ضحك بخفة، ضحكة قصيرة لكنها دافئة، وكأنها تخبرني أنه فهم كل شيء.
مد يده برفق ولمس شعري كما اعتاد أن يفعل، وقال بصوتٍ ناعم:
– فهمت، آنستي الخجولة.
ثم ابتسم وأضاف:
– لكن الغرفة ستكون بجانبي.
نظرت إليه بدهشة، همست بصوتٍ خافت:
– بجانبك؟
– طبعًا، لا أريد أن أستيقظ صباحًا فلا أراكِ قريبة.
لم أعرف كيف أرد. قلبي كان يطرق بقوة حتى خشيت أن يسمعه.
كل ما استطعت فعله هو أن أشيح بوجهي بخجل وأنا أتمتم:
– كما تشاء…
ضحك مجددًا، ثم قال وهو يبتعد بخطواتٍ بطيئة:
– جميل، إذًا سنتفق أنني سأكون جاركِ المزعج من الآن فصاعدًا.
بقيت واقفة مكانها، أحاول تهدئة خفقان قلبي.
ذلك الرجل… لا يعرف كم كلماته البسيطة قادرة على إرباكي.
—
مرّت الليلة بصعوبة، ومع كل مرة أغمض فيها عيني كنت أستعيد صوته وهو يهمس في أذني: “هل أنتِ محرجة مني؟”
يا إلهي… فقط التفكير بتلك الجملة يجعلني أدفن وجهي في الوسادة خجلًا.
—
تم قطع سلسلة ذكرياتي ، جاءني صوت طرقٍ خفيف على الباب.
– آنستي؟
فتحت عيني، أعرف هذا الصوت جيدًا.
– تفضلي، إيميلي.
دخلت خادمتي بابتسامتها المعتادة، وقالت وهي تمسك بفستانٍ سماوي اللون:
– السيد يطلبك، آنستي.
– يطلبني؟ في هذا الوقت؟
– نعم، هناك ضيف، ويريد السيد أن تقابليه على الإفطار.
رفعت حاجبي:
– ضيف؟
– نعم، لذا يجب أن أجهزك بسرعة.
ساعدتني في ارتداء الفستان وتصفيف شعري، وأنا غارقة في التفكير.
من الضيف الذي يجعل كلود يطلب حضوري؟
وبعد دقائق، كنت أسير خلفها عبر الممر الهادئ.
كل خطوة كانت تقرّبني من غرفة الطعام… ومن ذلك الشعور الغريب الذي يرافقني كلما فكرت أنني سأراه مجددًا بعد البارحة.
فتحت إيميلي الباب بخفة، ودخلت أنا بعدها.
كان كلود يجلس في مكانه المعتاد، ينظر إليّ بابتسامة خفيفة جعلت وجنتي تحمران تلقائيًا.
لكن قبل أن أنطق بكلمة، تحرك بصري نحو الضيفة الجالسة أمامه.
تجمّدت في مكاني.
شعر فضي يلمع تحت ضوء الصباح، وعينان زرقاوان تحملان سكونًا غريبًا.
كانت تجلس بثقة وهدوء، كأنها تعرف تمامًا إلى أين جاءت…
إيفلين سكارت.
المرأة التي لم أتخيل يومًا أن أراها وجهاً لوجه، تقف الآن أمامي. بطلة هذه الرواية
وشيء ما في قلبي أخبرني أن هذا اللقاء لن يكون عابرًا أبدًا.
~~~~~~~~
كان الفجر قد بدأ للتو يبزغ، والسماء تتلوّن بخيوط وردية باهتة حين كان كلود في ساحة التدريب، يلوّح بسيفه في الهواء، يقطع السكون مع كل حركة حادة من ذراعه. كان النسيم البارد يلفح وجهه، ينعشه ويمنحه صفاءً نادرًا. منذ أيام لم يذق طعم النوم، فالعاصفة في داخله كانت أعنف من أن تهدأ بسهولة.
بينما كان يستعد لتوجيه الضربة الأخيرة، اقترب ثيو بخطوات مترددة وقال بانحناءة خفيفة:
ــ سيدي، هناك من يطلب مقابلتك… إنها الآنسة إيفلين.
تجمّد كلود في مكانه، للحظة واحدة فقط، ثم أنزل سيفه ببطء.
ــ إيفلين…، تمتم باسمها بصوت خافت وقد تذكّر.
كان بينهما موعد بالأمس، لكنها لم تأتِ. بل . والآن، تأتي في الصباح الباكر وكأن شيئًا لم يكن؟ وقاحة حقيقية.
في البداية قرر تجاهلها. لكنه ما لبث أن غيّر رأيه.
“ربما حان الوقت لأتأكد، هل هذه المرأة عدوة أم حليفة؟”
ــ أرشدها إلى غرفة الضيوف، سألقاها بعد قليل.
قالها ثم عاد إلى جناحه، اغتسل، وارتدى سترته السوداء التي تعكس دائمًا هيبته الباردة. وحين دخل غرفة الضيوف، كانت إيفلين قد جلست بهدوء، تمسك فنجان الشاي بين أصابعها وكأنها في نزهة مسائية لا لقاء سياسي مشحون.
لم يلقِ التحية، بل قال ببرود ساخر:
ــ تغيّبتِ عن موعد الأمس… ثم تأتين اليوم دون موعد، بكل هذه الوقاحة؟
رفعت نظرها إليه بهدوء، وارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة لم تُفصح عن شيء. أخذت رشفة من الشاي ثم أجابت بصوت متّزن:
ــ دعنا نكون صريحين يا دوق، لقد جئت البارحة بالفعل… لكني رأيت شيئًا، شيئًا لم يكن من المفترض أن أراه.
ضيّق عينيه قليلًا، وسألها ببطء:
ــ وما الذي رأيتِ؟
رفعت عينيها لتلتقي بعينيه مباشرة وقالت دون تردد:
ــ حبيبتك.
ساد صمت ثقيل للحظة، قبل أن يتغيّر وجه كلود، تتجمد ملامحه، ويتحول هدوؤه إلى جليد يغلف غضبًا دفينًا. تلك الكلمة لم يكن يريد أن يسمعها من أي أحد. فكر للحظة، ببرود غريب، أنه كان عليه ربما أن يتخلص منها الآن… لكنها قطعت أفكاره بكلماتها التالية:
ــ لا تقلق يا دوق، لست مهتمة بعلاقاتك العاطفية. لكن، لدي فكرة… أظنها ستكون مفيدة لك.
رفع حاجبه بسخرية خفيفة:
ــ فكرة؟
ابتسمت وهي تضع الفنجان جانبًا:
ــ أعلم أنك لا تريد أن يعرف الإمبراطور بأمرها، صحيح؟ لأنك لا تريد لها الأذى. إذًا… لدي خطة قد تساعدك على ذلك.
ــ وما هي هذه الخطة؟
سألها بلهجة يشوبها نفاد الصبر.
قالت بهدوء واثق:
ــ دخولها إلى المجتمع الراقي.
تراجع كلود قليلًا، ثم قال بنبرة حادة، غاضبة رغم هدوئه الظاهري:
ــ هل تسخرين مني الآن؟ كيف سيكون إظهارها أمام الجميع حمايةً لها؟
ابتسمت من جديد، ولكن هذه المرة كانت ابتسامتها حادة، فيها من الذكاء أكثر من الهدوء.
ــ كلامك صحيح، يا دوق. المجتمع الراقي سيف ذو حدين… قد يجرحك إن لم تحسن الإمساك به، لكن إن عرفت كيف توجهه، سيحميك من الجميع.
أجابها ببرود متوتر:
ــ ماذا تعنين تحديدًا؟
نهضت ببطء، رفعت فنجانها، وألقت نظرة جانبية نحوه.
ــ آسفة، لكن هذه التفاصيل سأناقشها مع الآنسة نفسها… في النهاية، القرار يعود إليها، أليس كذلك؟
ثم غادرت بخطوات هادئة، تاركة خلفها صمتًا أثقل من أي جدال.
كلود وقف مكانه، ينظر إلى الباب الذي أُغلق خلفها، يشعر أن تلك المرأة لا تقول شيئًا عبثًا.
إنها تخطط…
والسؤال الوحيد الذي دار في رأسه كان:
“لصالح من؟”
~~~~~~~
هذه فصول اليوم
طبعا راح تسألون ليش مختفية
للاسف بدات اداوم كلية وصابني تخلف من اول اسبوع
متت حسيت ان طاقتي استنزفت ….
المهم ياحلوين اسفة على هل قطعة بس فعلا الموضوع اوفر وفوق طاقتي
التعليقات لهذا الفصل " 42"