Chapters
Comments
- 3 - مريض طائش -1- منذ يوم واحد
- 2 - المناوبة ليلية -2- منذ يومين
- 1 - المناوبة ليلية -1- منذ يومين
كان عدد المصابين كبيرًا، لكن معظم الحالات لم تكن حرجة. الأطباء والممرضون ينتقلون من سرير إلى آخر بخفة وسرعة، لا مجال فيها لإضاعة ثانية.
كانت جوليا منحنية فوق إحدى المريضات، تضع الضماد بعناية وتحاول السيطرة على النزيف الطفيف. يداها تعملان بخبرة، لكن عقلها كان يسبح في مكان آخر تمامًا. لم تسمع حتى صوت دانييل وهو يناديها أكثر من مرة.
رفعت المريضة عينيها إليها بصوت خافت:
– «دكتورة… ذاك الطبيب يناديك».
انتفضت جوليا قليلًا، وكأنها استيقظت من شرود عميق، ثم استقامت ببطء وهي تتمتم باعتذار للمريضة. بعد أن أنهت إسعافها، اتجهت إلى دانييل بخطوات سريعة لكن مضطربة.
– «ما الأمر؟»
كان دانييل يراقبها بدهشة واضحة. اقترب منها خطوة إضافية، يحدق في ملامحها كما لو يحاول قراءة ما تخفيه عيناها الرماديتان.
– «هل حصل لك شيء؟ أم أن الإرهاق بدأ يأخذ منك؟ ليس من عادتك أن تشرُدي هكذا، جوليا».
قالت جوليا بصوت هادئ وهي تحاول إخفاء اضطرابها:
– «لا شيء… أظنه فقط الإرهاق. لماذا ناديتني؟»
ابتعد دانييل خطوة، ثم أشار بعينيه نحو السرير المجاور.
– «هذا المريض… نبضه غير طبيعي، والأعراض غريبة. أريد رأيك».
اقتربت جوليا بسرعة، نظرتها تركزت على وجه المريض الذي كان يتنفس بصعوبة، عرق بارد يتصبب من جبينه، وصدره يعلو ويهبط باضطراب. ارتسمت ملامح الشك على وجهها.
– «أعطني السماعة».
ناولها دانييل السماعة فورًا، وضعتها جوليا على صدر المريض وأصغت بتركيز شديد. بعد لحظات قصيرة، رفعت رأسها بعينين متيقظتين، وصوتها اكتسب حدة الطبيب الذي أدرك خطورة الوضع:
– «إنه انسداد تاجي حاد… مع تمزق في عضلة القلب. يحتاج إلى عملية فورية!»
تبادلت النظرات مع دانييل، لم يكن هناك وقت للتفكير. تحرك الاثنان بسرعة، كلٌّ يعرف تمامًا ما عليه فعله، بينما كان صفير الأجهزة الطبية يتعالى، وكأن الغرفة بأكملها أعلنت حالة طوارئ جديدة.
انفتح باب غرفة العمليات بعنف، ودخل دانييل يتقدّم الفريق بخطوات سريعة، عيونه مركزة كأنها تسبق تفكيره بثوانٍ. خلفه كانت جوليا، تضع القناع بإحكام فوق فمها، وصوتها الحازم يخترق ضجيج الأجهزة:
– «سنحتاج إلى شريان بديل فورًا، حافظوا على الضغط ثابتًا!»
أجابها دانييل بثقة، وهو يرتدي قفازاته:
– «سأتولى مراقبة الضغط، أنتِ ركزي على التمزق القلبي. الوقت ليس في صالحنا.»
بدأت العملية دون لحظة تردد. اختلطت أصوات الأجهزة الطبية بإيقاع أنفاسهم المتسارعة، والهواء في الغرفة بات ثقيلًا من التوتر والتركيز.
كانت حركات جوليا حاسمة، دقيقة كأنها تعرف مسبقًا ما يحتاجه دانييل قبل أن ينطق. والممرضون من حولهم يتحركون بسرعة، يحذرون ويتبادلون الأدوات بصمت مدرّب.
بين الحين والآخر، كانت نظرات جوليا ودانييل تلتقي فوق صدر المريض المفتوح نظرات صامتة مشحونة بثقة كاملة، تجمع بين شريكين في معركة ضد الزمن.
فجأة، انخفض الضغط بشدة. دوى صوت الجهاز بإشاراته الحادة.
صرخت جوليا بصوتٍ قاطع:
– «أدرينالين! حالًا!»
تحرك الجميع فورًا، دفعة واحدة. بعد ثوانٍ مرّت كالأبد، عادت المؤشرات إلى الاستقرار، وتنفّس الفريق الصعداء.
رفعت جوليا رأسها قليلًا، مسحت العرق عن جبينها، وقالت وهي تُثبت آخر غرزة بإتقان:
– «انتهينا… لو تأخرنا خمس دقائق فقط، لما نجا.»
خلع دانييل قفازاته ببطء، وصوت أنفاسه المتقطعة امتزج بصمتٍ ثقيل يخيّم على الغرفة. نظر إليها مطولًا كانت ما تزال تلتقط أنفاسها، القناع الملطخ بالدماء يخفي نصف وجهها، لكنه لم يخفِ الصلابة في عينيها الرماديتين.
رفعت جوليا رأسها أخيرًا، بصوتها الهادئ البارد الذي يعيد النظام بعد الفوضى:
– «انقلوه إلى غرفة خاصة… ملابسه تكفي لتخبرنا أنه ليس مريضًا عاديًا.»
خرج الاثنان من غرفة العمليات، تعب يلوح على ملامحهما، لكن الإرهاق كان أكثر وضوحًا على جوليا.
نظر إليها دانييل بقلق خفيف وقال بصوت هادئ:
– «جوليا، اذهبي لتستريحي. سأتولى البقية، وإن حدث أي طارئ سأتصل بك فورًا.»
اكتفت بهزة رأس خفيفة تعبيرًا عن الموافقة، ثم افترقا بصمت.
اتجه دانييل نحو قسم الإسعاف، بينما سارت جوليا بخطوات بطيئة في الممر الطويل، أضواء المستشفى الباردة تنعكس على وجهها الشاحب.
ما إن وصلت إلى مكتبها حتى فتحت الباب بهدوء، ودخلت.
ألقت معطفها الأبيض على المشجب، واتجهت مباشرة إلى كرسيها الجلدي الأسود الكبير. جلست ببطء، وأسندت جسدها بالكامل إلى الخلف، أغمضت عينيها ووضعت ذراعها اليمنى فوقهما كمن يحاول حجب العالم لدقائق فقط.
تسللت إلى ذهنها أفكار مبعثرة، همسات متعبة من يوم طويل، لكنها كانت تتمحور حول شيء واحد… أو بالأحرى، شخص واحد.
«أيّ حظٍ هذا؟ آه… أنا متعبة، وذلك الرجل زاد كل شيء فوضى.»
زفرت ببطء، كأنها تحاول طرد صورته من رأسها، لكن وجهه، وذاك الوشم الملعون، ظلا عالقين في ذهنها رغمًا عنها.
أزاحت جوليا ذراعها عن وجهها ببطء، وحدّقت في كفها بهدوء غريب، كأنها تراها لأول مرة.
همست بصوت خافت بالكاد يسمع:
– «هذه اليد… لامست ذلك الرسم، وذلك الجلد.»
ظلّت تحدّق فيها للحظات، قبل أن تطلق تنهيدة طويلة، امتزج فيها التعب بالارتباك.
ارتخت ملامحها، لكنها لم تستطع طرد الإحساس العالق في أطراف أصابعها إحساس الدفء الذي لم يكن يجب أن تشعر به.
أسندت رأسها إلى الكرسي من جديد، تغمض عينيها، وصوت أنفاسها يثقل الصمت الذي خيّم على المكتب.
رنّ الهاتف فجأة، قاطعًا سكون الغرفة.
قفزت جوليا من مكانها بسرعة، واتجهت نحو المئزر الذي كانت قد رَمته فوق الكرسي.
أخرجت الهاتف من جيبه، رمقت الشاشة… «سرين».
تنهدت، وأسقطت عنها كل أفكارها السابقة، لتجعل صوتها باردًا حين أجابت:
– «هل استيقظ؟»
لكن ما سمعته لم يكن صوتًا مطمئنًا، بل أنفاسًا متقطعة، وصوتًا مرتجفًا كأنه يخنق نفسه بالكلمات:
– «إ… إِنه… استـ…يقظ…»
تجمدت جوليا في مكانها، والحروف الأخيرة تلاشت وسط صوت أنفاس غير منتظمة.
أغلقت الخط دون تردّد.
ارتدت المئزر بسرعة، واتجهت نحو درج مكتبها، تسحب منه مشرطًا صغيرًا وتضعه في جيبها. لم تضيّع ثانية.
خرجت من المكتب بخطوات ثابتة، صامتة، والهواء حولها يزداد ثِقَلًا كلّما اقتربت من غرفة العناية.
لم تطرق الباب فقط دفعته بعنف ودخلت.
المشهد أمامها جعل ملامحها تتجمّد للحظة.
المريض، ذاك الذي أنقذته قبل ساعات من موتٍ محقق، كان يطوّق رقبة سرين بيده القوية، أصابعه تغوص في بشرتها، وعيناه تشتعلان بغضبٍ غامض.
سرين كانت تختنق، وجهها يختلط بين الرعب والدموع، لكن لمّا رأت جوليا، لمعت عيناها كسراجٍ في العتمة بارقة نجاة أخيرة.
تنفست جوليا ببطء، وسكونها بدا أكثر رعبًا من صراخه.
تقدمت نحوه بخطوات باردة، ووقفت على بُعد أنفاس منه، ثم مدت يدها وأمسكت بذراعه بقوة جعلت عضلاته تتصلب.
همست بنبرة منخفضة، حادة، تخترق الصمت كالسكين:
“اتركها… هي لم تفعل شيئًا. أنا من أمرتها.”
التفت نحوها ببطء، وعيناه تغيّر فيهما شيءٌ غامض. لم تعد نظرة إنسان أفاق من غيبوبة؛ بل كانت نظرة وحش يفتّش في أعماقها عن ضعف ليكسره. ذلك البرود في عينيه، تلك الحدّة الصامتة… كلها أطبقت عليها للحظة ثقيلة.
ظلّ يحدّق بها طويلًا، يختبر متانتها كمن يزن خصمه قبل الانقضاض عليه. ثم فجأة، وبحركة واحدة، أرخى قبضته. انزلقت سرين على الأرض وهي تلهث كمن نجا من الموت بأعجوبة. تمالكت نفسها بسرعة، وانسحبت من الغرفة بخطوات متعثرة، تستأذن بصوت مبحوح وخافت بالكاد يُسمع.
ظلت جوليا واقفة، لم تتحرك خطوة، حتى عندما أُغلق الباب خلف سرين. ارتسمت على شفتيها نصف ابتسامة باردة، كأنها الوجه الآخر للخطر الذي أمامها.
قالت بصوت منخفض لكنه يحمل صدى تحدٍ واضح:
“أعلم تمامًا ما يدور في رأسك…”
أخرجت مشرطًا صغيرًا من جيب معطفها الأبيض، وأمسكته بثبات لا يرتعش. تقدمت خطوة، ومدّت يدها نحوه كأنها تقدم له السلاح بنفسها:
“إذا كنت تعتبرني تهديدًا… فاقتلني الآن.”
تجهم لوهلة، ثم فجأة… انفجر ضاحكًا.
ضحكة قصيرة، حادّة، تنزف منها سخرية أكثر مما تحمل من مرح، قبل أن يرمي المشرط أرضًا وكأنه شيء عديم القيمة.
“أنتِ مملّة.”
انحنت جوليا ببطء والتقطت المشرط، نظراتها لم تفارقه لحظة واحدة.
أعادته إلى جيب معطفها ببرود متعمّد، ثم قالت بصوت متعجرف يقطر استهزاءً:
“من يراك تتحرك هكذا، لن يصدق أنك كنت تصارع الموت قبل ساعات.”
لم يردّ. اكتفى بابتسامة جانبية ساخرة وهو يدير وجهه عنها، ثم استلقى على السرير وكأن لا شيء يعنيه في هذا العالم.
قال بصوتٍ خفيضٍ أجش، يتخلله أثر الألم:
“ومتى سأخرج من هذا المكان، يا متعجرفة؟”
ردّت ببرودٍ مماثل، وهي تدير ظهرها له متجهة نحو الباب:
“حين يصبح جرحك في حالة جيدة… سأتركك الآن، يا مريضي الطائش. لدي مرضى آخرون لا يحاولون خنق ممرضتي.”
فتحت الباب وغادرت دون أن تنتظر ج
وابًا.
صوت خطواتها كان يتلاشى في الممر المضيء، بينما هو بقي يحدّق بالسقف، والضحكة نفسها الساخرة والغامضة ترتسم مجددًا على شفتيه.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات