حين توقّفت العربة أمام القصر الدوقية في العاصمة، ارتفع قلبي إلى حلقي. كان القصر أكبر ممّا تخيّلته؛ جدران عالية من الرخام الأبيض، أعمدة متشابكة على طراز ملكي، ونوافذ ملونة تلمع مثل أصداف البحر. أما الحديقة، فكانت أشبه بغابة مسوّرة: شجيرات كثيفة، ورود من كل لون، نوافير ماء تتلألأ تحت ضوء النهار. كان الهواء ممتلئًا بعبق الأرض المبللة ورحيق الأزهار. أذناي الثعلبيتان ارتفعتا في حماس، وذيلي يتحرك بقلق صغير من شدّة الفضول.
نزلتُ من العربة ، وفور نزولي ركضت نحو الحديقة الواسعة امامي ولكن يد كبيرة سحبتني على حين غرة، رفعت وجهي أنظر إليه برجاء. رفعتُ أذنيَّ إلى الأمام، ذيلي يهتز بخفة، حتى أفهمه أنني أريد الركض بين الممرات الخضراء. لكنّه انحنى قليلًا نحوي، ابتسامة ناعمة في عينيه، وصوت منخفض وهو يقول لي:
> كلود: “ليتي… لا. إصابتك لم تُشفَ بعد. ستبقين في الغرفة حتى تتحسّن حالتك.”
خفضت أذنيَّ إلى الخلف، ونزل ذيلي إلى الأسفل في حركة خيبة صغيرة. لم أستسلم، انزلقت بجانبه أقرّب أنفي من يده، حككت خدّي بمعطفه في حركة استعطاف، رفعت نظري إليه بعينيّ الزمرديتين الواسعتين. ابتسم كلود أكثر، مرّر أصابعه على رأسي:
> كلود: “أعرف أنك تريدين الخروج… لكن ليس الآن، صغيرتي. أعدكِ، عندما تتحسّنين سأريكِ كل زاوية في هذا القصر. على الاقل ليس اليوم سأسمح لك غدا بأخذ جولة قصيرة في الحديقة “
لم يكن صوته بارداً قط، كان حنوناً، لكن حازماً في الوقت نفسه. أشار للخدم بصوت هادئ لكنه واضح:
> كلود: “أحضروا مكتبي إلى غرفتي . كل شيء: الأوراق، المكاتبات، حتى الاجتماعات الصغيرة… هل انت سعيدة الان سأبقى معك حتى لاتشعري بالوحدة .”
شعرت بالدهشة. سيبقى معي حقًا؟ ولكن مع هذا ،لم أكن أريد أن احبس بسبب خدوش بسيطة . رفعت أذنيَّ مجددًا وحرّكت ذيلي بسرعة، نظرت إلى وجهه أرجوه بنظراتي أن يسمح لي ولو بجولة صغيرة. جلستُ على قائمتيّ الخلفيتين، انحنيتُ قليلًا للأمام في وضع يشبه التوسل. هو ضحك ضحكة صغيرة ومسح على رأسي:
> كلود: “لا تحاولي خداعي بحركاتك هذه. اعرف كل حركاتك يا ثعلبتي الصغيرة. “
وهكذا قضيت اليوم كلّه في السرير، أتفرج عليه وهو يعمل بين الأوراق. كان وجوده بجانبي دافئاً ومريحاً؛ يرفع رأسه بين حين وآخر لينظر إليّ، يهمس لي بكلمات هادئة، أو يلمس فرائي خلف أذنيّ. لكن رغم هذا الدفء، بقي ذلك الشعور الغريب في صدري: كأن شعلة صغيرة تنمو ببطء، تشتعل أحياناً وتخبو أحياناً. كنتُ أظنّها مجرّد آثار إصابة.
في صباح اليوم التالي، أتى الخدم ليجهزوه للذهاب إلى القصر الإمبراطوري. حاولت أن أتماسك. مشيت نحوه ببطء، أذناي منخفضتان وذيلي يضرب الأرض برفق؛ أردت أن أقول “خذني معك”، لكن كل ما استطعت هو أن أقترب وأضع رأسي على ساقه. هو انحنى ومسح على ظهري بحنان:
> كلود: “أعرف أنك تريدين المجيء. لكنك ما زلتِ متعبة، ليتي. ارتاحي اليوم. أريدك أن تتعافَي.”
بعد أن غادر مع حرّاسه، استجمعت شجاعتي وخرجتُ أخيرًا من الغرفة برفقة خادمتين. أردت أن أشمّ هواء الحديقة بنفسي. مشيت بخطوات بطيئة فوق الحصى، أقدامي الثعلبية تخدش الأرض برفق، ذيلي يتبعني كسوط كسول. كانت الأزهار في أوج تفتحها، والعصافير تحلّق فوق الشجيرات، والهواء بارد ومنعش… لكن ذلك اللهيب في صدري كان يتضخّم.
كنت أقول لنفسي:
> “فقط بضع خطوات أخرى… ثم أعود إلى الغرفة.”
لكن الضوء من حولي صار يهتز، يبهت، والأصوات تبتعد. ارتعشت أذناي، وانكمش ذيلي حول ساقي، وحاولت أن أستنشق هواءً أعمق فلم أستطع. العالم أخذ يدور من حولي. ثم فجأة انطفأ كل شيء في لحظة واحدة.
آخر ما شعرت به كان لمسة أيدٍ باردة على ذراعي، وصوت الخادمات يصرخن باسمي قبل أن يسحبني الظلام إلى الداخل.
~~~~~~
الخيول توقّفت أمام بوابة القصر الإمبراطوري، والرياح تحمل معها رائحة المعدن والورود في آن واحد. رفعت بصري إلى المبنى الضخم: أعمدة شاهقة، شرفات مزخرفة بذهب يلمع، ونوافذ كالقلاع القديمة. كل شيء هنا يصرخ بالفخامة… لكنّي كنت أعرف أن الذين يسكنونه أقل فخامة بكثير.
سرت في الممر الطويل المؤدي إلى قاعة الاجتماعات، خطواتي تصدح على أرضية الرخام الأسود، أكتاف الحرّاس تتصلّب مع اقترابي.
أغمضت عينيّ للحظة وأنا أمشي. صورة ليتي مرت أمامي: أذناها منخفضتان، ذيلها ساكن، لم تصرّ هذه المرّة على المجيء معي. هدوؤها الغريب هذا… أقلقني أكثر من أي شيء. همست في داخلي:
(ليتي… لمَ كنتِ هادئة هكذا؟ عادةً تقفزين وتدورين حولي حتى ألين. اليوم… نظرتِ إليّ فقط. عليّ أن أستدعي الطبيب عند عودتي. وذلك الطبيب الدجّال اظن انه قد سئم من حياته …)
شددت قبضتي حول القفاز الجلدي وأنا أتابع السير. كل خطوة بين هذه الجدران الذهبية تزيد ضيقي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"