وفجأة جاءه صوت من خلفها… صوت هادئ لكنه محمّل بشوق موجع، وكأن الزمن توقف ليستمع إليه.
”إنها تثلج…” قال بصوت منخفض.
تجمدت ليتي. تعرف هذا الصوت.
تابع بخفوتٍ عميق:
”تساقط الثلج الأول… لكِ… كان معي.”
توقفت أنفاسها. شعرت بدمها يبرد.
ثم أكمل:
”لقد تحقّق أحد أحلامنا… أخيرًا.”
عند تلك اللحظة-لم تعد الأرض ثابتة تحت قدميها. عينها اتسعت، وقلبها ضرب بقوة حتى شعرت أنه سينفجر……. وعندما استدارت نحو كلود
لمحت شيئا يلمع حول عنقه ….. كان ذالك الشىء
لا… هذا مستحيل… مستحيل…
ومع ذلك… كانت الحقيقة تقف الآن على بعد خطوة واحدة منها.
~~~~~~
في ساحة المدرسة كان الضحك وحده القادر على كسر برودة ذلك الصباح. كانت لِيتّي تلعب على الأرجوحة برفقة صديقتها يارا، تتبادلان الأحاديث الصغيرة التي لا تحمل في ظاهرها شيئًا مهمًا، لكنها تصنع عالماً كاملاً لطفلتين في العاشرة من العمر. جذبت لِيتّي الأرجوحة بقوة إلى الخلف محاولةً الارتفاع أعلى، فوقعت هي ويارا أرضًا فجأة بعد أن انزلقت السلاسل من بين يديهما.
تألمت الفتاتان، لكن الضحك غلبهما مجددًا. غير أنّ الضحك انقطع فجأة حين هرعت أم يارا من مقعد قريب في الساحة، وكأن قلبها أدرك سقوط ابنتها قبل أن ترى الحادثة بعينيها. جثت الأم على ركبتيها أمام يارا، أمسكت وجهها بين يديها بقلق واضح وهي تسأل:
– هل أنتِ بخير يا صغيرتي؟! هل تألمتِ؟ دعيني أرى يدك… هل تأذيتِ؟
كانت يارا تبتسم في محاولة لطمأنة أمها، لكن لِيتّي لم تبتسم… بل لم تعد تسمع أصوات من حولها. تجمّدت في مكانها تراقب المشهد بصمت لا يليق بطفلة في عمرها. لم تركض أم نحوها لتسألها إن كانت بخير. لم يلتفت أحد إليها. للمرة الأولى شعرت أنّ الألم لا يأتي فقط من السقوط… بل من المقارنات التي تخلقها الحياة بلا رحمة.
—
في تلك الليلة عاد والداها إلى المنزل في ساعة متأخرة كعادتهما. كانت الخصومات بينهما تشتعل لأتفه الأسباب، لكن تلك الليلة لم تكن ككل الليالي. ارتفعت الأصوات، وثارت الكلمات، ثم تحولت إلى جدال عنيف حول الطلاق. اختبأت لِيتّي خلف الجدار القريب من غرفة المعيشة، تشد على دميتها بقوة كأنها تخشى أن تسحب منها أيضاً.
سمعت أمها تقول:
– لا أستطيع الاستمرار على هذا الحال! كل ما بيننا انتهى منذ زمن!
فيرد والدها ببرودٍ قاتل:
– وأنا لم أعد أحتمل… فلتأخذي ابنتك معك إن كنت تريدين الرحيل!
– ابنتي؟! بل خذها أنت! أنت أقدر مني على تحمل مسؤوليتها!
– لست مسؤولاً عنها وحدي!
كان الحوار يدور عنها، لكنها لم تكن طرفاً فيه. كانوا يتجادلون حول من “سيتحملها”، كما لو أنها عبء ثقيل لا يريد أحد أن يحمل وزره. لم يصرخ أحد في وجهها، لم يضربها أحد، لكن الإهمال كان أشد وطأة من كل ذلك.
—
وفي صباح رماديٍ صامت، وبدون مقدمات كثيرة، وجدت نفسها في سيارة تسير بها إلى مكان لم تفهم وجهته في البداية. وعندما توقفت السيارة أمام منزل ذي باب أزرق باهت، التفتت إليها أمها وقالت:
– ستبقين هنا لبعض الوقت… عند خالتك.
لم تفهم معنى “بعض الوقت”، لكنها فهمت شيئاً واحداً فقط… أن ذلك الوقت سيطول. ربما… أكثر مما ينبغي.
نزلت من السيارة تحمل حقيبة صغيرة تكاد تكون فارغة، بينما كانت حقيبتها الحقيقية ممتلئة بأشياء لا تُحمل باليد… بل بالقلب.
وهكذا… بدأت حكايتها.
مرت السنوات بثقلها على قلبٍ صغير لم يجد يوماً مكانه. عاشت لِيتّي في منزل خالتها منذ ذلك اليوم الرمادي، منزلٌ امتلأ بالدفء والضحكات العائلية البسيطة، إلا أنّ شيئاً واحداً ظلّ غائباً عنه… الانتماء. كان الجميع يعاملها بود، لم يُهنها أحد، لم يُقصها أحد… لكنها رغم ذلك لم تشعر يوماً أنها تنتمي حقاً إليهم. كانت تقف بينهم بجسدها، بينما بقي قلبها عالقًا هناك… في بيتٍ لم يعد ينتظرها، مع والدين لم يلتفتا يومًا إلى غيابها.
كبرت لِيتّي بصمت، تحمل نبوغًا خافتًا وهدوءًا يوهم الآخرين بأنها بخير. تخرجت من الثانوية، ثم التحقت بجامعة الفنون – قسم الموسيقى. لم يكن الكمان حبها الأول، لكنه كان الملجأ الوحيد الذي استطاعت أن تصب فيه كل ما يفيض عن قلبها من فراغ ووحدة. لم تكن تحلم بأن تصبح عازفة، بل أرادت شيئًا آخر… أرادت أن تكون مرئية. أرادت أن يمتلئ قلبها بالتصفيق كي تنسى صمته الطويل. ظنت أن الشهرة ستُنسيها شعورها بأنها منبوذة، لكن حين اعتلت الخشبة لأول مرة، واستمعت إلى آلاف الأيدي تصفق لها… اكتشفت الحقيقة القاسية: الصدى لا يُشبع الفراغ.
—
كان المساء يهبط على المدينة حين خرجت من قاعة التدريب في الجامعة. كانت تتدرّب للمشاركة في المسابقة الوطنية الكبرى، لذلك تأخر وقتها حتى تجاوزت الساعة التاسعة. وما إن دفعت باب المبنى حتى باغتها المطر يهطل كأنه انتظر خروجها ليبدأ.
توقفت أمام السلالم، أسندت حقيبة الكمان على كتفها وقالت بصوت خافت يكاد يشبه ابتسامة موجوعة:
– إنها تمطر… ولم أحمل مظلتي.
لم يكن في الساحة أحد يساعدها، فقد رحل الجميع منذ زمن. فتحت هاتفها، ولاحظت الرسائل الخالية من أي انتظار، ثم أعادت إغلاقه بهدوء. نظرت إلى السماء. المطر كان ثقيلاً… بارداً… ولكنه حقيقي. قالت لنفسها:
– ليس سيئًا أن يبتل الإنسان بالمطر… السيئ هو أن يجفّ قلبه.
وخطت أول خطوة نحو الشارع.
—
كانت الأزقة المؤدية إلى شقتها هادئة على غير العادة. المصابيح شاحبة، المطر يطرق الأرض بإصرار، والمدينة تغفو ببطء. لكن فجأة قطع هذا السكون صوت حاد اخترق الظلام. نباح كلاب… وصوت مواء مذعور.
توقفت لِيتّي. رفرفت أنفاسها بتوتر، ثم رفعت ضوء هاتفها باتجاه الزقاق الضيق. لم يظهر شيء بوضوح، لكنها سمعت الصوت مجدداً… صرخة استغاثة صغيرة، تختنق بين أنياب الخطر. دون تفكير اتجهت نحو الصوت تركض.
– من هناك؟!
توقفت على بعد خطوات قليلة وارتجف قلبها. كانت هناك مجموعة من الكلاب تحاصر شيئاً صغيراً يرتجف على الأرض. لمحت فراءً أسود مبتلاً ودماءً تختلط بالمطر. إنها قطة صغيرة… محاصرة وحدها، كما كانت هي طوال حياتها.
– اذهبوا! ابتعدوا!
لوّحت بحقيبتها بقوة، وهي تصرخ بكل ما أوتيت من صوت. تراجعت الكلاب تدريجياً قبل أن تركض مبتعدة في الظلام. أطفأت لِيتّي أنفاسها الثقيلة
ثم ركضت نحو القطة الساقطة على الأرض.
جثت بجانبها وقالت بصوت مرتعش:
– يا إلهي… هل أنتِ بخير؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"