1
شعرتُ بالضعف وأنا أرتدي ثوب المشفى، فجلستُ على أحد الكراسي. قبل ظهور ممرضتان ترتديان كمامتين جراحيتين في الغرفه. دون أن تنظرا إليّ، قامتا على عجل بالروتين المعتاد: أخذتا عينة دم، وقاستا نبضي وضغط دمي، وأخذتا مسحات من داخل خدي لأخذ عينات من الحمض النووي، ووضعتا أجهزة استشعار على صدغي وصدري. ثم اختفيتا بهدوء.
لكن كان كل هذا مجرد تمثيلية، في الواقع. بحلول الوقت الذي يمكن فيه اكتشاف المرض تحت المجهر، يكون قد فات الأوان. يأتي الاختبار الحقيقي بعد مغادرة الممرضتين، وهذا هو الجزء الذي يجب أن أقلق بشأنه.
فُتح الباب، ودخلت امرأة تحمل كوبًا من الماء. كانت في أوائل الثلاثينيات من عمرها، بشعر داكن وبشرة فاتحة. كانت ملابسها، كعادتها، عملية وبسيطة: عادية بما يكفي لتناسب مبنى مكتب، لكنها أنيقة بطريقة ما.
“مرحبًا، 016. اسمي إليزابيث.”
لم يكن اسمها إليزابيث في الحقيقة. يُزعم أن بعض الأشباح لديهم القدرة على التلاعب بأفكار الناس من خلال علم اللغة العصبية، ومعرفة اسم الشخص تُسهّل الأمر. لهذا السبب، لا يكشف الحماة عن أسمائهم أو أي تفاصيل شخصية عامة للأشباح. كانت هذه المرأة مسؤولة عني طوال السنوات الثلاث الماضية، وفي كل لقاء، كانت تُطلق على نفسها اسمًا جديدًا. خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت ماري وآني ولوريل. ما لم يتغير هو طريقة مخاطبتها لي.
016 هو رقم هويتي كشبح. اسمي الحقيقي ماثيو، لكنها لا تستخدمه أبدًا. لدى الحماة بروتوكولات تمنع تخصيص أجنحتهم، مع أن قليلين يلتزمون بها بدقة. منذ الثواني الأولى من الاختبار، لم يكن هناك تكافؤ بيننا: كانت تعرف اسمي لكنها اختارت عدم استخدامه، ولم أستطع مناداتها باسمها الحقيقي حتى لو أردت.
كانت تعرف كل شيء تقريبًا عني، ومع ذلك لم أكن أعرف عنها شيئًا تقريبًا. كانت الحامية مراوغة؛ فطرتها المتقلبة تتجاوز مجرد تغيير الأسماء. كانت تُغير لهجتها وسلوكها باستمرار. أحيانًا كانت تكتب بيدها اليمنى، وأحيانًا أخرى بيدها اليسرى. في إحدى المرات، لاحظت صليبًا فضيًا صغيرًا معلقًا بسلسلة حول رقبتها، وفي المرة التالية اختفى. أصبحت محاولة جمع المعلومات الصغيرة عنها هاجسًا صغيرًا لدي، لكن محاولتي باءت بالفشل.
ومع ذلك، كنتُ أعرف ما يكفي لأتساءل: أي نوعٍ من الأشخاص سيقبل بهذه الوظيفة؟ في كل مرة تدخل فيها غرفةً مع شخصٍ مثلي، تُعرّض حياتها للخطر. شبحٌ غاضبٌ قد يقتلها بمئةِ طريقةٍ مريعة، ولن يوقفه شيء. من سيتطوّع لمواجهة ذلك؟ ومن سيستطيع مواجهة الموت بهدوءٍ وراحةٍ ويبدو مُسترخيًا كذلك؟
كانت الإجابة التي توصلتُ إليها بسيطةً لكنها مُقلقة: قاتلٌ بدمٍ باردٍ سيفعل ذلك.
“مرحبًا، إليزابيث.”
وضعت كوب الماء أمامي وجلست. كان هناك صندوق معدني أسود إلى جانبها على الطاولة. فتحته وأخرجت عدة أشياء: صندوقًا بلاستيكيًا شفافًا بداخله برادة حديد، قطعة صغيرة من الزجاج الملوّن، رزمة أوراق مطبوعة، وأخيرًا دفتر ملاحظات عادي وقلم حبر.
“كيف تشعر اليوم؟”
تحركتُ في مقعدي.
“بخير، شكرًا لكِ.”
ابتسمت ابتسامة مهذبة، وفتحت دفترها وارتدت نظارات قراءة أنيقة. كانت النظارات جديدة، وبقدر علمي، كانت الحامية تملك نظرًا مثاليًا. لكن، مجددًا، أنا لا أعرف شيئًا عنها.
أخذت أول ورقة من الرزمة وقرّبتها من وجهها.
“هل نبدأ؟”
يبدأ الاختبار بسلسلة من الأسئلة. الأسئلة تختلف في كل مرة، وتبدو بلا معنى في ظاهرها.
“آشلي فنانة. تُحب المانجا. هل جميع الفنانين يحبون المانجا؟”
بعد كل إجابة، كانت الحامية تكتب شيئًا في دفترها، ثم تقرأ السؤال التالي.
الغرض من هذه الأسئلة هو اختبار قدراتي الإدراكية. هذا ليس اختبار ذكاء، فهي لا تحاول تحديد قدرتي العقلية، بل جودة ذهني. المرض يعبث بطريقة تفكيرنا، ولذلك كانت الحامية تختبر عقلي لتتحقق من قدراتي المنطقية، الترابطية، التجريدية، والاستجابة العاطفية، وما إلى ذلك.
اليوم سار كل شيء كما المعتاد. الأسئلة تدفقت، غريبة ومربكة كعادتها، وبعد فترة توقفت عن التفكير. وهذا طبيعي، فالفحص مُصمَّم ليجعلك تجيب بشكل غريزي. لا توجد طريقة لمعرفة الإجابة الصحيحة على أي حال.
“تخيل هرمًا مصنوعًا من الذهب. في أسفل الهرم، هناك عبيد يعبدون إلهًا مزيفًا. ماذا يوجد داخل الهرم؟”
أخيرًا، انتهت الرزمة وبقيت ورقة واحدة فقط على الطاولة. لكن الحامية لم تأخذها. بدلًا من ذلك، مالت نحوي وقالت:
“ثلاثة وعشرون شخصًا قُتلوا على يد شخصٍ شبح. كم بقي على قيد الحياة؟”
أجبت بشكل آلي:
“واحد.”
رفعت حاجبها، وخفق قلبي بقوة. فجأةً أصبحتُ مدركًا جدًا لضيق غرفة الاختبار وهدوئها المريب.
“اشرح طريقة تفكيرك.”
تجمدتُ في مكاني.
“لقد وصفتِ موقفًا يتضمن أربعةً وعشرين شخصًا: ثلاثة وعشرون ضحية، والقاتل. القاتل ما زال حيًا.”
نظرت إليّ الحامية لبضع لحظات ثم ابتسمت. كانت تبدو راضية، ولم يُعجبني ذلك.
“حسنًا، لننتهِ الآن.”
دفعت نحوي الصندوق الشفاف. جعلتُ برادة الحديد تتحرك بداخله. كانت قطعة الزجاج الملوّن حمراء، فجعلتُها تظهر بلونٍ أزرق لمدة عشر ثوانٍ. كان كوب الماء هو الأخير.
“أريدك أن تجعل الماء في هذا الكوب يغلي، 016.”
وضعتُ إصبعي على حافة الكوب وبدأتُ أتتبعه ببطء.
استخدام القدرة أمر يصعب وصفه. يشبه محاولة شرح كيفية الحفاظ على التوازن: أنت فقط تفعلها. لكن بعض الناس يتمتعون بتوازن أفضل من غيرهم، والأمر نفسه ينطبق على القدرة. تتجلى بطريقة مختلفة في كل شبح، وبقوة مختلفة. أغلبهم من الفئة التاسعة، بقدرات أولية بسيطة. سيستغرق منهم الأمر بضع ساعات لغلي كوب ماء. كلما ارتفعت الفئة، زادت القوة. الأشباح من الفئة السادسة يمكنهم إنجاز ذلك في حوالي خمس عشرة دقيقة مثلًا، لكنهم نادرون جدًا.
وبدايةً من الفئة الثالثة، يُعتبر الأشباح غير آمنين للبقاء ضمن السكان. إذا علمت منظمة the PA أنك من الفئة الثالثة، ستختفي. البعض يقول إنهم يُنهون حياتهم، والبعض الآخر يقول إنهم يرسلونهم إلى مختبر سري لإجراء تجارب عليهم. لا أحد يعرف الحقيقة، لكن الأمر المؤكد هو أنه بمجرد وصولك إلى الفئة الثالثة، تكون قد انتهيت.
لهذا كان عليّ أن أكون حذرًا جدًا في ألّا أجعل الماء يغلي بسرعة كبيرة. يجب أن أبدو أضعف مما أنا عليه، لكن هذا ليس سهلاً. فالحامية تراقب نشاطي الدماغي أثناء الاختبار، وستلاحظ إن حاولت التظاهر. لذلك، أقسم عقلي إلى أقسام: بعض الأجزاء ترفع الحرارة، والأخرى تخفضها في الوقت نفسه. الماء يسخن ببطء، ومسح الدماغ يُظهر أنني أعمل بأقصى طاقتي.
أمي علمتني هذه الحيلة. كانت قوية، لذا كان عليها خداع منظمة the PA لتظن أنها ليست كذلك. في أفضل حالاتها، كانت قادرة على الحفاظ على ثلاث مجموعات من التأثيرات الذهنية. لكن قدرتها كانت أضعف من قدرتي. كان عليّ أن أتعلم الحفاظ على ثماني مجموعات، وهذا، بقدر علمي، يضعني في أعلى قائمة التهديد لدى المنظمة.
ولهذا كانت حياتي تعتمد على ألا يكتشفوا مدى قوتي الحقيقية.
تخيل أنك تكتب جملًا مختلفة في وقت واحد بكلتا يديك. الآن تخيل أن لديك ثمانية أزواج من الأيدي وعليك فعل الشيء نفسه بهم. لذا كان عليّ أن أركّز بشدة حتى لا يغلي ذلك الماء اللعين بسرعة.
وانا افعل هذا تذكرت الفتاة من الحانة مجددًا. ابتسامتها المبتهجة، الجميلة، الواسعة، الصادقة. لا أذكر أنني ابتسمت بتلك السعة منذ أن أُصيبت أمي بالمرض. وحتى قبل ذلك، كانت الابتسامات مثل ابتسامتها نادرة…
انفجار ألمٍ حارقٍ اجتاح يدي. ابتعدت عن الكوب بسرعة، أنظر بذهول إلى الماء الذي يغلي بغضبٍ بداخله. البخار الساخن الذي أحرقني جعل نظارات الحامية تتكاثف بالبخار.
هي أيضًا كانت متفاجئة، رغم أنها تمالكت نفسها أفضل مني.
لم يكن من المفترض أن يحدث ذلك.
“حسنًا، كان ذلك سريعًا نوعًا ما، 016.”
نظرت سريعًا إلى الساعة الإلكترونية المعلقة فوق الطاولة. تسع دقائق وأربع وخمسون ثانية — أسرع تقريبًا بمرتين مما خططتُ له. اللعنة!
“يبدو أن قدرتك تنمو، أليس كذلك؟”
لم يكن هذا أمرًا غريبًا في سني، لكنه أفسد الجدول الذي خططتُ له بعناية. سأضطر لتعديل الكثير من الأمور.
“واو، نعم، غريب.”
خلعت نظارتها وأغمضت عينيها.
“لنحاول مرة أخرى في المرة القادمة. شكرًا لوقتك.”
_____
للي ما فهم المرض يخلي الأشباح مجانين .لذا الغرض من هذه الأسلئه معرفة الصحه العقلية للشبح، مثل لو اجاب ماثيو ان كل الفنانين يحبون المانجا ولي هي اجابه غير منطقيه بيكون وقتها بنسبه كبيره مصاب بالمرض
ثرثرة: أحب الحامية من شخصيات المفضلة بالرواية، والأشباح مساكين نوعًا ما. الرواية خلتني أفكر بباقي الروايات الفانتازيا، وكيف بيكون أصحاب القدرات الخارقة فقط أشخاص مخيفين ومكروهين عند الناس إذا ماكو وحوش يقتلونهم أو سبب يخلي البشر بخطر، وهم الوحيدين اللي يقدرون يدافعوا عنهم. بدون هذا بيكون بلا فائدة، فقط خطرون
Chapters
Comments
- 1 - الحامي منذ 11 ساعة
- 1 - حلم شبه منسي منذ 15 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 1"