعض الوقت.
“هذا الرداء رقيق جدًا… أشعر بالحرج!”
تمتمت كورديليا بصوت متحشرج وهي تتشبث بالسيدة ليمونت التي أجابت بابتسامة مطمئنة: “من الطبيعي أن يكون كذلك في ليلة الزفاف يا سيدتي.”
“سأغادر قبل أن يدخل السيد إدوين.”
“سيدة ليمونت، من فضلك… فقط ابقي قليلاً بعد.”
لكن طرقات الباب جعلت كورديليا تتجمد في مكانها، فيما سارعت السيدة ليمونت بالخروج متجاهلة النظرة المتوسلة التي تبعتها.
اضطرت كورديليا إلى مواجهة إدوين بعينين مرتجفتين وهو يدخل الغرفة ويغلق الباب خلفه. كان مظهره مختلفًا عن المعتاد، يرتدي ملابس بسيطة وشعره الآن رطب قليلا.
“كيف حال قدمك الآن؟”
بدا صوته أكثر دفئًا وهدوءًا، لكن وجهه بدا جذابًا إلى درجة أرهقت قلبها الذي بدأ يخفق بعنف.
“أنا بخير.”
“هل تسمحين لي بفحصها الآن؟”
لم يعد بإمكانها المراوغة. أومأت بخجل، فاقترب منها وجلس قرب السرير، ثم رفع قدمها الصغيرة برفق على راحة يده وتفحّصها بعناية.
“يبدو أنه لا يوجد أي إصابة خطيرة، الشكر للرب.”
أومأت كورديليا برأسها بخجل، لكن حرارة يده تحت قدمها جعلت وجهها يحمر أكثر.
“فقط دعيه يقوم بالأمر، وستكونين بخير.”
كانت تفكر فيما إذا كان عليها إنزال ساقها أو البقاء كما هي، حين ساد بينهما صمت غريب مليء بالتوتر.
تصلبت حركتها تمامًا، وكأن الزمن توقف، ولم يبقَ سوى صوت دقات قلبها المضطربة.
“إن كنتِ بخير، فذلك يكفيني.”
ثم وضع قدمها برفق على الفراش، فشعرت بالبرد يسري فيها فجأة.
لم تكن تعرف الكثير عن هذه الأمور، لكن كان واضحًا أن ما يجري لم يكن ليلة زفاف طبيعية.
هما الآن زوجان شرعيان، وكان من المفترض أن يقضيا ليلتهما معًا، لكن تصرفات إدوين لم تحمل أي معنى جسدي أو رغبة.
“يبدو أنك متعبة، ما رأيك أن تتناولي شيئًا خفيفًا؟”
قالها وهو يدير ظهره وينزل من السرير، حتى بدأت كورديليا تتساءل في نفسها
هل أنا غير جذابة؟
“لست جائعة، فقط أعطني كأس نبيذ.”
لم تستطع إخفاء انزعاجها. بدا إدوين كمن لا يفهم التلميحات، لكنه ناولها الكأس بهدوء دون أي تغيير في ملامحه.
راقبته وهو يعود إلى الطاولة، وبدأ الغضب يتصاعد في صدرها. شعرت بالإهانة، فرفعت الكأس وشربت دفعة واحدة.
“إن شربتِ على معدة فارغة فستتأذى معدتك.”
هل جميع الرجال في زواجهم الثاني بهذا البرود؟ لا مشاعر، ولا رغبة، ولا حتى اهتمام؟ لا بد أنني لستُ عديمة الجاذبية إلى هذا الحد!
“افتحي فمك.”
صُدمت حين شعرت بشيء يلمس شفتيها. رفعت رأسها بسرعة، وإذا بقطعة جبن صغيرة تُدفع إلى فمها.
“امضغي.”
قالها وهو يلمس ذقنها بخفة، كما لو كان يطعم طفلاً. لم تستطع إلا أن تطيعه، فبدأت تمضغ بصمت.
ما الذي أفعله بحق؟
فكرت كورديليا بحيرة. لم تفهم سلوكه، ولم تحب إحساسها وكأنها تُعامَل كطفلة.
“هل تظن أنني طفلة؟”
ضحك إدوين بخفة.
“لا أظن أنني أجلس في غرفة الزفاف مع طفلة يا صاحبة السمو.”
“إذًا لماذا تُطعمني بيدك؟ ولماذا تتركني هكذا… دون أن تفعل شيئًا؟”
رفع حاجبه بدهشة خفيفة، وكأنه لم يتوقع هذا السؤال من عروس في ليلتها الأولى.
“وهل صاحبة السمو تعرف ما الذي يُفعل في ليلة الزفاف؟”
“لا تعاملني كالغبية! أعلم أننا يجب أن نقضي ليلة الزفاف.”
ردت كورديليا بجرأة غير متوقعة، مما جعل إدوين يبتسم بنظرة مثيرة للاهتمام.
“وتعلمين أيضًا كيف تُقضى هذه الليلة؟”
لكنها عند هذا السؤال، لزمت الصمت تمامًا.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"