كان ضوءها يتسلّل من بين ستائر الغرفة المخملية، ينساب بخفةٍ على أطراف السرير، فيرسم خطوطًا ذهبية على وجنتي ليتي النائمة. الهواء كان يحمل عبق الخشب المحترق من المدفأة، ودفء الصباح يختلط برائحة الحليب الساخن الذي تُرك على الطاولة الصغيرة قرب السرير.
فتحت ليتي عينيها ببطء، كأنها تعود من حلمٍ بعيد. شعرت بصداعٍ خفيف ينبض خلف جبهتها، فوضعت يدها على رأسها وهمست بصوتٍ متعب:
> “أوه… رأسي يؤلمني قليلًا.”
حاولت أن تتذكر ما حدث ليلة البارحة، فتدفقت الذكريات ببطء
كانت قد ذهبت مع كلود الى مكتبه ليكمل بعض الاعمال المتراكمة
كانت الأمسية باردة على نحوٍ غير مألوف.
تساقطت الثلوج بكثافةٍ حتى غطّت نوافذ القصر، وتسلل البرد من الشقوق رغم اشتعال المدفأة في كل ركن.
جلست ليتي في قاعة الجلوس الصغيرة، تلفّ حول كتفيها شالًا رماديًّا، تنظر إلى اللهب وهو يتراقص داخل الموقد، بينما كانت خطوات كلود تتردد خلفها وهو يقلب بعض الأوراق على الطاولة.
قالت بصوتٍ متردد وهي تراقبه من زاوية عينها:
> “ألا تملّ من العمل حتى في هذا الوقت؟”
رفع رأسه ببطء، وعيناه تعكسان ضوء النار، فأجاب بهدوء:
> “العمل لا ينتظر، وأنت تعلمين ذلك.”
أطرقت برأسها قليلًا، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة وهي تقول بنبرةٍ خفيفةٍ من المزاح:
> “حتى البرد لا يستطيع إجبارك على الراحة؟ يبدو أن السيد كلود لا يعرف معنى التوقف.”
اقترب منها بخطواتٍ بطيئة حتى وقف خلفها مباشرة، ثم قال بصوتٍ منخفضٍ قرب أذنها:
> “إن كنتِ تشعرين بالبرد، فيمكنني أن أرسل من يزيد النار.”
استدارت نحوه وهي تهز رأسها نفيًا، فتناثر خصلٌ من شعرها على وجنتيها.
> “لا، النار كافية… فقط الجو هادئ أكثر من اللازم.”
ساد الصمت لحظة، لا يُسمع فيها سوى طقطقة الحطب.
ثم جلس كلود أمامها على المقعد المقابل، وراح يراقبها بتمعّنٍ غريبٍ جعلها تشعر بأن الهواء نفسه صار أثقل.
لكن فجأة، كأن الأرض مالت تحتها للحظة، شعرت بدوارٍ شديد جعل رؤيتها تضطرب.
مدّت يدها لتستند إلى حافة الطاولة، لكن صوت الكوب الذي سقط وتحطم على الأرض جعل كلود ينتفض من مكانه.
> “ليتي!”
ركع بجانبها بسرعة، أمسك بكتفيها وهو يهمس بقلقٍ واضح:
“ماذا هناك؟ ما الذي تشعرين به؟”
كانت أنفاسها متقطعة، وحرارتها بدأت ترتفع بشكلٍ مفاجئ.
> “رأسي… يؤلمني… كل شيء يدور.”
لم يتردد لحظة. مرّر ذراعه حولها، رفعها بخفةٍ بين يديه كما لو كانت قطعة زجاجٍ يخشى كسرها، وقال بصوتٍ حازمٍ لكن دافئ:
> “لا تتحدثي، سنعود إلى الغرفة حالا.”
كانت الغرفة بعيدة نسبيًا، والممرات طويلة، لكن خطواته لم تتعثر ولو مرة.
كل ما كانت تراه وهي نصف وعيها هو ظلّه القوي والدفء المنبعث من صدره وهي تستند إليه.
> “كلود…” تمتمت بصوتٍ خافت.
“نعم، أنا هنا.”
“أنا أزعجتك مجددًا، أليس كذلك؟”
ضحك ضحكة قصيرة وقال وهو يشدّ عليها قليلًا:
> “لو كنتِ إزعاجي، فلن أرغب بالهدوء بعدها.”
لم تستطع الرد، فقط أغمضت عينيها، وشعرت بالأمان في صوته أكثر من أي دواءٍ آخر.
عندما وصلا إلى غرفتها، كانت أنفاسها قد ازدادت سخونة.
وضعها برفقٍ على السرير، ثم نادى الخادمات بصوتٍ حادٍّ:
> “أحضروا الطبيب حالًا، وأشعلوا موقد الغرفة!”
هرعن الخادمات بينما جلس هو إلى جانبها.
مدّ يده على جبينها، همس لنفسه بانزعاج:
> “إنها ساخنة جدًا…”
فتحت عينيها بصعوبة وقالت وهي تبتسم ابتسامة باهتة:
> “لا تقلق هكذا… إنها نزلة بردٍ فقط.”
“أنتِ تقولينها وكأنكِ معتادة على أن تقلقي الناس.”
“ربما… لأن وجودك يجعل القلق يبدو لطيفًا.”
توقفت أنفاسه لوهلة، ثم ابتسم بمرارةٍ صغيرة.
> “حتى وأنتِ مريضة لا تكفين عن قول أشياءٍ تربكني.”
دخل الطبيب بعد قليل، فحصها بهدوء وقال وهو يجفف يديه:
> “ليست سوى نزلة بردٍ بسيطة. بعض الحمى والدوار، ستتحسن خلال يومين إن ارتاحت جيدًا.”
أومأ كلود دون أن يجيب، ثم التفت إلى ليتي قائلاً:
> “هل سمعتِ؟ لا خروج من السرير.”
> “لكنني…”
“لا جدال.” قاطعها بنبرةٍ حازمة، لكن ابتسامته خففت وطأتها.
بعد أن غادر الطبيب، جلس إلى جانبها ممسكًا بالكوب الذي أحضره أحد الخدم، ناولها إيّاه وقال:
> “اشربيه، إنه دافئ.”
رفعت الكوب بيدٍ مرتجفة، فاقترب منها أكثر ليساعدها.
كانت عيناها نصف مغلقتين،
غطاها بالبطانية، وهمس قرب أذنها قبل أن تغمض عينيها تمامًا:
> “نامي الآن.”
كانت آخر ما رأته قبل أن يختفي وعيها — ملامحه الواثقة، والدفء الذي أحاطها كأن البرد في الخارج لم يكن موجودًا أصلًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 40"