عندما اتسخ ثوبها الأبيض، تخيلت كاشيكا أن غبار الطلع الذهبي يشبه شظايا الشمس المتلألئة، متناثرة على القماش الناصع. لكن سرعان ما تذكرت ليديا، التي ستحزن بالتأكيد لهذا المنظر. ‘حسنًا، هذه مشكلتها،’ فكرت كاشيكا. كانت النقاط الذهبية على الثوب تبدو كأنها خيوط ذهبية مطرزة بعناية، تضفي لمسة فنية غير متوقعة. بدت كاشيكا راضية، كأن هذا التفصيل كان مقصودًا، زينة طبيعية تتناغم مع أناقتها البسيطة.
“يبدو من الإسراف مسحه،” قالت بنبرة خفيفة.
يبدو أن نواه يشاركها الرأي، إذ استقرت عيناه عليها. لكن نظرته لم تكن موجهة إلى الثوب بقدر ما كانت مركزة على وجهها. ظنت كاذيكا أن غبار الطلع ربما علق ببشرتها، فرفعت يدها لتمسح خدها بحركة سريعة، محاولة إخفاء أي إحراج.
“أعتذر إذا أفزعتكِ،” قال نواه.
هزت كاشيكا رأسها نفيًا، مطمئنة إياه أنها بخير. كانت تتوقع حضور محامٍ من فرع عائلة لامفروش، لكن المكان كان خاليًا من أي شخص آخر.
“أنت وحدك هنا؟” سألت.
“نعم، لكن سيصل شخص قريبًا،” أجاب نواه وهو يجلس على كرسي من الخيزران أمامها. وضع العقد على الطاولة بينهما. بعكس الأريكة الطويلة التي جلست عليها كاشيكا، بدا الكرسي منخفضًا بالنسبة لقامة نواه الطويلة، مما جعل ساقيه تمتدان إلى الأمام بشكل بارز. تسللت عينا كاشيكا لتتفقدا ساقيه، ثم صعدتا ببطء حتى استقرتا على وجهه. كان يبتسم، ابتسامة هادئة تحمل لمحة من الثقة.
“الزهور البيضاء تليق بكِ، سأعتبرها زينة مقصودة،” قال.
“حسنًا، الزهور جميلة في الصيف،” ردت كاشيكا.
“لم أقصد الزهور، بل أنتِ، كاشيكا، أنتِ الجميلة.”
توقفت كاشيكا للحظة، مصدومة قليلاً. لكنها سرعان ما تذكرت أن مثل هذه المجاملات شائعة، خاصة في الروايات التافهة التي كانت تقرؤها. ربما كانت هناك عبارات أكثر جرأة من هذه، لذا لم ترَ ضرورة للتوتر.
“يبدو أنك تطورت بطريقة لم أتوقعها،” قالت بابتسامة ماكرة.
“ماذا تعنين؟”.
“أنت بارع في المجاملات الفارغة.”
“لكنني كنت أعتقد أنكِ جميلة منذ الطفولة،” رد نواه.
كان من الصعب تمييز ما إذا كان صادقًا أم لا.
‘جميلة، تقول؟’ فكرت كاشيكا وهي تنظر إليه. منذ لقائهما الأول، كانت ترى شعره الأشقر كأنه شمبانيا فاخرة، شفاف ونقي بشكل غريب. كانت خصلاته الذهبية المتلألئة، التي تبدو أخف من خيوط الحرير، تثير حسدها في طفولتها. أرادت أن تكون مثله، أو على الأقل، لو وُلدت فتاة، أن تكون مثل تلك الفتاة المتألقة. صحيح أن نواه كان صبيًا، لكن ضحكته المشرقة وروحه المرحة، رغم أنها كانت مزعجة أحيانًا، كانت ساحرة. كم تمنت أن تمتلك ذلك اللون النبيل، أو حتى أن تمسك بشعره وتبتلعه لتصبح جزءًا منه.
“وكيف ترى نفسك؟” سألت، محاولة استفزازه.
كانت تفكر في امتلاكه، أو إخفائه، أو حتى الاحتفاظ به سرًا.
“إذا كنت أبدو جميلة في عينيك، فماذا عن وجهك؟ خاصة شعرك!”.
“حسنًا، لا أعتقد أنني بهذا الجمال،” رد نواه. “بل أرى أن الشعر الداكن الغامق أجمل. لا يعكس الضوء، بل يجذبه، كأنه يبتلعه…”.
توقف فجأة، مغطيًا فمه بيده. لم تفهم كاشيكا سبب توقفه.
‘ذوقه غريب،’ فكرت. ‘من الواضح أن الشعر الأشقر أجمل من شعري البني… أم أنه يفضل الشعر الأسود؟’
“يبدو أن الرجال يميلون إلى الشعر الداكن، ربما لأنه يبدو أكثر وقارًا؟” قالت.
ابتسم نواه موافقًا. “نعم، يشبه غابة مظلمة في الليل، لا تعرفين إلى أين ستقودك.”
“حقًا؟ إلى هذا الحد؟”.
“غابة تجعلك تشعرين أن ضياعك فيها قد يستحق العناء.”
“يبدو أنك تحب الأدب،” علقت كاشيكا.
تذكرت أن السيدة لامفروش كانت تشكو من كتب نواه، ففهمت الآن سبب ذلك. عندما حدقت به دون كلام، بدا نواه محرجًا قليلاً. “ربما يجب أن نرطب حناجرنا،” قال وهو ينهض.
خرج نواه وعاد سريعًا، حاملًا صينية قدمها خادم كان ينتظر بالخارج. كانت تحتوي على شاي وحلويات، تمامًا كوجبة الإفطار التي تناولتها صباحًا. لكن هذه الحلويات كانت مختلفة عن تلك التي أعدتها ليديا.
“تتذكر…” تمتمت كاشيكا.
كل ما وُضع على الطاولة كان من أطباقها المفضلة. لم تُظهر ذلك علنًا، لكن عندما كانت تأتي إلى لامفروش كمعلمة، كانت تعتمد على الحلويات كوجباتها الرئيسية. بعكس الخبز الأسود القاسي في إيلفيرتز، كانت الأطباق هنا دائمًا حلوة وتفوح بروائح شهية.
لم يتغير الخدم منذ ذلك الحين، لذا من الطبيعي أن يعرفوا أذواقها. لكن أن يعيدوا إحياء تلك الذكريات بهذا الدقة؟ لم تتوقع ذلك. الطعام، في النهاية، ليس مجرد طعام، بل ذكريات متشابكة. في طفولتها، كانت تفتقر إلى كل شيء، لكن لامفروش منحها تلك النكهات التي كانت تشتاق إليها أحيانًا.
“هذه أطباقكِ المفضلة، أليس كذلك؟” سأل نواه.
“نعم،” أجابت بصدق. لم ترَ حاجة لإخفاء ذلك. “شكرًا على هذا.”
ابتسمت، وتحركت شفتا نواه كأنه يريد قول شيء، لكنه بدلاً من ذلك، تناول كوب الشاي البارد وشربه دفعة واحدة. أمسكت كاشيكا بالشوكة، وقطعت قطعة من الكعكة المكونة من طبقات رقيقة من العجين المحشو بكريمة الكاسترد، مزينة بطبقة من السكر المصقول على شكل رخام. أصدرت الكعكة صوتًا خفيفًا وهي تتفتت.
* * *
بشكل مفاجئ، اكتشفت كاشيكا أنها تشترك مع نواه في بعض الأشياء. ذكريات طفولتها لم تكن واضحة، أو ربما لم ترغب في تذكرها. لكن نواه كان يتذكر كل لحظة قضاها معها بدقة مذهلة. ‘ذاكرته قوية حقًا،’ فكرت، ‘سيكون مناسبًا لدراسة القانون.’
بينما كانا ينهيان الحلوى، وصل الشخص المنتظر. كان رجلاً ذا بشرة مسمرة وشعر أسود، أقصر من نواه قليلاً، لكنه يبدو أكثر قوة، كأنه فارس.
“لقد وصلت في الوقت المناسب،” قال نواه.
‘هل هذا الشعر الأسود الذي تحدث عنه نواه، غابة الليل التي يرغب في الضياع فيها؟’ فكرت كاشيكا بسخرية.
“هذا بيرترام، يعمل كمسؤول إداري في القصر الملكي،” قدمه نواه.
“وهل يُسمح لمسؤول إداري بالمشاركة في مثل هذه الأمور؟”.
“نعم، العمل في القصر الملكي لا يدر مالًا كثيرًا،” رد بيرترام بنفسه. “بالمناسبة، سعدت بلقائكِ، سيدتي.”
أفسح نواه المجال لبيرترام ليجلس، ثم انتقل ليجلس بجانب كاشيكا. لم يكن لديها وقت لتغيير مكانها، وشعرت بدفء جسده بجانبها، وهو شعور غريب وغير مألوف.
“كنت أنوي استدعاء شخص من فرع العائلة، لكن ذلك قد يفقدنا الثقة،” أوضح نواه.
“فهمت،” ردت كاشيكا.
كان اختيار مسؤول ملكي منطقيًا – لا يمكن التخلص منه بسهولة، بعكس شخص من فرع العائلة. لكن، إذا حدث شيء، ربما يتدخل نواه لحل الأمر. كان هذا الموقف متوازنًا، لا يخدم طرفًا دون الآخر.
“هل تُكتب عقود العشيقات بهذا الشكل عادةً؟” سألت كاشيكا.
رفع بيرترام رأسه قليلاً، ثم أخفضه مرة أخرى، كأنه يتجنب النظر إليها. “حسنًا،” قال، “لا أعرف عن وجود مثل هذه العقود، لكن علاقات العشيقات عادةً سرية، فقد تُبرم في الخفاء.”
لم تكن إجابته مفيدة.
رفع بيرترام الأوراق. بما أن الطرفين ناقشا الأمر مسبقًا، لم يكن هناك حاجة لمراجعة إضافية. لكنه بدا متفاجئًا قليلاً، كأنه يرى العقد لأول مرة.
“عدم إقامة علاقات جسدية مع أي شخص… هل هذا حقيقي؟ في عقد عشيقة؟”.
“هذا البند أُلغي. أحضرت النسخة الخاطئة،” قال نواه بسرعة.
“…”
‘إذن، نشطب هذا البند ونعتبره لم يكن؟’ فكر بيرترام. بدا الأمر مقصودًا، لكن وجهي كاشيكا ونواه لم يكشفا عن أي شيء. ‘يبدوان شخصين لا يُستهان بهما،’ فكر.
كانت هناك بنود أخرى لصالحهما، لكن بيرترام لم يفهم لماذا وافقت كاشيكا. كانت الأمور التي تضرها كثيرة، رغم وجود بعض المزايا.
“هل قرأتما العقد؟” سأل.
“نعم،” أجابت كاشيكا.
هز نواه كتفيه بدلاً من الرد. ‘لو كنت مكانهما، لقرأته مرة أخرى،’ فكر بيرترام، لكنه لم يقل شيئًا، خشية أن يضر ذلك بمصالحهما.
“إذن، وقّعا هنا،” قال.
ناول نواه قلم حبره الفاخر. أمسكت كاشيكا القلم ووقّعت أسفل العقد. ثم مررت القلم إلى نواه، الذي وقّع بدوره وسلم الأوراق والقلم إلى بيرترام. وقّع بيرترام أيضًا، ثم وضع القلم جانبًا.
ما حدث بعد ذلك كان غريبًا بالنسبة لكاشيكا. بينما كان بيرترام يمسك الأوراق، انبعث ضوء أزرق خافت منها. أخرج ورقة بيضاء، ونقر عليها بالقلم، فبدأت الكلمات تنتقل من العقد إلى الورقة الجديدة، كأنها تطفو. عندما اكتمل النقل، لوّح بالورقة كمروحة.
“لكي يجف الحبر،” قال عندما لاحظ نظرتها.
حتى مع السحر، يحتاج الحبر للجفاف، حقيقة جديدة تعلمتها.
“سيُحفظ هذا في البنك،” أضاف بيرترام وهو يرتب الأوراق. “حتى لو فُقد العقد، يمكن إعادة إصداره. بما أنه مُعالج بالسحر، فهو مقاوم للنار والماء، ولا يحتاج إلى عناية خاصة.”
مد الأوراق إليها. أمسكت كاشيكا الورقة بطرفي إبهامها وسبابتها، كأنها تتعامل مع شيء مقزز. جعل ذلك بيرترام يبدو محرجًا. احتفظ بورقة أخرى، وسلّم الأخيرة إلى نواه.
تأمل نواه الأوراق بهدوء. ابتسامته البريئة جعلت من الصعب تخمين أفكاره. ‘هل كان دائمًا هكذا؟’ تساءلت كاشيكا. لم تتذكره يبتسم كثيرًا في الماضي، لكن مؤخرًا، بدت ابتسامته مألوفة.
كانت ابتسامته تحمل سحرًا خفيًا، مزيجًا من اللطف والدهاء، كأنها تنتمي إلى شخص يعرف كيف يدير اللعبة.
“إذن،” قال نواه، وابتسامته تتسع، “أصبحتِ ملكي الآن.”
“…”
للمرة الأولى، شعرت كاشيكا أن نواه لامفروش خطير.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 15"