عادت إيفلين إلى جناحها بخطوات متثاقلة، تشبه تلك التي يخطوها المرء حين يعود من جنازة حلمه. لم تكن تبكي في البداية، فقط تسير بصمت، تحمل في صدرها وجعًا لا تعرف كيف تصفه.
فتحت باب غرفتها، فهرعت خادمتها إليها تسألها بقلق:
– سيدتي؟ لقد عدتِ مبكرًا… هل حدث شيء؟
لكن إيفلين لم تجب، نظرت إليها بنظرة خاوية وقالت بصوتٍ منخفض:
– أخرجي، أريد أن أبقى وحدي.
ترددت الخادمة قليلًا، ثم انحنت وغادرت بهدوء.
ما إن أُغلق الباب حتى سقط القناع. جلست إيفلين على السرير، ووضعت وجهها بين كفيها.
بكت بأنين موجع
كانت تلك المرة الأولى منذ سنوات تبكي فيها بهذا الشكل. شعرت بأن شيئًا في داخلها قد انكسر فعلًا، كأن أحدهم انتزع من قلبها آخر ما تبقى من دفء.
تذكرت طفولتها… تلك الطفلة ذات العشر سنوات التي كانت تبكي في أحد أركان القصر بعدما أدركت أنها لم تمتلك يومًا والدين يحبّانها حقًا.
ذلك الشعور القديم، الذي ظنّت أنها دفنته منذ زمن، عاد اليوم ليحتضنها مجددًا — لكنه هذه المرة كان أشد قسوة.
مرّت الساعات بطيئة، والليل يزحف خلف النوافذ حتى غرق المكان في ظلامٍ كامل.
لكن وسط هذا الظلام، بدأت نار خافتة تشتعل داخلها… نار الرفض.
رفض أن تكون مجددًا تلك الطفلة الضعيفة التي تنتظر أن يُنقذها أحد.
نهضت بخطوات مترددة ودخلت الحمام.
وقفت تحت الماء البارد وكأنها تحاول أن تغسل كل ما حدث، كل ما شعرت به، كل ذكرى مؤلمة.
وحين خرجت، كانت ملامحها مختلفة.
لم تعد تلك الفتاة المكسورة التي دخلت قبل ساعات.
في عينيها بريق حاد، يشبه شرارة قرارٍ لا رجعة فيه.
نظرت إلى انعكاسها في المرآة وهمست لنفسها:
– حتى لو فقدت طفولتي… حتى لو لم أحصل يومًا على عائلة تحبني… وحتى لو فقدت هذا الحب أيضًا… لن أسمح لمشاعري بأن تسلبني ما أريده حقًا.
توقفت لحظة، ثم أكملت بصوتٍ أكثر حزمًا:
– حريتي أهم من كل شيء.
في تلك الليلة، لم تنم. كانت أفكارها متشابكة، لكن قلبها كان ثابتًا على قرارٍ واحد:
لن تدع مشاعرها توقفها بعد الآن.
وحين بزغ الصباح، ارتدت ملابسها الرسمية، رتّبت شعرها، ووضعت نظرة باردة على وجهها، نظرة لم يظهر فيها أي أثر للضعف أو الألم.
ثم خرجت من غرفتها متجهة نحو القصر مجددًا.
نعم، اليوم ستُكمل الصفقة مع كلود.
لن تكون العاطفة سببًا آخر لتأجيل حريتها.
فاليوم… ستستعيد السيطرة على حياتها، كما وعدت نفسها دائمًا.
~~~~~~~
استيقظت هذا الصباح وأنا أحدّق في سقفٍ لم أعتده من قبل.
احتجت بضع لحظات لأتذكر أنني نُقلت إلى غرفة جديدة البارحة.
كان المكان مختلفًا تمامًا: الأثاث، رائحة الأزهار، وحتى السكون نفسه. كل شيء يوحي بالغرابة، وكأنني أعيش في حياة جديدة لم أتعوّد عليها بعد.
كانت الغرفة الجديدة لا تبعد سوى خطوات عن غرفة كلود.
تنهّدت بخفة وأنا أتذكر سبب نقلي من الأساس…
الليلة الماضية لم أستطع النوم. ليس لأن الغرفة القديمة غير مريحة، بل لأنني لم أعد أستطيع النوم هناك.
في تلك الغرفة… كنت أنام دائمًا بجانب كلود، ملفوفة حوله بثبات وطمأنينة.
لكن ذلك كان عندما كنت ثعلبا
أما الآن، بعد أن عدت إلى شكلي الحقيقي، صار الأمر مختلفًا تمامًا — محـرجًا بطريقة لا يمكن وصفها.
التعليقات لهذا الفصل " 41"