3
بحلول الوقت الذي خرجت فيه من المستشفى، كنت في حالة من الذعر الكامل.
بالنسبة لمعظم الناس، يُعدّ ارتكاب الأخطاء جزءًا طبيعيًا من الحياة. إنه أمر مزعج، ولكنه لا يُثير الذعر. أما بالنسبة لنا، فالأمر مختلف: في كل مرة نفشل في القيام بشيء نعتقد أنه كان ينبغي علينا القيام به، يرنّ جرس إنذار في أذهاننا متسائلًا:
“هل هو مجرد خطأ، أم أنه علامة على ما هو أسوأ بكثير؟”
هل هو المرض؟
لكل شبح طقوس صغيرة لاختبار الأعراض. هذه الطقوس ليست موثوقة دائمًا، لكنها أفضل من لا شيء. كانت أمي تعزف على البيانو. أتذكر عزفها لي كل يوم، مبتسمةً، وأصوات الموسيقى القديمة الجميلة تتدفق في شقتنا الصغيرة وفي داخلي. كانت تلك اللحظات مميزة بالنسبة لي، تكاد تكون سحرية.
لكنني أتذكر أيضًا تدهور مهاراتها، وبطء ألحانها وتذبذبها، وتكسرها، حتى لم أسمع في يوم من الأيام سوى ضوضاء نغمات غير متناسقة. وتحولت ابتسامتها إلى ارتباك، ثم إلى رعب. هكذا عرفنا.
علّمتني العزف أيضًا، لكن بعد رحيلها، لم أعد أستطيع الاقتراب من البيانو، ناهيك عن لمسه. ابتكرتُ طقسي الخاص، بعيدًا كل البعد عن طقسها. لكن مرّ وقت طويل منذ أن شعرتُ بالحاجة إلى استخدامه.
تجوّلتُ في الشوارع باحثًا عمّا أحتاجه، حتى لاحظتُ لافتةً ملوّنةً فوق بابٍ زجاجي. رنّت أجراس متجر الألعاب عندما دخلتُ، فرمقني عددٌ من الزبائن، معظمهم من النساء، بنظراتٍ خاطفة. كان العثور على ما أبحث عنه سهلًا: مكعب روبيك بسيط في غطاءٍ بلاستيكي. اشتريتُه بالنقود المعدنية من جيوبي، وخرجتُ مسرعًا.
أخذتني قدماي إلى ضفاف البحيرة، حيث كانت المياه الرمادية تتجمد تحت سماء غائمة. جلست على مقعد وفتحت المكعب وأنا متوتر. كانت يداي ترتجفان بشدة.
استغرقني الأمر بضع دقائق من التنفس لأهدأ قليلًا. حرّكتُ المكعب، محاولًا تجاهل شعور الخوف الذي يتصاعد في صدري. هناك طريقتان لحل مكعب روبيك: الأولى هي الارتجال، والثانية هي الحفظ. الخوارزميات التي تحتاج إلى حفظها ليست صعبة، وإذا تدربت لفترة كافية، ستتذكر عضلاتك ما يجب فعله. لكنني كنتُ حريصًا جدًا على عدم تعلم الخوارزميات. بالنسبة لي، كان حل مكعب روبيك تمرينًا على التفكير ثلاثي الأبعاد وخلق تجريدات ذهنية. وهما من أول الأشياء التي تفقدها عندما يتسلل المرض إلى عقلك.
لذا، ربما، إذا تمكنت من حل مكعب روبيك، فأنا بخير.
أخيرًا، تنهدت وبدأت العمل. تسبب العرق البارد على عمودي الفقري. بعد دقائق قليلة، انتهى المكعب.
كان رجل عجوز يمرّ. لوّحت له بيدي ورفعت اللعبة.
“عذرًا يا سيدي، هل فاتني أي مربعات؟”
ألقى نظرة.
“لا يبدو كذلك. أحسنت يا فتى!”
كان من الصعب وصف شعوري بالارتياح.
“شكرًا لك.”
استندتُ إلى الوراء وأخذت نفسًا عميقًا من الهواء. كان العالم من حولي حادًا ومنعشًا. فجأة، شعرتُ بالراحة. راحة حقيقية. كل شيء بدا رائعًا: البرد، رائحة الثلج القادم، صرخات طيور النورس التي تحتفل بيومٍ آخر من الطيران والصيد… ومن الحياة نفسها.
إنها الأشياء الصغيرة التي تجعلك سعيدًا.
“واو، لم أرَ أحدًا من قبل يغترّ بنفسه هكذا بعد أن حلّ لعبة أطفال.”
رفعت بصري متوقعًا أن أرى الرجل العجوز الذي طلبت منه التأكيد، لكنه كان قد ابتعد عشرين مترًا. وبدلًا من ذلك، رأيت الفتاة من هذا الصباح، تلك التي ابتسامتها شتّتت تركيزي أثناء الاختبار. في مزاجي الجيد، لم تعد تبدو عادية كما ظننتُ في المرة الأولى؛ بل كانت جميلة نوعًا ما.
وهذا أربكني أكثر من رؤيتها هنا أصلًا.
“أنا أعرفك.”
“بالطبع شارلوك! لقد سكبتَ لي أسوأ كوب قهوة شربته منذ أن كلفت أمي نفسها تشغيل ماكينة القهوة آخر مرة قبل أربع سنوات.”
جلستُ مستقيمًا، متلعثمًا قليلًا لا أعرف ماذا أقول. قد أكون شبحًا، لكن الفتيات الجميلات يجعلْنني أتصرف كالأحمق تمامًا مثل أي إنسان عادي.
“إن كنتِ تودين أن تعرفي، فقهوتي هي الأفضل. وهذه ليست لعبة، إنها لغز. خذي، جربيها.”
قدمتُ لها المكعب، لكنها لم تأخذه.
“ربما لو شربتُ قهوةً عادية هذا الصباح كنت سأفعل.”
كانت ترتدي بنطال جينز أسود ممزقًا، وقميصًا عليه شعار فرقة موسيقية، وكنزةً قطنية دافئة مفتوحة رغم البرد. كانت تبدو متمرّدة وجريئة، بينما كنتُ أنا أبدو كالأبله، جالسًا على المقعد ويدي ممدودة.
“إذًا، هل هذه هي طريقتك؟ ساقٍ في الليل، وغريب الأطوار مولع بالألعاب في النهار؟”
تلك الابتسامة مجددًا.
أعدتُ مكعب روبيك إلى جيبي.
“نعم، بالضبط أنا كذلك. أليس من المفترض أن تكوني في الجامعة بالمناسبة؟ بدلًا من إزعاج المنحرفين الأبرياء عند ضفة البحيرة؟”
خمّنتُ أنها طالبة جامعية، والجامعة قريبة من هنا، ما قد يفسر كيف التقيت بها مرتين في يوم واحد.
“لا، سأتغيب عن المحاضرات اليوم. إنه ذنبك، لم أستطع التركيز على أي شيء بعد تلك القهوة الفظيعة. لكن لا تقلق، أنا أذهب إلى الجامعة كخطة احتياطية فقط. طموحي الحقيقي هو أن أصنع لنفسي مهنة كساحرة خيّرة. أو ربما أبدأ بطائفة.”
جلست على المقعد وأخرجت علبة سجائر من مكانٍ ما في سترتها، تبدو مرتاحة ومتصالحة مع العالم مثل راهبٍ بوذيٍّ يتأمل على قمة جبل في الهملايا.
“أنا كلير، بالمناسبة.”
ابتسمتُ رغم عني.
“تشرفت بلقائك، كلير. أنا 016.”
وفقط عندما رأيت ظل الحيرة على وجهها، أدركت أنني استخدمت رقمي في الـPA بدلًا من اسمي الحقيقي. تجمّدت ابتسامتي للحظة.
“هذا رقمي التسلسلي. كما ترين، عملي كنادل مجرد وظيفة جانبية. أنا في الحقيقة روبوت فضائي أُرسل إلى الأرض ليتسلل إلى الجنس البشري. يسمّيني سكان الأرض ماثيو.”
“واو، مات. أنت أسوأ متسلّل في التاريخ، تفضح أسرارك المهمة أمام غريب.”
أشعلت سيجارتها ونظرت إليّ بعينيها المتألقتين بالمرح.
“إذن أخبرني، ما موقف أسيادك الفضائيين من الساحرات المبتدئات؟ أو قادة الطوائف الهواة؟”
_____
>كلير نادت ماثيو “بشارلوك” كنوع من السخريه لأنه قال شي واضح جداً، وكأنه اكتشف شي عظيم مثل شارلوك هولميز عندما يكتشف شيء.
ثرثرة:ماثيو جاب العيد وقال لكلير رقم هويته كشبح بس رگعها بسرعه خارقه😂
تحسوا ممكن تشك بهويته بسبب هذا؟
Chapters
Comments
- 4 - طويل أسمر ووسيم منذ ساعتين
- 3 - كلير منذ 11 ساعة
- 1 - الحامي منذ يوم واحد
- 1 - حلم شبه منسي منذ يومين
التعليقات لهذا الفصل " 3"