وصلت إلى الباب الكبير لقاعة الاجتماعات. بابٌ مزدوج من خشب داكن محفور عليه نقوش التنانين، ومقبضاه من الفضة الثقيلة. الحرّاس على الجانبين انتصبوا كالتماثيل حين لمحوني، أحدهم ابتلع ريقه بوضوح، والآخر انحنى بخوف. رفعت حاجباً وألقيت نظرة واحدة كانت كافية ليتراجعوا خطوة إلى الوراء.
(حتى هنا… ما زالوا يرتجفون. ليتهم يعرفون أن كل ما يشغلني الآن ليس هذه البلاط الإمبراطوري، بل تلك الثعلبة الصغيرة هناك في جناحي.)
دفعت الباب بيدي ودخلت. صوت المفصلات العملاقة ارتطم بجدران القاعة فأطبق الصمت على الجميع. العيون تحوّلت نحوي في لحظة واحدة.
القاعة كانت هائلة، سقفها مقبّب مزخرف بلوحات قديمة، نوافذها العالية ترسل أعمدة من الضوء على الطاولة البيضوية الضخمة. في صدر القاعة يجلس الإمبراطور، هادئًا كالعادة. على يمينه ليونهارد، إلى جواره لاميرة ايفلين بنظراتها الحادّة، وعلى اليسار الماركيز فيور، وبجانبه رجلان بملامح غريبة من سينوار، عباءاتهم تحمل رائحة البحر البعيد.
الإمبراطور هو الوحيد الذي لم يتأثر بدخولي، عيناه ثابتتان كصخرة. صوته هادئ لكنه يحمل أمرًا:
> الإمبراطور: “لماذا تأخرتَ يا حضرة الدوق؟”
أخذت نفساً بطيئاً، أضيق عينيّ قليلاً وأصنع ابتسامة مصطنعة.
> كلود: “كنتُ متعباً من السفر يا جلالتك، لذا أرجو أن تعذرني.”
تبادلنا نظرة باردة؛ نظرة طويلة كأنّها مبارزة صامتة، لا أحد منهما يرمش أولاً.
لكن رغم كل هذا المسرح السياسي، كان رأسي في مكان آخر.
(هل تناولت ليتي طعامها؟ هل أخذت قسطاً من النوم؟ أكان ذلك الهدوء الغريب بداية مرض؟)
رفعت نظري أخيراً إلى الإمبراطور، هو أيضاً لا يخفض عينيه. الحدة بيننا لا تحتاج كلمات كثيرة. الاجتماع بدأ، لكن كل كلمة تُقال تتلاشى في خلفية قلقي الداخلي.
(سأنهي هذا سريعاً. عليّ أن أعود إليها. وأيّاً كان ما سيحدث بعد ذلك… سأكون هناك.)
~~~~~~
انتهى الاجتماع الخانق أخيراً. الهواء في القاعة كان ثقيلاً مثل الدخان، ومع أوّل فرصة للانصراف نهض كلود وغادر بخطوات سريعة. لم يكن في وجهه سوى صرامة مكتومة، كأنّ شيئاً في داخله يصرخ بالعودة. كان يعرف أن هناك خطباً ما، وإن لم يدرك بعد ماهو. عبر الممرات الطويلة للقصر الإمبراطوري، ثم خرج إلى الحديقة الغارقة في ضوء شمس مائل للغروب. الريح تمرّ عبر أشجار السرو كأنّها همسات تحذير، والأرض تحت قدميه تشهق كلما ضغط عليها.
بينما كان يمشي بخطى متعجلة، سمع صوتاً ناعماً يخرج من وراء كتفه:
> “حضرة الدوق…!”
صوت أنثوي، رقيق لكن فيه ثقل خفي. تجاهل كلود النداء وأكمل سيره.
> “حضرة الدوق، انتظر فقط…”
توقف، استدار ببطء. أمامه كانت تقف فتاة ذات شعر أبيض فضي يتلألأ تحت ضوء الشمس، وعيون خضراء بلون الغابة بعد المطر. عرفها فوراً. إيفلين.
لم يقل كلمة. اكتفى بالنظر إليها بعينين ضيّقتين، كتفاه متوتّرتان.
ابتسمت إيفلين ابتسامة ناعمة، خطوة صغيرة أقرب نحوه.
> إيفلين: ” احي دوق الامبراطورية الموقر ادعى ايفلين شيور اميرة مملكة سنيوار …. أريد أن أستعير بعضاً من وقتك. سنجلس لشرب الشاي فقط… دقائق لا أكثر.”
> كلود: (بصوت جاف وحاد) “لا وقت لديّ لهذا.”
> إيفلين: “أنت متعب. ستستفيد من بضع دقائق هدوء.”
> كلود: “قلتُ: لا.”
الريح هزّت خصلات شعرها الفضي فغطّت جزءاً من وجهها. نظرت إليه بعينين عميقتين، وفي ابتسامتها شيء لا يُقرأ.
> إيفلين: “أنت ترفض حتى سماع ما عندي سيدي الدوق ؟”
> كلود: ” لماذا علي ان اوافق ، انا لا اعرفك حتى ولست مهتما بأضاعت وقتي مع اميرة مدللة .”
مدّت يدها كأنّها ستلمس ذراعه لكنها توقفت في منتصف الطريق.
عيناه لم تتحركا. بقي واقفاً مثل صخرة، صوته ينزل بارداً كالسكين:
> كلود: “لست مهتما.”
استدار وغادر، خطواته تنقر الممر الحجري، عباءته السوداء تتحرك وراءه مثل ظلّ طويل. لم ينظر خلفه مرة واحدة.
وقفت إيفلين مكانها. لم يظهر على وجهها أي أثر للغضب أو الصدمة. على العكس، انحنى طرف شفتيها بابتسامة صغيرة ناعمة، ابتسامة جميلة لكنها غريبة، وفي عينيها الخضراوين لمع بريق عميق، كأنّهما مستنقع يبتلع الضوء ببطء. الريح مرّت حولها ببرودة خفيفة، كأنّها تشاركها سرّها، قبل أن تختفي صورة كلود بين الأشجار البعيدة.
~~~~~~~
لم يكن هناك ضوء في البداية. مجرّد عتمة لينة تتحرّك حولها مثل ماء بارد. ليتي كانت تسمع همسات بعيدة، أصواتًا مألوفة لكن مشوّهة. شيئًا فشيئًا، بدأت العتمة تتبدّل إلى ألوان باهتة، وصار المشهد أمامها واضحًا: غابة قديمة، شجرها ملتفّ كالدوامات، والسماء فوقها بنفسجية مائلة للرمادي. كان الهواء مشبعًا برائحة حديد ودم، والريح تحمل صدى خطوات قديمة، خطوات تعرفها.
في وسط تلك الغابة رأت ظلاً صغيرًا: ثعلبة صغيرة ذات فراء وردي باهت وذيل طويل، تلتفت حولها بخوف. لمحتُ في عينيها شيئًا منّي… كانت أنا.
لكن خلفها كانت هناك ظلال أخرى، كبيرة، تتحرك ببطء، أذرع طويلة تخرج من الأشجار وتلتف حولها كأفاعٍ من دخان أسود. وكلما حاولت ليتي (في الحلم) الركض، وجدت قدميها تتحولان إلى أيدٍ بشرية، وأصابع طويلة تتشبّث بالأرض.
همس صوت لا يشبه صوتًا بشريًا خلفها:
> الصوت: “قريبًا… ستتذكّرين. قريبًا ستعودين كما كنتِ.”
التفتت ليتي، وإذا بها ترى امرأة ذات شعر أبيض فضي وعينين خضراوين تقف عند حافة الغابة، لا تتحرك، لا تبتسم، فقط تراقب. في اللحظة التي مدّت المرأة يدها، تحوّل كل شيء إلى ضوء أبيض.
أفاقت ليتي ببطء، أنفاسها ثقيلة، كأنها تسحب الهواء من تحت الماء. رأسها يدور بشدّة، قلبها يدق في صدرها مثل طبل مكسور. كان ثقل غريب يضغط على أطرافها، ودموع حارة تتسرب من عينيها بلا إرادة. أصابعها — لا، مخالبها — ارتجفت.
حاولت أن ترفع رأسها عن الوسادة، لكن كل شيء يدور.
همست في داخلها: (كان حلمًا… لكنه كان حقيقيًا… لماذا يبدو مألوفًا هكذا؟)
مدّت يدها لتمسح الدموع، فتوقفت فجأة. خصلات شعر وردي انزلقت على جانب وجهها، أطرافها تلامس خدّها. رفعت نظرها، يدها ترتجف. أصابع. أصابع بشرية. ليست قوائم ثعلب. جلدها ناعم ودافئ، لا فراء فيه.
ارتجف قلبها. لم يكن لديها أقدام ثعلب، بل قدما إنسان، أطراف نحيلة وأصابع تتحرك. جسدها كله تغيّر.
ارتفعت أنفاسها، لم تعد تعرف أين ينتهي الحلم ويبدأ الواقع. الغرفة من حولها باهتة، الضوء القادم من النافذة يلمع فوق يديها الجديدة. لم تعرف إن كانت تبكي أم ترتجف.
(هل أنا… عدتُ؟ أم أن شيئًا ما انتزعني من نفسي؟)
الدوار يزداد، الصوت في الحلم ما زال يرنّ في أذنها: “قريبًا ستعودين كما كنتِ…”
أغمضت عينيها للحظة، لكن قلبها كان يعرف أن ما رآه لم يكن مجرد حلم. كان إنذارًا. والآن، هنا، في هذه الغرفة، كل شيء بدأ يتغير.
في الخارج، بعيداً عن غرفتها، كانت خطوات سريعة تقترب، وصوت مألوف ينادي باسمها. لكنها لم تعد متأكدة إن كانت تريد أن يسمعها أحد.
~~~~~~~
اتمنى ان الفصول نالت اعجابكم
ادري وقفت الفصل على لحظة محمسة هذي تصرفات الكاتب المحترف 😅….. بس لاتخافون راح انزل فصول غدا فا حاولوا تصبرون نفسكم 🙃
مع السلامة اشوفك بالفصول الجاية 👋🏻
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"