Chapters
Comments
- 2 - المناوبة ليلية -2- منذ يومين
- 1 - المناوبة ليلية -1- منذ يومين
استيقظت من غفوتها القصيرة، وكأنها شحنت جسدها استعدادًا لليلة طويلة تنتظرها. مدّت يدها إلى خصلات شعرها المبعثرة، جمعتها على عجل في ذيل حصان، محاولة فرض بعض النظام على تلك الفوضى الصغيرة.
خرجت من غرفة الاستراحة بخطوات متثاقلة، لكن ملامحها ظلت هادئة، باردة، لا تكشف عن أثرٍ للتعب الكامن في عينيها.
كأنها مدفوعة بغريزة مألوفة، اتجهت مباشرة نحو آلة القهوة. ضغطت الأزرار ببطء، واختارت كوبها المفضل: قهوة ممزوجة بالشوكولا.
جلست على الكرسي القريب من الآلة، تراقب البخار المتصاعد من فنجانها كأنه خيطٌ رفيع يربطها بلحظة سكينة عابرة، قبل أن تعود لدوامة الليل.
بينما كانت على وشك إنهاء آخر رشفة من قهوتها، اخترق رنين هاتفها صمت المكان. مدّت يدها إلى جيبها وأخرجت الهاتف، لتتسع شاشة الاتصال باسم مألوف: قسم الإسعاف.
لم يتغيّر تعبير وجهها، أجابت بثبات:
– «معكم الدكتورة جوليا».
جاءها الصوت على الطرف الآخر متوترًا، يلهث بالأنباء الثقيلة:
– «وقع حادث سير ضخم… الإصابات حرجة، سيارات الإسعاف في طريقها إليكم».
في لحظة، أُسدل الستار على هدوء الاستراحة. وضعت فنجانها جانبًا .
استقامت جوليا من مكانها بسرعة، تتسارع خطواتها نحو قسم الطوارئ.
في الغرفة الواسعة، اصطف الأطباء في صف، والممرضات في صف آخر، كما اعتادوا دائمًا حين يستعدّون لمواجهة الطوارئ الكبرى. الترقّب يملأ الجو، والأعين جميعها معلّقة على الأبواب التي ستدخل منها أول دفعة من المصابين.
كانت جوليا آخر الواصلين، وقفت بجانب الدكتور دانييل، جرّاح الأعصاب المعروف بصرامته. ألقى عليها نظرة سريعة، فتأمل ملامحها الثابتة الباردة التي اعتاد أن يراها في أحلك اللحظات.
قال بصوت منخفض يخترق الصخب
– «مبروك نجاحك يا جوليا. رغم معارضة الجميع، كنتِ عكسهم».
التفتت إليه، والتقت عيناه البنيتين بصفاء عينيها الرماديتين، ثم ردّت بابتسامة صغيرة تحمل شيئًا من العتاب:
– «دانييل… هل يجب في كل عملية صعبة أن تردد الجملة نفسها؟»
رفع يده ليمرر أصابعه في شعره البني الباهت، كما لو كان يحاول جمع أفكاره المبعثرة، ثم قال:
– «نعم… لأنني أعلم، لولا مساعدتك منذ أيام التدريب، لكنت فشلت منذ زمن بعيد».
ارتسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة، قبل أن تقول بثبات:
– «فلنستعد إذن… الليلة علينا إنقاذ أكبر عدد ممكن».
بادلها ابتسامة سريعة، ثم أعاد بصره إلى باب الإسعاف، في انتظار أن ينفتح على الفوضى القادمة.
لم تمضِ سوى لحظات حتى انفتح الباب الأخير بعنف، واندفع منه المسعفون مسرعين وهم يجرّون معهم أجسادًا منهكة بالكاد تعانق الحياة. ارتجّت الغرفة بالصراخ، بالأجهزة، وبأصوات الأطباء الذين انغمس كل واحد منهم مع مريضه.
كانت جوليا قد انتهت للتو من إغلاق جرح عميق لأحد المصابين، مسحت العرق عن جبينها، واستعدت للانتقال إلى سرير آخر. في تلك اللحظة، دخل أحد المسعفين وهو يلهث، عيناه تبحثان عن من يفرغ له يديه. ألقى نظرة خاطفة، فرأى أن معظم الجراحين كانوا غارقين في محاولاتهم لإنقاذ مرضاهم… باستثناء جوليا التي فرغت للتو.
اقترب منها بسرعة، صوته يحمل مزيجًا من الرجاء والذعر:
– «دكتورة جوليا! معي حالة خطيرة… إصابة بالغة!»
لم تحتج إلى تبرير أو شرح. وقفت فورًا، نزعت قفازاتها الملطخة بالدماء ورمتها في سلة النفايات الطبية، ثم أسرعت نحوه بخطوات حاسمة، عيناها تتوقدان بالتركيز وكأنها تغلق على نفسها كل ما حولها سوى المريض المنتظر.
أمسكت جوليا بحافة السرير المتنقّل، اقتربت منه بسرعة وهي تدقق حالة المريض من رأسه حتى قدميه بعين خبيرة. كان شابًا في ملامحه، فكّه حاد، شعره أسود فاحم، وجسده رياضي يشي بالقوة رغم أن القميص الأسود الملطخ بالدماء يلتصق بجسده. وسامته لم تكن لتشغل جوليا لحظة واحدة؛ كل ما يهمها الآن هو إنقاذ حياته.
انحنت أكثر، تراقب أنفاسه المضطربة، ولاحظت فجأة جرحًا غائرًا قرب رئته اليمنى. تمتمت مع نفسها بقلق خافت:
– «هذا خطير… يحتاج إلى عملية فورًا».
رفعت رأسها تبحث بسرعة عن أحد الممرضين ليساعدها، لكن سوء الحظ كان حاضرًا: الجميع ما زالوا منغمسين بمرضاهم، باستثناء سيرين التي أنهت للتو حالة أخرى.
زفرت جوليا بنفاد صبر، ثم نادت بصوت حازم لا يقبل التأجيل:
– «سيرين، جهّزي قسم العمليات حالًا… وكوني مستعدة أنتِ أيضًا».
تجمدت سيرين لوهلة، وقد ارتسمت على وجهها علامات الدهشة، لكن نظرة الغضب المشتعلة في عيني جوليا كانت كافية لدفعها إلى التحرك. التزمت الصمت، وأسرعت نحو التحضير دون أن تجرؤ على طرح سؤال واحد.
دفعت جوليا السرير بسرعة عبر الممرات حتى وصلت إلى قسم العمليات. ما إن أدخلته حتى ارتدت ثوب الجراحة وقفازاتها بخطوات سريعة محسوبة.
في الداخل، كانت سيرين ترتب أدوات الجراحة بدقة، لكن عينيها لم تكفا عن الانزلاق إلى وجه المريض الوسيم المستلقي على الطاولة، مغمض العينين كأن النوم ابتلعه قسرًا.
اقتربت جوليا منه بعد أن تم وصله بالأجهزة، فلاحظت فورًا أن النزيف أفقده كميات كبيرة من الدم. رفعت رأسها وأمرت بصوت حازم:
– «سيرين، أحضري كيسين من الدم حالًا».
وبينما كانت تنتظر عودتها، وقع بصرها على طرف قميصه الممزق. ترددت لحظة، لكن فضولها المهني والحسي دفعها لتمزيقه بقسوة محسوبة.
توقف الزمن للحظة وهي تحدّق بما انكشف أمامها: وشم محفور بدقة مذهلة على كتفه الأيسر… خنجر يلتف حوله ثعبان، يمر من خلال وردة سوداء مشقوقة. لم يكن مجرد وشم عابر؛ كان شعارًا… علامة مميزة يعرفها القليل.
انحبس نفسها، وشعرت للحظة أن الغرفة ضاقت بها. أزاحت قفازها الأيمن ببطء، كأنها تتخلى عن طبقة حماية، ومدت أصابعها لترتجف فوق الوشم دون وعي منها. حرارة جسده المصاب اخترقت برودتها المعتادة، وعيناها الرماديتان تجمدتا على ذلك النقش المريب.
همست بشفتيها بالكاد تسمع نفسها:
– «…مافيا».
في تلك اللحظة عادت سيرين وهي تحمل ما طلبته، لكنها التقطت همس جوليا، لتتسع عيناها دهشة:
– «جوليا… لماذا نساعد شخصًا مثله؟»
استدارت جوليا نحوها بسرعة، نظراتها حادة كالشفرة، لكنها لم تجد الوقت للرد. صوت الجهاز الطبي ارتفع بإنذارٍ متقطع، يخبرها أن حالة المريض تزداد سوءًا بسرعة.
عادت بعينيها إلى المريض، وصوتها خرج صارمًا، غاضبًا، لا يقبل جدالًا:
– «سيرين، قومي بعملك… دون أي نقاش. حالًا!»
أمسكت جوليا المشرط بيد ثابتة، اقتربت أكثر من الجرح الغائر وهي تدقق فيه بعينٍ خبيرة. شيء ما في عمق الجرح لفت انتباهها. رفعت رأسها قليلًا وقالت لسيرين:
– «صوّبي الضوء هنا… بسرعة.»
مالت سيرين بالضوء على الجرح، فظهرت الحقيقة: لم تكن شظايا زجاج كما اعتقدت في البداية، بل… رصاصة مستقرة في مكان حرج. شدّت جوليا أنفاسها وقالت بحزم:
– «أعطيني الملقط.»
مدّت سيرين يدها المرتعشة بالملقط، يدها ترتجف أكثر كلما اقتربت جوليا من الرصاصة. أخذته جوليا منها بثبات وقالت بنبرة حادة:
– «توقفي عن الحماقة، إنه مغمى عليه ولن يسمع شيئًا.»
بدأت جوليا تحاول استخراج الرصاصة ببطء، حركتها محسوبة، كل ثانية تمرّ ثقيلة. الرصاصة مغروسة في مكان خطير؛ أي انحراف بسيط قد يكون قاتلًا. وأخيرًا، بعد جهد شاق، تمكنت من إخراجها، رمتها في الصحن المعدني ثم أغلقت الجرح بسرعة ودقةوهدوء . أعادا استقرار المؤشرات الحيوية.
سحبت القناع عن وجهها، وزفرت نفسًا عميقًا. لكن عينيها ظلّتا مشدودتين نحو الوشم الذي رأته قبل قليل، وكأن وجوده وحده يثقل الهواء من حولها.
بصوت خافت متردد، تجرأت سيرين على الكلام:
– «…جوليا، قلتِ مافيا. هل يمكن أن يكون…؟»
لم تدعها تكمل. استدارت جوليا فجأة، تقدمت نحوها بخطوات صاخبة على الأرضية المعقمة. أمسكت بمعصمها بقوة جعلت وجه سيرين يشحب، ثم دفعتها بثبات نحو الحائط. اقتربت منها حتى صارت أنفاسها الباردة تلسع وجنتيها.
قالت بصوت منخفض، لكنه أشد وقعًا من الصراخ:
– «اسمعي جيدًا. إن خرجت هذه الكلمة من فمك لأي مخلوق على وجه الأرض… فلن يجد أحد لكِ أثرًا بعد ذلك. مفهوم؟»
امتلأت عينا سيرين بالدموع، وهزت رأسها سريعًا. أطلقت جوليا سراح يدها فجأة، فسقطت سيرين جالسة على الأرض، تلهث من الرعب، بينما ظلّت تحدّق في طبيبتها بدهشة وخوف.
وقبل أن تغادر، التفتت جوليا بنظرة جامدة، قائلة ببرود قاتل:
– «انقليه إلى غرفة بعيدة عن بقية المرضى. ولا تنسي… ما قلته لكِ».
ثم نزعت قفازاتها وثياب
العملية بحركات محسوبة، وخرجت من غرفة العمليات، متجهة بخطوات واثقة إلى غرفة الإسعاف، كأن شيئًا لم يكن.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات