***
هل تعرفني؟
على عكس الرجل الذي كان يشع بالراحة والهدوء، كان لدى رينا شيء كان عليها فعله بالتأكيد.
كان عليها أن تستعيد مسدسها وتغادر من هنا.
بنفسجي.
همست رينا بالاسم في ذهنها، ثم مدت يدها نحو السلاح.
وبينما كانت تعتقد أنها نجحت في استعادته، سُحقت جهودها حرفياً تحت قدم الرجل.
حدّقت بشرود في الحذاء الموضوع على مسدسها. بدا وكأنه لم يمس، كما لو أنه أُخرج للتو من العرض. كان التلميع مثالياً، والسطح خالياً من العيوب.
انعكس اللمعان على الجلد، مما أدى إلى قطع رؤيتها بشكل حاد.
لقد فشلت.
شعرت رينا بدوار خفيف، فرفعت عينيها ببطء.
سافرت عيناها على طول ساقيه الطويلتين بلا نهاية، وعلى عرض جسده، حتى التقت أخيرًا بنظراته الزرقاء الباردة. عندها فقط توقفت عيناها.
تلك العيون العميقة، بلون بحر شاسع، منحنية قليلاً.
كانت تلك ابتسامة لا لبس فيها.
انطلقت تنهيدة هادئة من شفتيها المفتوحتين قليلاً.
كان يعلم.
لقد أدرك بالفعل ما كانت تشاهده، وما كانت تخطط له لاحقاً. كان صوته، الذي تسلل من بين انحناءة فمها المبتسم، يحمل لمحة من التسلية.
“ألم نتفق على إبقاء هذا الأمر سراً؟”
تجنبت رينا النظر إليه، ونظرت إلى الأسفل بدلاً من ذلك.
انتابتها موجة من الخوف والعجز. حاولت أن تُحكم قبضتها على الهواء حيث كان المسدس، لكنه ظل بعيدًا عن متناولها.
تشتت ذهنها.
مهما فكرت في الأمر، لم يكن هناك سبيل لاستعادة السلاح منه.
هذا الإدراك سمح للخوف والقلق اللذين كتمتهما في غرفة المساحيق أن يتسللا من جديد، وينهشا عقلها.
ماذا لو أراد أن يهددني بالسلاح الآن؟
وما إن بدأ الرعب يبتلعها، حتى امتدت فجأة يد كبيرة نحوها.
«انهضي.»
ومضت في ذهنها ذكرى ذراعيه الملتفتين حولها، فغمرت أفكارها بياضٌ تام.
إن كان جادًا، فلن يكون للمقاومة أي جدوى.
تراجعت رينا غريزيًا إلى الخلف.
ومن وضعيتها المتشنجة، أطلق نقرة خافتة بلسانه.
«قد يظن المرء أنني أنوي فعل شيء لكِ.»
كان صوته جافًا.
تفاجأت رينا ورفعت رأسها بسرعة. كانت أي ابتسامة عالقة قد اختفت من وجهه.
بدا باردًا. لا مباليًا تمامًا.
«لستُ همجيًا يندفع نحو أي امرأة.»
حتى نبرته المستوية حملت مسحة من الاستياء.
«أنتِ من ظهرتِ فجأة من خلف مرآة ووجهتِ سلاحًا نحوي. إن كان هناك من يجب أن يخاف، فهو أنا، أليس كذلك؟»
«أ… أظن ذلك.»
بدأت رينا بالاحتجاج، لكنها أغلقت فمها مجددًا. لم تجد خللًا في منطقه.
هذا الرجل لم يكن له علاقة بما حدث. هي من اقتحمت المكان، متتبعة الضوء. ومن وجهة نظره، كانت قد باغتته.
وإذ أدركت أنها اتهمته ظلمًا، شدّت رينا شفتيها بصمت.
نقر الرجل بلسانه مرة أخرى، ومد يده نحوها من جديد.
«من فضلكِ، انهضي فقط. وجودكِ هناك غير مريح فعلًا.»
لم يعد هناك أي مخرج أنيق لتجنب طلبه.
وباستسلام، رفعت رينا يدها وأمسكت بيده.
عندها فقط أرخى تعابير وجهه أخيرًا وساعدها على الوقوف.
قادها إلى طاولة جانبية صغيرة في زاوية غرفة القياس. كانت بارتفاع مثالي للجلوس أثناء تبديل الملابس أو لوضع الإكسسوارات.
وبعد أن أرشدها للجلوس على الحافة، ترك يدها.
عندها فقط استطاعت رينا أن تتنفس أخيرًا.
في هذه الأثناء، انحنى الرجل والتقط السلاح.
«لا أعرف نوع سوء الفهم الذي لديكِ، لكنني فقط ألتقطه من أجلكِ.»
أراها السلاح بحركة سهلة، ثم تراجع خطوة إلى الخلف.
لم تكن غرفة القياس كبيرة، لذا ورغم ابتعاده، لم تتغير المسافة بينهما كثيرًا.
مع ذلك، وهو يستند إلى الحائط بلا مبالاة ومن دون أي إشارة تهديد، كانت لغة جسده واضحة.
لا أنوي إيذاءك.
حين رأت ذلك، أطلقت رينا زفيرًا عميقًا من الارتياح.
«أنا آسفة. أشعر بالقلق من دون السلاح.»
«لم أطلب اعتذارًا. أردت فقط أن تعرفي أنه لا داعي لكل هذا الخوف.»
كان صوته لا مباليًا وهو يدير السلاح بخفة في يده.
تلك الحركة، اللامبالية والدقيقة في آنٍ واحد، جعلت الأمر كله يبدو تافهًا.
«تفضلي. خذيه. ليست لدي عادة سرقة ممتلكات الآخرين.»
أمسك بالسلاح بيد واحدة وناوله لها، موجّهًا المقبض نحوها.
وقد هدأت رينا الآن، فمدّت يدها ببطء.
«شكرًا لك.»
وفي اللحظة التي كانت يدها المغطاة بالقفاز توشك أن تطبق على السلاح، لم تلمس أصابعها سوى الهواء.
لقد اختفى مجددًا.
رفعت رأسها بذهول.
سحب الرجل الهاتف منها قبل أن تتمكن من الإمساك به. لمعت عيناه الزرقاوان الداكنتان بمرحٍ خبيث.
“قبل أن أعيده، ماذا لو أخبرتني لماذا أتيت إلى هنا ومعك سلاح في المقام الأول؟”
أزعجها الأمر أكثر مما ينبغي.
الطريقة التي كان ينطق بها اسمها على لسان شخص غريب، بكل سهولة وعفوية.
شعرت بالتوتر، الذي كان قد هدأ، يعود ليشتدّ من جديد.
“هل تعرفني؟”
نظرت رينا إليه مباشرة.
كان شعره الأشقر البلاتيني يتألق تحت الضوء. وارتفع أنفه شامخاً، وكأنه لم ينحني قط. وكان خط فكه حاداً وأنيقاً، منحوتاً بدقة متناهية.
أضفت الظلال تحت عينيه وقوس حاجبيه العالي تبايناً لافتاً على وجهه.
كان وجهاً يمزج بين القوة والجمال بشكل مثالي لدرجة أنه كان من الصعب صرف النظر عنه.
لم يكن من الممكن أن تنسى وجهاً مثله.
لكن مهما حاولت جاهدةً البحث في ذاكرتها، لم تستطع أن تتذكر أنها قابلته قط. كل ما كان لديها هو لمحة خاطفة عند مدخل المتجر.
ومع ذلك، كان ينطق اسمها وكأنه أمر طبيعي تماماً.
“هل سبق أن التقينا؟”
مرّت نظرة خاطفة على ملامح الرجل التي كانت تبدو كتمثال، ولكن قبل أن تتمكن من تفسيرها، ابتسم ابتسامة ساحرة.
“أليس من الغريب ألا أعرف؟ حتى عند مدخل المتجر اليوم، ظل الناس ينادون باسمك.”
هل كان هذا كل شيء حقاً؟
انتشر الشك كالحبر في الماء، وتغلغل في جسدها.
ضيقت عينيها، لكنه لم يكترث لها.
وكأنما كان يتتبع ذكرى ما، تجولت نظراته على وجهها.
“لقد رأيتكِ أيضاً في الصحف. أليست أنتِ “الأميرة المذهبة”؟”
تألقت عيناه بالمرح، مثل عالم مفتون بمخلوق نادر من وراء البحار.
يقولون إن الذهب يجري في عروقك. ظننتُ أن عينيك ستكونان ذهبيتين أيضاً. لكن لحسن الحظ، ليستا كذلك.
نقر بطرف عينه بفوهة المسدس. كان الأمان لا يزال معطلاً.
“كنتُ فضولياً. الصحف لا تعرض إلا صوراً بالأبيض والأسود.”
الأميرة المذهبة.
أصبح هذا اللقب بمثابة حاشية لا تنفصل عن أي مقال يتناول رينا هيرتزبيرغ.
لقد وُعدت بثروة هائلة منذ لحظة ولادتها.
أينما ذهبت، كانت تحظى بنفس القدر من الاهتمام الذي تحظى به إحدى الأميرات القادمات من أرض بعيدة.
لم تستطع إنكار أنها كانت تعيش في ترف مفرط، بل وأحيانًا أكثر مما يناسبها هي نفسها.
ما أزعجها هو كيف حاول الناس إجبارها على تبني تصوراتهم الخيالية لما تعنيه تلك الثروة.
ربما لم يكن هذا الرجل مختلفاً. لقد قرأ مقالاً ما، ثم ملأ الفراغات بخياله.
فقدت رينا الرغبة في الجدال. خفضت نظرها كما لو كانت تتفادى عدسة الكاميرا.
“هذا مجرد كلام فارغ. دمي أحمر مثل أي شخص آخر.”
لولا المصورون المتطفلون، لكانت غادرت هذا المتجر بهدوء. ولتجنبت مقابلة شخص مثله.
كظمت غيظها، وهدأت من روعها.
“أنت تعرف من أنا بالفعل، لذا لا داعي للكلام الطويل. أرجوك أعد لي المسدس. أشعر بعدم الارتياح بدونه.”
مدت يدها نحو السلاح مرة أخرى، لكنه ابتعد أكثر.
“لن أفعل ذلك حتى أسمع سببك.”
“لماذا يحق لك أن تقرر ذلك؟ إنها ملكي.”
“وماذا لو أعدته وانتهى بي الأمر بالاغتيال؟ ماذا سيحدث حينها؟”
هز كتفيه، ثم وضع المسدس خلف ظهره.
“أنا خائف منكِ يا آنسة رينا.”
ضيّقت عينيها.
“هذا كلام غريب، خاصةً أنه صادر من شخص نزع سلاحي في لحظة.”
“كان ذلك مجرد رد فعل غريزي. رد فعل البقاء لدى الرجل الضعيف. لقد بدوت خطيراً للغاية. من نواحٍ عديدة.”
أسكت رده المستهتر رينا وجعلها عاجزة عن الكلام.
وبينما كانت واقفة هناك، مذهولة صامتة، عاد صوته الهادئ ليتردد في أذنيها.
“إذن، أخبرني. لماذا تحمل سلاحاً؟”
***
التعليقات لهذا الفصل " 7"