رفع يده ببطءٍ، فشعرت ليتي بلمسته تمر كشرارةٍ خفيفة حين وضع القلادة حول عنقها.
كانت القلادة بسيطة — حجر زهري بلون السماء عند الغروب — لكنها لمعَت على بشرتها كما لو خُلقت لها وحدها.
قال وهو ينظر إليها:
> “لقد رأيتها وذكرتُ عينيك.”
توقفت أنفاسها. لم تعرف كيف ترد، فكل ما أرادت قوله اختنق عند شفتيها.
رفعت يدها تلمس الحجر، ثم نظرت إليه، ووجدت في نظرته شيئًا من — دفئًا، حنانًا، وربما خوفًا خفيفًا من أن تبتعد.
وبينما كانت الكلمات تضيع بينهما، مال كلود بخفةٍ نحوها.
كانت اللحظة أبطأ من الزمن نفسه.
الريح همست بين الزهور، ورفّت الفراشات في الهواء كأنها تحتفل،
ثم لامست شفتاه وجنتها قبلةً هادئة، رقيقة،
قبلة قصيرة لكنها تركت خلفها دوارًا لطيفًا في صدرها، لكن كمن لم يكتف بهذا انتقل بخفة لتتطابق شفتاهما توقفت ليتي عن التنفس في تلك الحظة كما لو أن قلبها امتلأ بأجنحةٍ صغيرة ترفرف دون توقف.
وبعد ان ابتعد كلود لم تقل شيئًا. فقط ودفنت وجهها في كتفه.
أما هو، فاكتفى بأن يهمس قرب أذنها:
> “لن أجعلك تمرضين وحدك بعد الآن… ولا حتى تشعرين بالملل.”
ثم أخذ بيدها بهدوءٍ وسارا معًا بين الأزهار،
بينما كانت الفراشات تحوم حولهما،
كأن الطبيعة نفسها قررت أن ترقص احتفالًا بقلبين التقيا أخيرًا.
~~~~~
إيفلين سكارت — ابنة الإمبراطور، والفتاة التي كان يُفترض أن يولد الجميع وهم يحسدونها.
لكنها، منذ اللحظة الأولى التي فتحت فيها عينيها على هذا العالم، لم تشعر يومًا بأنها محظوظة.
ولدت كطفلة لإحدى محظيات الإمبراطور، في قصرٍ مكتظ بالأبناء والورثة والوجوه المتشابهة بالغرور والادعاء.
كانت مجرد رقمٍ آخر في سلسلةٍ طويلة من الوريثات اللاتي لا قيمة لهنّ إلا بقدر ما يستطعن تقديمه من فائدة سياسية.
وحين علم الإمبراطور بوجودها، كانت قد تجاوزت عامها الأول — ولم يكن في وجهه أي أثر للفرح، بل نظرة باردة جامدة كما لو كان يتفقد شيئًا لا يخصه.
أما والدتها، التي كانت تطمح بوليٍّ للعهد، فقد نظرت إليها كعبءٍ ثقيلٍ سلبها فرصتها الأخيرة.
لم تجد بين يديها حنانًا، ولا على كتفيها دفئًا. كبرت بين الجدران العالية والوجوه المتآمرة، تسمع الهمسات وتتنفس الخوف.
كل من حولها كان يسعى ليحصل على شيء — سلطة، مكانة، نفوذ — أما هي فلم تكن تملك حتى من يسأل إن كانت قد تناولت طعامها.
ومع مرور السنوات، كان الكره ينبت في قلبها كزهرةٍ سامة.
كرهت القصر، العائلة، الدماء التي تجري في عروقها.
كرهت تلك الأغلال التي تلتف حولها بذهبٍ لامع يخنقها كلما حاولت الحراك.
كانت تنظر أحيانًا من نافذتها إلى الطيور التي تحلّق في السماء وتهمس لنفسها:
“حتى الطيور تمتلك الحرية، وأنا ابنة الإمبراطور لا أملك سوى قيودي.”
ثم جاء اليوم الذي بلغت فيه سن الرشد.
وبدل أن تنال حريتها، قُرّر مصيرها دون إذنها — ستُزفّ إلى ولي عهد الإمبراطورية المعادية.
هكذا ببساطة، كُتب عليها أن تكون جسراً للسلام بين المملكتين. تضحيةً باسم الوطن.
ضحكت حين سمعت الخبر، ضحكة قصيرة، ساخرة، خافتة.
كانت تعرف أن لا أحد سيحزن لموتها إن حدث، وأن كلّ ما يهمّ هو أن تُحفظ هيبة العرش.
كانت تلك اللحظة التي انكسر فيها آخر ما تبقى من أملٍ في قلبها.
لكن القدر لم يكن قد أنهى لعبته بعد.
في ذلك المؤتمر الذي جمع بين الوفدين، رأت الدوق روديا لأول مرة.
كان مختلفًا… لا يشبه الرجال الذين عرفتهم.
هادئ النظرات، صامت، تحيط به هالة من الهيبة الباردة.
حين نظر إليها، لوهلةٍ ظنت أن العالم توقف — كانت تلك النظرة كافية لتعيد إليها شيئًا من الحياة التي كانت تظنها انطفأت للأبد.
بدأت تتردد على قصره بحجة اللقاءات السياسية، ولكنها كانت تعرف السبب الحقيقي.
لم تكن تريد أن تُغريه، كما ظن الجميع، بل كانت فقط تريد أن تبقى قربه.
أن تشعر بأنها مرئية لشخصٍ واحد في هذا العالم البارد.
لم تكن تتوقع أن يلين قلبه بسرعة، لكنها واصلت.
كل يوم كانت تأتي بابتسامةٍ صغيرة، بحجةٍ جديدة، بصبرٍ عجيب لا تعلم من أين تستمده.
حتى جاء اليوم الذي وافق فيه على صداقتها.
في تلك الليلة، عندما عادت إلى غرفتها، جلست أمام المرآة تحدّق في انعكاسها —
كانت تبتسم. كانت تلك أول مرة ترى فيها نفسها جميلة حقًا.
لكن السعادة كانت مؤقتة، كعادة كل شيء في حياتها.
بسبب شكوك الإمبراطور، مُنعت من زيارة قصر روديا لثلاثة أيام.
ثلاثة أيام بدت دهراً كاملاً، كانت خلالها تحصي الدقائق وتغرق في الترقب.
وفي صباح اليوم الرابع، قررت الذهاب إليه مهما حدث.
كانت خطواتها خفيفة، مليئة بالشوق، كمن يسير نحو الخلاص.
ولكن حين وصلت إلى القصر… رأت ما لم يكن في الحسبان.
هناك، في الحديقة المضيئة بنور الصباح، كان كلود روديا — الرجل الذي أعادت له نبضها — يقف أمام امرأة أخرى.
امرأة ذات وجهٍ هادئ وابتسامةٍ خجولة، والريح تعبث بخصلات شعرها بينما كان كلود ينحني نحوها… ليقبّلها.
تجمّدت في مكانها.
لم تصدر صوتًا، حتى أن أنفاسها توقفت للحظة.
الضوء الذي كان يملأ المكان بدا فجأة باهتًا، والهواء صار خانقًا.
كل ما بُني داخلها تحطم في لحظة.
كل الوهم، وكل الأمل، وكل ما ظنّت أنه خلاصها.
أرادت أن تصرخ، أن تبكي، أن تضحك من سخافة حظها — لكنها لم تستطع.
وقفت تنظر، وعيناها تملؤهما الدموع التي لم تسقط بعد.
ثم همست لنفسها بصوتٍ مرتجف، بالكاد يُسمع:
“حتى الخلاص… لم يكن لي.”
ثم استدارت بهدوء، وغابت بين ممرات القصر، تاركةً خلفها قلبًا آخر انكسر دون أن يلاحظه أحد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 42"