كل شيء بدا هشًّا من حولي: الجدران، الضوء، الهواء، حتى جسدي الجديد. كلود كان دائمًا مصدر دفئي وأماني؛ كلما انكسرتُ كنت أجد حضنه أو صوته. لكنني أعرف شيئًا عنه لا يعرف أنني أعرفه — قرأته في الرواية قبل أن أجيء إلى هنا. قرأت عن ماضيه وعن الجرح الذي تركه البشر في قلبه، عن الكراهية القديمة التي يحاول أن يخفيها، عن تلك اللحظة التي أقسم فيها ألا يثق بإنسان مرة أخرى.
والآن… أنا تلك الصورة التي طالما كرهها. لست بعدُ تلك الثعلبة الصغيرة التي أحبها بلا تردد، بل بشرية، جلد وعظم، ملامح يمكن أن تُذكّره بكل الخيانات القديمة. هذا التفكير ينهشني من الداخل:
> (إذا رآني الآن… هل سيكرهني؟ هل سيبتعد؟ هل سينظر لي بعين واحدة ويضعني في خانة البشر الذين لم يثق بهم يومًا؟)
أريده أن يعرف، أريده أن يرى وجهي الحقيقي يومًا ما، لكن ليس هكذا، ليس فجأة، ليس وأنا أرتجف مثل كائن عالق بين حلم وكابوس. كنت أتخيّل أنني سأختار اللحظة، أن أكون قوية، أن أقول له الحقيقة بعينيّ وأنا أتنفس بثبات. لا أن أكون جسدًا جديدًا بلا توازن، دموعي تتساقط، صدري يضيق.
زحفت تحت السرير لأن الظلام هنا أقل قسوة من الضوء. تكورت على نفسي كأني أريد أن أعود إلى جسدي القديم، إلى تلك القوقعة التي كانت تحميني من مواجهة العالم. دموعي تتساقط على الخشب البارد. يديّ الجديدتان لا تبدوان لي؛ أنظر إليهما كأنهما لشخص آخر.
مقبض الباب يتحرك ببطء.
دموعي تهرب قبل أن أستطيع إيقافها، حارة، تتساقط على يديّ الجديدتين. لا أريد أن يراني هكذا. لا أريد أن أعرف كيف سيتغيّر وجهه عندما يعرف أنني لست ما ظنّه طوال هذه الوقت.
فتح الباب فجأة. ضوء باهت يتسلل إلى الغرفة. خطواته السريعة على الأرض الخشبية تقطع أنفاسي. صوته — ذلك الصوت الذي كان دائمًا ملجأي — يرتجف وهو يناديني:
“ليتي…؟”
أغلقت عينيّ بشدّة. الصداع ينهش رأسي كأني ما زلت عالقة بين الحلم والواقع. كلما اقترب أكثر، تزداد دقات قلبي وتتصاعد دموعي. رائحة خوفه تختلط برائحة خوفي.
(لا تقترب… لا تقترب… لا تقترب…)
تمتمتها في عقلي بلا صوت، كأنّها تعويذة ستُبعده. أريد أن أختفي، أن أذوب في الظل. لكن خطواته تقترب، أسمعها تقترب من طرف السرير. أستطيع أن أرى قدميه تقفان على بعد شبر واحد مني.
أحني رأسي أكثر، أصابعي تحفر في الخشب البارد، أنفاسي مقطوعة، دموعي تتدحرج على الأرض.
(أرجوك، لا تكتشفني… ليس الآن… ليس بهذه الصورة…)
~~~~~~~~
كنتُ أخرج من القصر الإمبراطوري بعد اجتماع ثقيل . كلماتهم عن السياسة والضرائب تاهت في رأسي، وكل ما كنت أفكّر فيه هو أن أعود إلى جناحي حيث تنتظرني ليتي. لم أكن أريد سوى أن أرى وجهها الصغير يطلّ عليّ، أن أسمع صوتها الهادئ الذي صار بالنسبة لي مثل دواء.
كنتُ على وشك أن أمتطي حصاني عندما رأيت وجهًا مألوفًا يركض نحوي في ساحة القصر. ثيو. أقرب مساعدي وأكثرهم ثقة. تركتُ ليتي معه لأنها أغلى ما عندي، ولأنه يعرف كيف يعتني بها أكثر من أي أحد… لكن لماذا هو هنا؟ ولماذا يركض بهذا الشكل، ونظرة الرعب بادية في عينيه؟
تقدّمت نحوه بخطوات ثقيلة، قلبي يطرق صدري:
“ثيو… ما الأمر؟ ماذا حدث لليتي؟”
انحنى ثيو، خرج صوته المخنوق:
“لا أعرف يا سيدي… لقد سقطت فجأة وهي تتمشّى في الحديقة. استدعينا الطبيب لكنه لم يستطع تحديد ما بها. حرارتها لا تنخفض.”
تجمّد الدم في عروقي. ليتي. صغيرتي. في لحظة وجدت قدميّ تركضان وحدهما نحو القصر. لم أعد أسمع شيئًا غير دقات قلبي في أذنيّ. كل خطوة كانت تسحبني أكثر إلى هذا الخوف الذي لم أشعر به منذ سنوات.
(كيف تركتها؟ كنت أعلم أنها متعبة… لماذا لم أبقَ بجانبها؟)
اللوم ينهشني مثل ذئب جائع وأنا أقطع الممرات المؤدية إلى جناحي. كنت أتصوّرها الآن، نائمة، تتألم، تبكي من شدّة الوجع ولا أحد يقدر أن يفعل شيئًا.
أمرتُ باستدعاء الكهنة والسحرة من كل أنحاء الإمبراطورية. القصر صار ثقيلاً مثل صخرة فوق صدري. كلهم وقفوا حولها، لكن لم يفهم أحد ما بها. كانت تتلوّى في سريرها، تهمس أحيانًا بكلمات غير مفهومة، دموعها تتساقط على الوسادة. لم أستطع أن أتحمّل المشهد. أمسكت بيدها الصغيرة وقلبي يتمزّق.
جلستُ إلى جانبها طوال الليل. لم أبرح مكاني . كانت حرارتها عالية جدًا حتى شعرتُ أن قلبي يحترق معها. عند الفجر انخفضت الحرارة أخيرًا، لكن جفونها لم تفتح. تنفّسها بطيء، وجهها هادئ لكن غريب. كل ساعة تمرّ كانت كالسيف، القصر كله صار مشدود الأعصاب.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات