أو ربما لم يُركل فعلاً، بل كان أحدهم يطرق عليه بحماسة شديدة.
ما زلت مشوشًا من النوم، نهضت من السرير وارتجفت من برودة الصباح… أو لعلها كانت الظهيرة بالفعل؟ كان رأسي ينبض من صداع بسبب الكحول، وفمي جاف كأن مخلوقًا صغيرًا زحف إليه ليموت هناك.
كمقدمة ليومٍ جديد، لم يكن هذا الصباح مثاليًا.
“قادم!”
توقف الطَرق. بدأت أتحسّس الأرض بحثًا عن بنطالي، لكنني شهقت من الألم حين شعرت بحرق مؤلم في كفّي اليسرى. كان هناك جرح محترق، في المكان ذاته الذي لامس فيه جلدي جسد الرجل ذي العينين الزرقاوين الساخن كالجمر.
اللعنة… لقد حدث ذلك فعلًا.
ارتديت بعض الملابس، محاولًا أن أبدو مقبول المظهر، ثم فتحت الباب.
“هاي مات! استيقظ وتألق!”
رمشتُ بضع مرات وأنا أحدّق في “كلير” الواقفـة على عتبة بابي، محاولًا أن أقرر إن كانت حقيقية أم مجرد هلاوس. ثم رفعت يدي تلقائيًا لترتيب شعري.
“نيكي، النادلة؟ مررتُ على الحانة صباحًا، ولم تكن هناك، فحدثتُها قليلًا. تبدو لطيفة! على أي حال، سألتها عن عنوانك، فبحثت عنه وأخبرتني.”
عبستُ قليلًا.
“هي فقط… أخبرتكِ أين أعيش؟”
“أكيد! ولمَ لا؟ هل هو، نوعًا ما، سرّ كبير؟”
ربما لم يكن كذلك. لم أحاول يومًا إخفاءه، فهو مسجل في ملف عملي. فقط… ليس من المعتاد أن يأتي أحد إلى منزلي.
“هل ستدعني أدخل أم لا؟”
نظرتُ خلفي بسرعة، أحاول تذكّر إن كان في شقتي ما يفضحني، كعلامة نيون ضخمة مكتوب عليها “احذر! شبح بالداخل”. بالطبع، لم يكن هناك شيء من هذا القبيل، فتنحّيت جانبًا.
“بالطبع، تفضّلي.”
دخلت، وهي تجرّ الصندوق معها، وأخذت تتفحص المكان بفضول.
“مرحبًا بكِ في مسكني المتواضع، على ما أظن.”
لم تكن شقتي مثيرة للإعجاب. غرفة واحدة ومطبخ. الغرفة شبه فارغة: سرير، خزانة ملابس، مكتب يغرق في فوضى مكعبات الألغاز، كرسي، ورف كتب. الكتب متناثرة في كل مكان: على الأرض، فوق الخزانة، حتى إنها تسند رجل السرير المكسورة.
عدتُ إلى السرير وأخرجت دفترًا أسود من تحت الوسادة، وبين صفحاته قلمًا.
“ما الذي تكتبه؟”
نظرتُ إليها سريعًا، محاولًا ألا أفقد تركيزي.
“إنه دفتر أحلامي.”
“دفتر… أحلامك؟”
تمكنت من تدوين آخر بقايا الحلم قبل أن تتلاشى من ذهني، ثم تنفست بارتياح.
“نعم.”
“ولماذا بحق السماء؟”
الجواب الصادق هو أنني خائف من نسيان أحلامي. سمعت أن المرض يبدأ هكذا— مجرد شائعة، ربما، لكنها منتشرة. كثير من الأشباح الذين أعرفهم يوثّقون أحلامهم بطريقة أو بأخرى. أحيانًا أكتبها، وأحيانًا أرسم وجوهًا أو أماكن رأيتها.
لكنني لم أستطع أن أخبر “كلير” بذلك، فما الذي يدفع شخصًا عاقلًا لأن يكون مهووسًا بأحلامه؟
“إنه… أمر ممتع فحسب، كما تعلمين.”
ضحكت بسخرية.
“هل يمكنني قراءته؟”
ارتجفتُ لمجرد الفكرة.
“ليس من الجيد أن تفعلي ذلك.”
لمعت عيناها بمكر.
“لماذا؟ هل حلمتَ بشيء فاضح؟”
“ماذا؟ لا…”
“بشخصٍ أعرفه ربما؟”
“ليس كذلك إطلاقًا!”
“فمك يقول (لا)، لكن عينيك تقولان…”
“لا تقولان شيئًا!”
قهقهت.
“اهدأ يا مات، كنت أمزح فقط. لا أرغب فعلًا بقراءة أحلامك المنحرفة.”
“حسنًا، جيد. على أي حال…”
تنفستُ بعمق محاولًا استعادة زمام الموقف. أولًا، كن مهذبًا — قدّم لها… مشروبًا؟ ثم اكتشف سبب قدومها.
لماذا جاءت أصلًا؟ دون سابق إنذار؟ وجود “كلير” بجانب سريري جعل أفكارًا معينة تومض في رأسي، حاولت تجاهلها. كل رجل يعرف أنه لا ينبغي الوثوق بتلك الأفكار…
إلا أحيانًا؟
“هل… تريدين قهوة؟”
نظرت إليّ بريبة.
“لماذا؟ تنوي تسميمي؟”
آه، صحيح… “كلير” لا تثق بقهوتي.
“بالمناسبة، هذا الصندوق ثقيل بجنون! وكنتُ أحمله لنصف يوم، وأنا الآن أكاد أموت من الجوع. هل لديك طعام بشري؟ أم أنكم، أنتم روبوتات الفضاء، تشحنون أنفسكم من مقبس الكهرباء؟”
طعام؟ يمكنني تدبير ذلك.
“سأعدّ شيئًا. ما رأيك بالبيض المقلي؟”
“مثالي!”
ابتسمت، وخلعت سترتها وجلست على الكرسي.
“ماذا تنتظر إذن؟”
“حسنًا.”
أعدت دفتر الأحلام تحت الوسادة، واتجهت إلى المطبخ. وضعت الغلاية والمقلاة على الموقد، وفتحت الثلاجة.
“كم بيضة؟”
“كم لديك؟!”
رائع.
كسرت البيض وسكبته في المقلاة، ثم عدت إلى الغرفة. كانت “كلير” تتأمل مجموعة مكعباتي بنظرة غريبة.
“يومًا ما سأعرف سر هوسك بالأشكال الهندسية يا مات.”
هززت كتفي.
“إنها مجرد وسيلة للاسترخاء.”
“لا، لا أصدقك. ما هذا الشيء تحديدًا؟”
وأشارت إلى مكعب ذهبي غير محلول، يلمع وسط الطاولة كفوضى من شظايا المرايا أو بركة ذهبية مجمّدة وسط خللٍ مغناطيسي. جميل، بل مهيب. وفي حالته المحلولة، يعود ليصبح مكعبًا أنيقًا متناسق الشكل.
“هذا يُدعى المكعب الذهبي.”
“ماذا؟ لا يمكن أن يكون هذا الشيء له علاقة بأي مكعب!”
“بل له علاقة فعلًا. إنه أقرب إلى مكعبٍ مائل اكثر من النوع التقليدي، أو بالأحرى مكعب فائق الميلان. الفكرة أن القطع ليست ملوّنة، بل لكل منها شكل هندسي فريد، لذلك لا يوجد سوى وضع واحد صحيح لكل قطعة. يبدو معقدًا، لكنه ليس صعبًا جدًا في الحقيقة.”
“لا أصدقك.”
تنهدت والتقطت المكعب الذهبي. وبعد دقيقة من العبث، أعدته إلى هيئته المثالية المتناسقة.
“أرأيتِ؟”
“آه، نعم. أرى أن (يساعدني على الاسترخاء) كانت كذبة واضحة!”
التعليقات لهذا الفصل " 8"