كانت القطة تنظر إليها بعينين واسعتين مذعورتين، وهي تحاول الدفاع عن نفسها رغم جراحها. أطلقت مواءً ضعيفاً، كأنه صوت قلب يرفض الاستسلام. مدت لِيتّي يدها بحذر، لكن القطة حاولت عضها. ومع ذلك، لم تتراجع. بل همست بصوت حنون لم تعرف أنها تملكه:
– لا تخافي… أنا لست عدوكِ.
اقتربت ببطء، ولفت القطة بمعطفها لتدفئها. وحين رفعتها بين ذراعيها، شعرت بشيء غريب… شيء يشبه الارتجاف الذي يصاحب بداية بكاءٍ طال انتظاره.
كانت تلك الليلة بداية قصة مختلفة… لم تدخل القطة حياتها وحسب، بل اخترقت صمت قلبها لأول مرة.
~~~~~~~
وقفت لِيتّي أمام المرآة في غرفة المعيشة، تمشط شعرها بإهمال بينما تجلس القطة على طرف الأريكة تراقبها بصمت. لم تعتد لِيتّي على وجود شيء يتحرك داخل المنزل غير خطواتها، ولم تعتد القطة على يد تمتد نحوها دون نية إيذاء.
وضعت لِيتّي فرشاة الشعر على الطاولة وقالت دون أن تلتفت:
– أعلم أنكِ تظنين أنني سأؤذيكِ أو أطاردكِ إلى الأبد… لكنني لست كذلك يا شوشو.
لم يصدر من القطة إلا طرفة هادئة في عينيها الحمراوين، لكن ليتي تابعت كأنها تفهم تلك النظرة بدقة:
– لا أعرف ما الذي مررتِ به… لكنني أعرف جيداً كيف يكون الشعور حين لا تثق بأحد.
اقتربت بخطوات هادئة وجلست على الأرض أمام الأريكة كي تكون بعيني القطة وجهاً لوجه. مدّت يدها ببطء… بقدر ما تحتمله الخوف المتعلق في تلك الروح الصغيرة. ظلت القطة تحدق فيها لحظة… لحظة طويلة كأنها تختبر صدقها. ثم أخيراً… سمحت لظاهر رأسها أن يلامس أطراف أصابعها بحذر.
ابتسمت لِيتّي، تلك الابتسامة المكسورة التي لا يعرفها إلا من اعتاد إخفاء الألم في صدره.
– أرأيتِ؟ الأمر ليس مخيفاً… لا شيء سيئ سيحدث إذا سمحتِ لأحد بالاقتراب.
مرّت الأيام بعدها تحمل شيئاً غير مرئي بينهما. لم تعد القطة تهرب منها كلما اقتربت، بل صارت تراقبها عن قرب. تجلس قرب باب الحمام حين تستحم، تسير خلفها في المطبخ، تصعد إلى جانبها حين تعمل على واجبات الجامعة. وأصبح للمكان نَفَس جديد… كأنه استعاد الحياة التي فقدها مع الوقت.
وذات صباح… جلست لِيتّي على الأرض تنظر إلى القطة التي كانت تحاول النهوض بصعوبة بعد أن شُفيت جروحها تقريباً. مدت يدها إلى فرائها الأسود وقالت بابتسامة صغيرة:
– بما أنكِ لم تعودي تهربين… أعتقد أن الوقت قد حان لأعطيك اسماً حقيقياً.
رفعت القطة رأسها كأنها استجابت للكلمة.
– شوشو.
توقفت لحظة ثم ضحكت بخفة:
– أعلم أنه اسم بسيط… وربما سخيف قليلاً. لكنني لم أنادِ أحداً بهذا الاسم من قبل… فليكن لكِ وحدك.
ثم أضافت بصوت منخفض جداً… كأنها تخاف من قول الجملة بصوت مسموع:
– ربما… لأنكِ لستِ مجرد قطة بالنسبة لي.
في تلك اللحظة لم تفهم لِيتّي ما الذي تغيّر بالضبط. لكن شيئاً ما في قلبها هدأ… كأن تلك القطة الصغيرة استطاعت أن تملأ زاوية ظلت مهجورة في روحها لسنوات.
ما لم تكن تعرفه… أن ذلك الشعور لم يكن يخصها وحدها.
كان هناك قلب آخر بدأ ينبض في صمت… للمرة الأولى منذ زمن بعيد.
~~~~~~~
مرت الأيام التالية بهدوء يشبه المطر الخفيف الذي يطرق النافذة دون أن يوقظ أحداً. اعتادت ليتي أن تستيقظ كل صباح لتجد شوشو نائماً قرب قدميها أو متكوراً عند زاوية سريرها الصغير. لم يكن يتركها حتى عندما تنتقل من غرفة إلى أخرى، وكأنه يخشى أن تختفي فجأة من أمامه.
في أحد الأيام، بينما كانت تجلس أمام طاولة الطعام الصغيرة تعمل، كان شوشو مستلقياً على كتابها الموسيقي، مانعاً إياها من الكتابة. تنهدت دون غضب:
— “شوشو، أرجوك… لدي الكثير من الاعمال …”
فتح عينيه نصف فتحة، ثم أغلقهما وكأنه يقول لها بلا مبالاة: “هذه ليست مشكلتي”. ومع ذلك، لم تستطع منعه. بدلاً من ذلك، مدت يدها وربتت على رأسه برقة، فاستجاب بخرخرة خفيفة كانت كنبض بسيط يلامس روحها.
لم تفهم لماذا أصبحت تشعر بالراحة قربه. لماذا صارت الوحدة في الشقة أقل ثقلاً، ولماذا لم تعد
تخاف من قراءة القصص بصوت عالٍ أمامه كأنها تحدث شخصاً حقيقياً.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 34"