دخل كلود بهدوء؛ لا صياح ولا مبالغة في خطواته. كانت ثيابه الرسمية مرتبة، وحضوره وحده كافٍ لكبح أي ارتجال. عند رأس الطاولة وقف، ونظر إلى الحاضرين بنظرةٍ باردة تقرأهم كما تقرأ خريطة.
بدأ الاجتماع بكلمات رسمية قصيرة من مستشارٍ حكومي، ثم همّ أحدهم بفتح ملفٍ يتعلق بصفقاتٍ جرت مؤخرًا مع بضعِ دولٍ تجارية. تبدّلت الهمسات، وارتفعت أصوات قليلة، لكن كلود رفع يده وأمر بالصمت بعينين لا تبتسمان.
تقدّم أمين الخزائن بخطوات مرتعدة، يمسك ببعض الوثائق كمن يحمل أثقالًا. قال متلعثمًا: “هناك شكاوى، سيدي الدوق-“
قاطعه كلود بصوت هادئ جدًا، كأنه ينطق حقيقةً لا يمكن التفاوض حولها:
”لا شكاوى. فقط حقائق.”
أشار الحرس لطرف من الطاولة، وأنتزع أحدهم مجلدًا مطوياً. فتحه أمام الجميع، وكانت أوراقه تحمل أختامًا وتواريخٍ وتواقيع – أدلّةً على تحويلاتٍ مالية مشبوهة، ومراسلاتٍ باليد تشير إلى تسريباتٍ محفوظة باسمٍ مستعار. كل عيانٍ في القاعة استدارت نحو المستندات بفضولٍ ممزوج بالخوف.
ثم نطق كلود، ساكنًا، بصوتٍ لا يهتز:
”لقد علمتُ بما يحدث. الخزائن هنا ليست لجيوب البعض. وهناك من باع لحظة الولاء من أجل ذهبٍ وقبلةٍ وهمية من وليّ العهد.”
فُتح بابٌ من الصمت على وقعِ كلامه. أحد النبلاء تلعثم:
”من… من تقصد يا سيدي؟”
تقدم رجلٌ ذو ملامحٍ مألوفة، ابتسامة متكلفة، عينان تحاولان إخفاء ارتعاشٍ داخلي. كان هذا الرجل – اللواء الذي اعتاد حضور المناورات، والذي سبق أن مسح خصوم كلود له – اسمه يُتداول بصوت هادئ في الدوقية. لكن الاسم لم يهم بعد الآن؛ الأفعال كانت التي تُختم.
كلود نظر إليه بعمق، ثم قال بهدوءٍ قاتل:
”أنت.”
ارتبكت الأجفان، وبدت الحركة كما لو أن الهواء صار أثقل. هو الذي كان يظن نفسه بعيدًا عن الشكّ، شعر بعين كلود تثقب ظهره.
ابتسم الخائن، محاولًا أن يضفي على وجهه برودةً لا يملكها قلبه، وقال متوسلاً بصوتٍ يكاد ينكسر:
”سيدي… أنت تفتعل هذا الآن. اسمعني- أنا لك منذ سنين. ما تقوله افتراء. لقد خدمت الدوقية… أحببتها-“
قاطعه كلود ببرودٍ لا فيه شفقة:
”هل تظنني غبيا ….. ام لانني لم ااتي الى العصمة منذ زمن ظننت اني لن اكتشف الامر .”
لم تخرج الكلمات من فم الرجل على شكل دفوعٍ قوية؛ بل تحولت إلى نغم توسّلٍ يعتمد على معرفةٍ قديمة بأن الدم، في العادة، يظل أحيانًا أقوى من الأدلة. خفض رأسه وكلمته تتلعثم:
”أرجوك… لا تقتلني هنا. سامحني ارجوك “
تنفّس كلود ببطء، عيونه لا تفارق الرجل. ثم، ببرودةٍ نادرة، قال:
”كنت تعتقد أن السرّ يُدفن في الظلال. لكنك كنت غبيًا كفاية لترسله برسائلٍ تحمل ختمك.”
وقف للحظة، وكأن كلامه الأخير كان مقدمةً لشيءٍ أبعد من العبارات:
”الخيانة هنا ليست خطأً بسيطًا. إنها وشاية تُحسب عليها أرواح.”
وفي صمتٍ كامل، اقترب كلود خطوة واحدة إلى جانب الطاولة. لم يتذكر أحدٌ آخر أن يتحرّك؛ كانت العيون كلها مثبتة عليه. ثم التفت إلى أقرب حارسٍ، رجُلٌ ضخم لا يعشش الخوف في صدره، وهمس له بكلمةٍ سريعة لم يسمعها أحد.
امتدت يد الحارس وحدها إلى حزامه، وسحب سيفًا طويلاً. لكن كلود لم ينتظر أن يُمرّر السيف في الهواء – بيده هو أمسك بنصل السيف من منتصف الفضة كما لو أنه يملك قوةً خاصة في قبضته، وسحبه بقوة إلى الأمام.
توقف الزمان لحظات. ارتجف الخائن كلّيًا، حاول أن يتراجع لكن الأرض لم تكن مستعدة لإعانته. تكلم متوسلاً، صوته ينخفض:
”سيدي… أرجوك… سنعوضك… سأُعيد كل ما أخذته… ليونهارد- وليّ العهد- هو من دفعني، “
رد كلود بصوتٍ باردٍ وكأنما هو يعلن حكمًا لا رجعة فيه:
”أنت اخترت طريقك.”
ثم، بحركةٍ سريعة وهادئة في آن، سحب كلود النصل داخل جسد الرجل – طعنة دقيقة ومباشرة إلى صدره. لم يكن هناك صراخ مطوّل، لا مبالغة دموية؛ كانت فعلته قاطعة وحاسمة. سقط الرجل إلى الأرض كدميةٍ تقطعت أوتارها، والدم لم يكن وصمة المشهد بقدر ما كانت دهشة الحاضرين.
تجمدت القاعة. بعضهم تراجع، آخرون أغلقوا أعينهم، والهواء امتلأ بصدى وقع نصلٍ على البلاط. كلود أخرج السيف، نظف شفاهه ببساطة على منديل دون أن يرفع صوته، ثم وضع النصل في غمده كما لو أنه يضع خاتمةً لدرسٍ طويل.
نظر إلى الحاضرين بنبرةٍ باردةٍ أثقلت كل كلمة بعدها:
”والان فالنكمل الاجتماع …… هناك الكثير من الاعمال المتراكمة علينا حلها اليوم ”
ارتجف الحضور واصفرت وجوههم
ابتسم كلود بوجه هادى
وهكذا استمر الاجتماع لساعات طويلة
—
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 31"