في لحظة غروب الشمس، كنت أجلس على طرف السرير، يدي على جبينها، عينيّ على ملامحها النائمة. ثيو كان واقفًا بجانبي. التفتُ إليه وصوتي مبحوح:
“ثيو… أنا… لا أستطيع تحمّل هذا. هي كل شيء عندي. إن لم تستيقظ ، ان لم تفتح عينيها… ماذا لو لم تعد؟”
ثيو وضع يده على كتف كلود وقال :
“سيدي، لقد رأيتُها معك. هي أقوى مما تظن. ستعود. ربما تحتاج وقتًا فقط. “
أخفض كلود رأسه. كلماته لم تمسح الخوف من داخلي. رفعت يدي ولمست خدّ ليتي بإصبعي. كانت باردة أكثر من المعتاد. همستُ:
“أرجوكِ يا ليتي… استيقظي… لن أترككِ بعد الآن… أعدكِ.”
صوت ضجّة في الخارج قطع لحظتنا. التفت ثيو وقال: “سأرى ما الأمر.” وخرج. بقيتُ وحدي مع ليتي. أمعنت النظر في وجهها النائم. كان هناك شيء ناقص، شيء صغير. وفجأة تذكرت — كانت تحب تلك الحلوى الصغيرة المصنوعة بالعسل والفستق، حلوى المادلين بالعسل. كانت دائمًا تضيء عيناها كلما شمّت رائحتها.
فكرت: (ربما إذا شمّت الرائحة ستعود إليّ. ربما هذا سيجعلها تفتح عينيها…)
كنت على وشك الجنون. كنت مستعدًا لفعل أي شيء لتستيقظ، حتى لو اضطررت لإحراق الإمبراطورية بأكملها. وقفتُ فجأة وصرختُ بالأوامر. هرع الخدم، أمرتهم بتحضير المادلين بالعسل فورًا.
بعد ساعة، حملتُ الطبق بيديّ. الشمس كانت تغرب، الضوء الذهبي يتسلل من نوافذ القصر، يعكس وجهي المتعب. صعدتُ الدرجات بخطوات ثقيلة، قلبي يركض أسرع مني. وصلتُ إلى الغرفة، فتحتُ الباب بعجلة أبحث عنها بعينيّ.
“ليتي…؟”
الغرفة هادئة. السرير فارغ. وضعت الطبق على الطاولة.
“ليتي؟” صوتي صار أضعف. “أين أنتِ؟”
اقتربتُ من السرير، يداي ترتجفان. قلبي يريد أن ينهار. ناديتُها مرة أخرى، لكن لا إجابة. في تلك اللحظة أحسستُ بحركة خفيفة تحت السرير، مثل ارتجافة من الضوء. انحنيتُ بسرعة، أزحت الستار.
هناك، تحت الخشب البارد، كانت صغيرتي. ثعلبتي الجميلة، متكوّرة على نفسها، ترتجف، دموعها تتساقط على الأرض. قلبي تألم من المشهد لكنني ابتسمتُ رغم كل شيء. لقد استفاقت.
مددتُ يدي نحوها، صوتي يرتعش بالحنان:
“ليتي… تعالي إليّ يا صغيرتي… أنا هنا.”
رفعت رأسها نحوي ببطء، نظراتها خائفة، لكن في عينيها بريق أعرفه. زحفت نحوي بخضوع، حتى وصلت إلى يدي. احتضنتُها بكل ما فيَّ من دفء. ضممتُها إلى صدري، مسحت دموعها بأصابعي، وهمستُ في أذنها:
“كل شيء بخير… أنا هنا… لن أترككِ أبدًا.”
شعرتُ بجسدها يرتخي بين ذراعيّ. همستُ لها بكلمات رقيقة وحنونة حتى توقف ارتجافها. كانت تلك اللحظة مزيجًا من الخوف والفرح، من الذنب والراحة، من الحب الذي لن ينتهي أبدًا.
.
كانت ذراعا كلود تلفّني كما لو كنتُ كنزًا لا يريد أن يفرّط به. كنتُ أستلقي بينهما، أتنفّس ببطء، والدفء يتسرّب إلى قلبي مثل خيطٍ ذهبي. يده الكبيرة تربّت على رأسي بلطفٍ إيقاعيّ، وصوته الهادئ يسألني إن كنت أشعر بأي ألم، بينما كان يقرّب إلى فمي قطعًا صغيرة من حلوى المادلين بالعسل التي أحبها. كنت أفتح فمي بكسل، أذوق الحلاوة، وأحسّ بالطمأنينة تتسرّب إلى عروقي.
لكن قلبي كان بعيدًا عن هذه اللحظة — كان مشدودًا إلى ذلك الذي حدث قبل قليل. كنتُ واثقة، لثوانٍ قليلة، أنني لم أكن على شكل ثعلبة… كنتُ بشرية. بشرة دافئة، يدان ترتجفان، شعور غريب يجري في جسدي، ثم فجأة وسط الصداع هدأ كل شيء، والعالم تلاشى، وعُدتُ إلى شكلي كثعلب. هل توهّمت؟ هل كان حلمًا؟
لم أستطع التفكير أكثر. التعب أثقل جفوني.
عندما كنت أسترخي في حضن كلود، يده تلامس فروي وكأنها ترسم دوائر من أمان، جاءني صوته الحنون:
“ليتي… لماذا كنتِ تحت السرير؟”
تجمّدتُ. حاولتُ أن أتكلم لكن لساني انعقد. عبس كلود قليلًا، حاجباه انخفضا، ثم قال بصوت ودود لكن فيه نبرة حازمة:
“لا تفعلي ذلك مجددًا. المكان هناك قذر وبارد… لا أريدك أن تختبئي هناك مرة أخرى.”
لم أجبه . عينيّ على الأرض، أذنيّ منحنية إلى الخلف.
ناداني بصوت أكثر عمقًا، لم يكن غاضبًا بل يشبه يدًا خفية تحثّني على الرد:
“ليتي…”
رفعت رأسي أخيرًا نحوه. هززتُ برأسي بالموافقة، شعرتُ بأن قلبي يتلوّى بين الرغبة في قول الحقيقة والخوف من أن يبتعد عني إن عرف. ابتسم كلود برضى، مسح على رأسي وأثنى عليّ:
“هكذا أفضل… احسنت.”
وبذلك انتهى الأمر. خلال الأيام الثلاثة التالية لم يُسمح لي بالخروج من الغرفة. كنتُ محاصرة بلطفه، حراسته، رعايته. كان معي طوال الأربع والعشرين ساعة، وكأنه سور يحوطني — يُطعمُني، يعتني بي، يتأكد أنني مرتاحة. كنتُ أراه يبتسم لي لكن داخلي كان ما يزال يخفي السر الذي لم أجرؤ أن أبوح به.
وبعد ثلاثة أيام من النوم والأكل والسكوت، لم أعد أتحمّل الجدران. أخيرًا خرجتُ من الغرفة لأتنفّس هواء القصر. خطواتي في الممرات الخافتة كانت بطيئة، رأسي يلتفّ هنا وهناك. كنت أريد أن أرى شيئًا، أي شيء، خارج دائرة الخوف والحنان.
وحين وصلتُ إلى الحديقة، رأيت شيئًا جعل قلبي يقفز.
فتاة. بشعرها أبيض كالثلج، عيناها خضراوان تلمعان تحت الشمس، تسير بخطوات ثابتة نحو المبنى الرئيسي.
تساؤلٌ ساخن اشتعل في رأسي: من هذه؟ وما الذي تفعله هنا؟
كانت ليتي تسير بخفّة، خطواتها على العشب بالكاد تُسمع، ذيلها يتمايل ببطء خلفها. الخادمة المكلّفة بخدمتها، إيميلي، تبعتها دون اعتراض، تعرف جيدًا أن الفضول إذا استولى على سيّدتها الصغيرة لا يمكن ايقافه بسهولة.
رفعت ليتي رأسها قليلًا، تراقب تلك الفتاة ذات الشعر الأبيض التي تمشي بثقة، رداؤها الفاخر يتماوج مع النسيم، وعيونها الخضراء تلمع في الضوء. ملامحها كانت مألوفة إلى حدٍّ غريب.
لم تنتظر ليتي حتى تسأل، إذ جاءت إجابة إيميلي بصوت خافت أشبه بالهمس:
“إنها الأميرة إيفلين يا سيدتي… خطيبة ولي العهد. الإمبراطورة المستقبلية.”
تجمّدت ليتي في مكانها، عيناها تتسعان. الأميرة إيفلين؟ بطلة الرواية التي تعرفها من عالمها السابق… ماذا تفعل هنا؟ لماذا جاءت إلى الشرير بنفسها؟
شعور بالقلق والفضول اندفع في صدرها، ولم تستطع التراجع. تابعت سيرها بخطوات أبطأ، متخفية قدر ما تستطيع.
كانت الأميرة إيفلين قد توقفت عند طرف الرواق، حيث يقف رجل عجوز بظهر مستقيم وعينين يقظتين، هو رئيس الخدم مارك. رفعت الأميرة رأسها قليلاً وقالت بصوتها الرقيق الواثق:
“هل يمكنني لقاء الدوق اليوم؟ لديّ شيء مهم أودّ قوله له.”
أجابها مارك بانحناءة محترمة، لكن صوته ظل حازمًا:
“أعتذر يا سيدتي، لكن ليس مسموحًا لك بالدخول. هذه تعليمات السيد كلود.”
ارتجف طرف فم إيفلين للحظة، ثم قالت بنبرة يغمرها خيبة الأمل:
“لقد قلتَ نفس الكلام في المرة السابقة… متى سأستطيع لقاؤه إذًا؟”
كان الهواء من حولهم مشبعًا بالشدّ الخفي، والخدم في الممرّات يتهامسون بين بعضهم. ليتي وقفت خلف أحد الأعمدة، أذناها ترتجفان، وعيناها تتنقلان بين الأميرة ورئيس الخدم، وسؤال طرح نفسه بين هذه الضجة .
‘ هل هذه ليست المرة الاولى التي تزور فيها ايفلين القصر ؟؟ ‘
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات