(إذًا هذه ليست المرة الأولى… الأميرة جاءت قبلاً أيضاً… لماذا؟ وما الذي تريده من كلود؟)
اختبأت أكثر خلف العمود الرخامي، أذناها مسطحتان للخلف، ذيلها يتوقف عن الحركة. قلبها يدقّ في صدرها بسرعة، والهواء حولها صار ثقيلًا. من بين الظلال رأت الأميرة إيفلين تشد قبضتها الصغيرة على ثوبها المخمليّ ثم تستدير ببطء، لكنها لم تغادر. رفعت رأسها نحو نوافذ القصر العالية، بعينيها الخضراوين الحادتين، وكأنها تعرف أن أحدًا ما يراقبها.
ايفلين كانت تسير بثقة نحو المبنى الرئيسي، رداءها الملكي يلامس الأرض بخطوات محسوبة، وصوتها الرقيق يقطع الهواء:
“أريد مقابلة الدوق حالاً.”
انحنى رئيس الخدم مارك، ظهره مستقيم وعيناه يقظتان، لكن صوته كان ثابتًا:
“أعتذر يا سيدتي… السيد كلود مشغول الآن. لا يمكنني السماح لك بالدخول.”
“دائمًا تقولون لي نفس الشيء. أليس في إمبراطورية كاملة غرفة واحدة أستطيع الدخول إليها؟”
مارك لم يتزحزح عن مكانه، عيناه تنظران أمامه فقط:
“أوامر السيد كلود واضحة. رجاءً عودي من حيث أتيتِ.”
ابتسمت الأميرة ابتسامة صغيرة لم تصل إلى عينيها، نبرة صوتها صارت أكثر نعومة لكنها تحمل حدّة خفيّة:
“ربما لو قلت له إنّ وليّ العهد نفسه ينتظر قراره… أو إنّ الرسالة التي أحملها قد تغيّر مصير القصر… هل سيفكّر مرتين حينها؟”
لم ترفّ عينا مارك:
“إن كان الأمر عاجلاً فابعثي برسالة خطيّة يا سيدتي. التعليمات لن تتغيّر.”
نظرت إيفلين إليه نظرة طويلة، شفتاها ترتجفان بابتسامة غامضة ثم قالت بصوت منخفض:
“حسنًا… لكن تذكّر، هناك أبواب لا تبقى مغلقة للأبد.”
التفتت قليلًا، كما لو أنها تبحث عن منفذ آخر. عندها — من خلف أحد الأعمدة — التقت عيناها فجأة بعيني الثعلبة الصغيرة التي تراقبها في صمت.
تجمّدت ليتي. أذناها انخفضتا للخلف، ذيلها توقف عن الحركة. لكن الأميرة لم تبتعد، بل بدت وكأنها رأت شيئًا لم تتوقّعه. ابتسامة بطيئة ظهرت على شفتيها، ابتسامة لا هي ودودة ولا شريرة، بل شيء بينهما. تقدمت خطوة نحو المكان الذي تختبئ فيه ليتي، عيناها الخضراوان تلمعان بعمق لا يمكن قراءته.
اقتربت إيفلين أكثر، ثوبها يصدر همسات على الأرض الحجرية. انحنت قليلًا، حدقت في ليتي من مسافة قريبة، وصوتها يخرج مثل نسمة باردة:
“أه… ما أجمل هذا المخلوق الصغير… من أين أتيتَ أنت؟”
ارتجف جسد ليتي، أذناها انتفضتا من القلق. لم تستطع الحركة أو الهرب. كانت عينا الأميرة أعمق مما توقعت، خضراء داكنة فيها ظلال داكنة أخرى، وكأنها لا تنظر إلى جسد الثعلبة بل إلى شيء أعمق بكثير. ابتسامة الأميرة ازدادت غموضًا، نظرتها مائلة قليلاً كمن يفكّر بسرّ يعرفه هو وحده.
شعرت ليتي كأن الهواء من حولها صار أبرد، وكأن تلك العيون الخضراء تحفر داخلها، تبحث عن شيء خفيّ. لم يكن في نظرة الأميرة لطفٌ حقيقي، بل فضولٌ حاد، وشكّ، وإحساس بقدرة غامضة. كانت تلك العيون تلتهمها في صمت، بينما العالم من حولهما يتقلص حتى صار نقطة بين نظرتين.
مدّت الأميرة إيفلين يدها البيضاء ببطء نحو الثعلبة الصغيرة، أصابعها الرقيقة تتلوّى في الهواء وكأنها تريد لمس الفرو النحاسي الناعم. لكن قبل أن تلمس ليتي، جاء صوت عميق بارد، فيه حدّة تزمجر مثل صرير السيف:
> “… لا تلمسيها.”
توقفت يد إيفلين في الهواء، عيناها تتسعان قليلًا. التفتت لترى كلود يقترب بخطوات سريعة، معطفه الطويل يتمايل خلفه، نظراته حادة كالسيف. الهواء حوله صار أثقل، حتى إيميلي انكمشت مكانها دون أن تشعر.
في اللحظة التي رأت فيها ليتي كلود، لم تفكّر بشيء. انطلقت تركض على قوائمها الأربع الصغيرة، ذيلها يرتجف، وعيناها تلمعان بدموع غير مرئية. قفزت مباشرة إلى حضنه. فتح كلود ذراعيه لها في لحظة، استقبلها بين يديه كما لو كانت أثمن ما في الوجود.
دفنت ليتي رأسها في صدره، فروها يرتجف، أنفها الصغير يلتصق بمعطفه تبحث عن الأمان. يداه الكبيرتان أحاطتا بها، مسح على ظهرها برفق ليهدئ ارتجافها. لكن صوت الأميرة إيفلين قطع الصمت مثل خيط حاد:
> “إذًا… يبدو أن الدوق يملك بعض الوقت بعد كل شيء… وجاء ليستقبلني بنفسه.”
تحولت نظرات كلود في لحظة. كانت دافئة وهو ينظر إلى ليتي، ثم بردت فجأة عندما رفع عينيه نحو الأميرة. نبرة صوته هبطت إلى ما يشبه الصقيع:
> “أتيتُ لأصطحب ثعلبتي. وكما قلتُ سابقًا… لا أملك وقتًا لأضيعه مع أميرة مدللة مثلك.”
كان من المفترض أن تنكمش الأميرة أو تغضب، لكن على عكس كل توقّعات ليتي، ازدادت ابتسامة إيفلين اتساعًا. عيناها الخضراوان تلمعان بشيء مزيج بين الفضول والخطر، صوتها ينساب مثل لحنٍ مائل:
> “سيدي، صدّقني… لن تندم على سماعي. لديّ أمر مهم جدًا… أمر سيحقق مرادك أنتَ بالذات.”
لم يجبها كلود. اكتفى بأن شدّ قبضته أكثر حول ليتي، استدار ببطء، وبدأ يمشي نحو باب القصر الكبير. ذيل معطفه الأسود يجرّ خلفه موجة من الهواء البارد.
وقفت إيفلين مكانها تراقب ظهره، الابتسامة على شفتيها لم تتزحزح. ثم همست لنفسها بصوت منخفض، أقرب إلى نغمة من وجدت كنزًا ثمينًا:
> “… كل شخص يملك نقطة ضعف… وأظن أنني عرفت خاصتك بالفعل.
تذكّر هذا يا كلود… لا شيء يخرج عن إرادتي.”
كلماتها الأخيرة تلاشت في الهواء مثل ظل طويل، بينما اختفى كلود داخل القصر حاملًا بين يديه ثعلبته الصغيرة، والحديقة كلّها بدت وكأنها انكمشت خلفهم تحت وطأة تلك النظرة الخضراء المخيفة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات