خرج كلود بهدوء من الغرفة بعد أن تأكّد أن ليتي قد غرقت في نوم عميق، أنفاسها الصغيرة تتصاعد بهدوء وفروها يرتجف مع كل شهيق. أغلق الباب خلفه ببطء، وسار في الممرات المظلمة للقصر. كان الليل ساكنًا، والقمر يتوسّط السماء كعين فضية تراقب كل شيء.
وصل إلى مكتبه. الضوء الخافت المنبعث من الشموع كان يراقص الظلال على الجدران العالية. هناك كان مساعده ثيو ينتظره، يقف بانتباه قرب الطاولة الكبيرة. ما إن دخل كلود حتى سأله بصوت منخفض حازم:
> “هل تحققتَ مما أمرتُك به؟”
أجاب ثيو وهو يمدّ له شعرة ذات لون وردي وملمس ناعم:
> “تحققتُ يا سيدي. قال ذاك الرجل إن هذه الأعراض تعني شيئًا واحدًا فقط…”
قاطعه كلود قبل أن يكمل:
> “لقد… عادت إلى شكلها بالفعل؟”
أجاب ثيو بنبرة جادة:
> “أجل يا سيدي. هذا صحيح.”
عندها غرق كلود في ذكرى ذلك اليوم؛ كان يلاعب ليتي ويحذّرها من الجلوس تحت السرير مجددًا، حين لمح شعرة وردية على الوسادة. كان وجودها أمرًا غريبًا. أخذها بين أصابعه، وتأمل اللون — نفس لون فراء ليتي. تساءل عن السبب، وعرف أنه لابد أن يتحقّق بنفسه.
لهذا السبب أرسل ثيو ليسأل ذلك الرجل عن معنى الشعرة. واليوم، بينما كان ينتظر تقرير ثيو، لمح من نافذة مكتبه إيفلين مجددًا في الحديقة. منذ ذلك الاجتماع المشؤوم، صارت تأتي يوميًا تطلب مقابلته، وهو لا يعيرها اهتمامًا ولا ينوي استقبالها أصلًا.
بينما كان يفكر في طريقة للتخلّص من هذه المرأة، لمح ليتي مختبئة في إحدى زوايا الحديقة. ضحك ضحكة قصيرة من غير وعي، بدت صغيرة جدًا وسط تلك الشجيرات. لكن سرعان ما اجتاحه القلق — قد تكون إيفلين مدسوسة من الإمبراطور نفسه. كان من الأفضل أن لا يعرف أحد بوجود ليتي في الوقت الحالي. لذلك أخبر ثيو أنه سيستمع للتقرير لاحقًا وركض إلى الحديقة ليمنع إيفلين من رؤيتها. لكنه تأخر… وحدث اللقاء الذي لم يرده.
عاد إلى واقعه عند صوت ثيو وهو يكمل:
> “لقد قال لي أيضًا إن هذا أمر طبيعي… وهو مؤشر أن الآنسة ليتي ستعود قريبًا.”
ارتفع رأس كلود فجأة، وعيناه الواسعتان تلمعان. كان وجهه منذ لحظات غارقًا في الكآبة، أما الآن فقد انفتح عليه نور فرح لم يعرفه منذ زمن.
كم حلم بأن يمسك يدها. كم حلم بأن يسمع صوتها ويكلمها ويعيدها إلى ماضيهما. في تلك اللحظة، وسط صمت المكتب، سرت في ذهنه فكرة دافئة كالشرارة… “سنتزوج.”
احمرّ وجه كلود حتى كاد يبدو كفتى خجولًا. مشهد غير مألوف مع جسده الضخم وعضلاته المشدودة وملامحه القاسية. ارتبك ثيو للحظة وهو يرى سيده بهذا الحال.
وهكذا، في تلك الليلة، كان كلود بين ماضٍ يغمره الشوق ومستقبلٍ يتوق اليه. ليلة تلمع فيها الشعرة الوردية على مكتبه، مثل وعد غامض بعودة شيءٍ كان يظنه ضائعًا إلى الأبد.
~~~~~~~
عادت إيفلين إلى القصر الإمبراطوري بخطوات سريعة، متجاهلة الجميع، متجهة مباشرة إلى جناحها الخاص. ما إن دخلت غرفتها حتى استقبلتها خادمتها بوقار:
> “أهلًا بعودتكِ سيدتي… لقد وصلتكِ رسالة من الإمبراطورة.”
تحركت نظرة إيفلين نحو الظرف الموضوع على الطاولة قرب النافذة. زفرت بهدوء، ثم أومأت للخادمة:
> “أحضريه لي.”
جلست الأميرة على أريكتها المخملية، تناولت كوب الشاي العطري، وارتشفت رشفة بطيئة كأنها تحاول تهدئة أعصابها قبل مواجهة محتوى الرسالة. فتحت الظرف ببطء، وعيناها تتبعان كل كلمة بحذر.
كانت الرسالة طويلة نسبيًا، مليئة بالأوامر والتعليمات، لكنها خالية من أي كلمة حنونة أو مطمئنة:
> “ابقي دائمًا في موقعك كولية عهد، واحرصي على ألا تخيبي ظن الإمبراطورية بك. هذا هو الوقت المناسب لتكوني مفيدة وذات فائدة للإمبراطورية، وأن تثبتي أنكِ تستحقين لقب اميرة بان تكوني الإمبراطورة القادمة.
أي تقصير، أي تردد، سيكون له عواقب لا تُحمد.
تذكّري دومًا أن مسؤوليّتك تجاه القصر والدولة أهم من أي شعور شخصي.
لا مجال للخطأ أو التراخي… فالفرصة الآن متاحة لكِ لتظهري قيمتك الحقيقية.”
شعرت إيفلين بمرارة تخترق حلقها، وكأن كل كلمة صلبة وثقيلة على صدرها. رسالة من والدتها، لكن لم يحمل سطر واحد كلمة تعبر عن القلق أو الاهتمام الشخصي بها، لم يحمل لمسة أمومة واحدة.
تجعدت ملامح وجهها الجميل فور القراءة، وامتلأت عيناها بالغضب، ضغطت الورقة بين أصابعها حتى تجعدت هي الأخرى، ثم أغلقت عينيها وأخذت نفسًا طويلًا عميقًا لتستعيد رباطة جأشها.
عادت ملامح وجهها إلى هدوئها المعتاد، وارتسمت على شفتيها ابتسامة باردة، وقالت بخفوت، كأنها تتحدث لنفسها أكثر من حديثها للخادمة:
> “أعطني ورقة وقلم… أظن أن أمي ستقلق إن لم أجب على رسالتها، أليس كذلك؟”
أحضرت الخادمة الورقة والقلم، وجلست إيفلين تكتب ردًّا مرتبًا، كلماتها خالية من أي تردد، لكنها محملة برسائل خفية عن إرادتها وقوتها. بعد أن انتهت، ناولت الورقة للخادمة وأمرت:
> “أوصليها فورًا.”
انحنت الخادمة، أخذت الرسالة وخرجت، تاركة الأميرة وحدها.
اقتربت إيفلين من النافذة الواسعة، حدقت في الشمس التي كانت تغرب خلف الأفق، تلون السماء بذهبي يميل إلى الأحمر القاني. همست لنفسها:
> “لو أستطيع أن أختفي من هذا المكان كما تختفي الشمس الآن…”
ارتشفت الشاي المتبقي، ووقفت ساكنة تتأمل الغروب الذي ينذر بقدوم الليل، شعور بالمرارة والضغط يثقل قلبها، رغم الابتسامة الهادئة التي تعلو وجهها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات