انتهى بنا المطاف في مطعم صغير يبعد بضعة مبانٍ عن نادي الأشباح. كان شبه فارغٍ، فلم نحتجّ للخوف من أن يُسمع احد حديثنا.
طلب ميكي قليلاً من البطاطا المقلية وبيرة رخيصة، ثم نظر إليّ بفضولٍ واضح.
“إذًا. أنت تحت حمايتها أيضًا، أليس كذلك؟ هل تعرف ماذا يعني ذلك؟”
افترضتُ أنه يقصد الحامية.
“ماذا تعني؟”
“يعني أنك مثلي. قوي جدًا. ما تصنيفك، الفئة السادسة؟”
أومأت برأسي.
“شيء من هذا القبيل.”
“أنا من الفئة الرابعة,” قال ذلك بفخر غير مستتر. “لهذا العاهرة نفسها تراقبنا.”
“لا أفهم.”
“حسنًا، في المدينة هناك نحو مئتي شبح، صحيح؟ لكن معظمهم من الفئة التاسعة، لا يضرّون ذبابة. كلهم مربوطون بمرتبات عادية لدى المنظمة. أما أمثالي وأمثالك، نحو نصف دزينة تقريبًا، فنحن محط حماية العاهرة. هي ليست مزحة، يا رجل. عنيفة جدًا مثل فرسانُ الهيكل المعاصرون.”
تحرّكتُ بانزعاج. لم يعجبني أسلوبه الفجّ.
“من أين تعرف كل هذا؟”
“أنا أعرف أشياء كثيرة.”
أخذ علبة البيرة وبدأ باحتسائها بهدوء.
“المعلومات موجودة إذا كنت مجتهدًا للحصول عليها. أحيانًا تكون المسألة سؤالًا صحيحًا يطرَح. أحيانًا تتطلب صبرًا وحدسًا. وأحيانًا انعدام المعلومات هو الذي يخبرك أكثر.”
“وكيف يكون ذلك؟”
“خُذ ما حدث في سياتل، على سبيل المثال. هل سمعت عنه؟”
“نعم. قُتل ثلاثة وعشرون شخصًا.”
“بالضبط. عادة بعد حدث كهذا تندلع هستيريا جماعية، ويخرج البشر على التلفاز متحمسين ليتكهنوا بهوية القاتل. هل رأيت شيئًا من هذا القبيل؟”
تذكرت برنامج الراديو الذي استمعت إليه في الحافلة.
“يبدو أن هناك قدرًا عاديًا من الصخب,” قلت.
“نعم، لكن لا أحد يتكلّم عن هوية القاتل. وهذا يعني أن The PA قمعت الحديث عن الحدث. وهذا يعني أن القاتل ما زال طليقًا، ولا يريدون أن يسبقهم أحد إليه. تفهم؟”
أومأت ببطء.
“هل هكذا عرفت عن الرجل الغريب؟ لكن لماذا تسميه زيرو؟”
تنهد ميكي ونظر إلى النافذة.
“هذا ما يسمونه. زيرو، 0000 هذا رقمه في سجلات المنظمة.”
فوجئت.
“ما نوع هذا الرقم؟”
“خاص. لأن زيرو شبح مميّز.”
صمتُّ لحظة لأستوعب المعلومة.
“بِمَ يتميز؟”
“حسنًا…” وانحنى ميكي للأمام ونظر إلى عيني مباشرة.
“لأنه كان حاميًا.”
قهقهت بسخرية.
“حقًا؟ شبح حامي؟ مضحك.”
هز ميكي رأسه.
“إنه حقيقي.”
عبست.
“هيا. لا يمكن أن يكون. كيف عرفت أنه حقيقي؟”
“لأنه كان حاميّي.”
وصل طبق البطاطا إلى ميكي، فركّز في الأكل بينما بقيت جالسًا بلا حراك أحاول استيعاب ما سمعت. أخيرًا لم أعد أحتمل الصمت.
“هيا، أنت تمزح. لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا.”
مسح ميكي شفتيه بمنديل.
“اسمع، أنا أقول الحقيقة. أتعرف كيف تأسست منظمة The PA، أليس كذلك؟”
“بالطبع. بعد تفكيك حركة الطهارة احتاجوا إلى إعادة دمج السجناء من الأشباح داخل المجتمع. انعقدت قمة عالمية، وأعيدت كتابة القوانين، وأُنشئت المنظمة لتطبّق هذه القوانين: حماية الأشباح من البشر، وحماية البشر من الأشباح. يعلمون ذلك في المدارس.”
ابتسم ميكي بسخرية طفيفة.
“تلك القوانين كانت غامضة للغاية. لم يعرف أحد كيف يتعامل مع الناجين، فقرروا ما يجب فعله، وتركوا الـ ‘كيفية’ مفتوحة. لذا المنظمة ارتجلت في سنواتها الأولى.”
كان ذلك صحيحًا بالفعل.
“وما بلغوا إليه هو النظام الذي نعاني منه الآن: الاختبارات، والحُمَاة، والسجلات، وكل ذلك. لكن ما ينساه الناس هو أنه كان من المقرّر أن يكون إجراءً مؤقتًا حتى يجدوا حلًا أفضل. لكنهم لم يفعلوا. ومع مرور الوقت اعتُبر هذا هو الحال الطبيعي للجميع عدا الحماة.”
لوّح بيده باحتقار.
“تظن أن هؤلاء الأوغاد يحبون اختبارنا؟ أغلبهم نعم، لأنهم ساديون مدمنون على السلطة. لكن المسؤولين الأعلى لا يحبون ذلك، لأنهم يرون الصورة الأكبر. والصورة الأكبر أن النظام يعمل، لكن بالكاد. عندما تُجرَّب، هل تشعر بالإذلال؟ بالخوف؟ بالغضب؟”
نظرت له ببرود.
“بالتأكيد.”
“غاضب بما يكفي لقتل ثلاثة وعشرين شخصًا، ربما؟ الأشباح لديهم ما يكفي من الضغوط: الكراهية العامة، والمرض، وكل شيء. أضف فوق ذلك طبقة إضافية من المعاناة، كل هذا يتراكم… ليصبح سببًا لمشكلة، لا طريق لحلّها.
“هل تقصد شيئًا؟” سألته.
أومأ ميكي.
“المقصود أن The PA تعبث دائمًا بأساليبها. ليس بأمور كبرى، بل مجموعات تركز على أمور صغيرة هنا وهناك. وأيضًا مشاريع سرية. وزيرو كان جزءًا من واحد من تلك المشاريع.”
بدأت أفهم الفكرة.
“الحكم الذاتي؟ كانوا يجربون الحكم الذاتي؟”
“بالضبط! كانت فكرة ممتازة فعلًا. إن أمكن للأشباح أن يراقبوا بعضهم البعض، فلا حاجة لأن يضع الحُمَاة البشر أنفسهم في الخطر. هذا مهم جدًا لأن معدل الوفيات بين الحماة مرتفع للغاية. وبالإضافة، الليبراليون سيصرخون على المعاملة غير الإنسانية.”
لم أكن متأكدًا من أن ميكي يفهم السبب الحقيقي لاختبار الخلايا ذاتية الحكم، لكن التداعيات كانت مثيرة.
“على أي حال، جندوا عشرة أشباح ضمن الوكالة. زيرو كان يصفهم بـ ‘الجيل الثاني’. درّبوهم وأرسلوهم إلى خلايا مختلفة. وهو انتهى به المطاف هنا.”
غرقت ملامح ميكي في الظلمة، واحتسى نصف بيره في جرعة واحدة.
“كنت في الثانية عشرة عندما التقينا أول مرة. زيرو كان… حسنًا، لحامي. مختلف. كان أحمق تمامًا لتصديق كل الهراء الذي كانت The PA تبيعه له. ساذج، نوعًا ما، مثلك. أعجبني.”
تنهد.
“كنت تحت وصايته لأربع سنوات.”
“ماذا حدث بعد ذلك؟”
“لا أدري. في يوم ما لم يعد هناك. جاء إنسان وأجرى الاختبار بدلًا منه، بكل هرائه البشري المعتاد. فهمت أن زيرو أُصيب بالأعراض، فأرسلوه إلى المزرعة، مثل أي شخص آخر.”
فكرت، حدث ذلك تقريبًا في الوقت نفسه الذي أخذوا فيه أمي. هل كانا في المزرعة معًا؟ هل لهذا سبب يعرفها؟
كان ذلك منذ سنوات عديدة. لم أسمع قط عن شبح صمد طويلًا بعد ظهور الأعراض. المرحلة النهائية من المرض لم تكن فورية، لكنها لم تمتد طويلًا أيضًا.
مع ذلك، لم أسمع من قبل عن شبح خدم كحامٍ، أو عن شخص بإمكانه حرق الناس بلمسة فقط. زيرو كان قويًا، وكيف وصفه ميكي؟ مميز. إن استطاع أحد الصمود لنصف عقد أو أكثر مع المرض، فربما يكون هو.
ابتسم ميكي فجأة.
“لكن إن رأيته، فهذا يعني أنه لم يكن في المزرعة. ربما نُقل فقط أو شيء من هذا القبيل. والآن، أخيرًا، رأى المنظمة على حقيقتها وهرب منهم. زيرو اللعين، يا رجل! هذا مذهل!”
كنت حذرًا فيما أقول بعد ذلك.
“لا أدري يا ميكي. عندما رأيته… لم يكن نفس الرجل في الصورة. هو… مريض.”
تجمدت الابتسامة على وجه ميكي. صمت لبضع ثوانٍ ثم قال:
“هذا سبب إضافي يدفعنا للعثور عليه قبلهم. سنحاول مساعدته على الرحيل بكرامة. لا ينبغي لأحد… لا أحد أن يموت في قفص، يا رجل. خاصة شخصًا مثل زيرو.”
أنهينا طعامنا في صمت وخرجنا من المقهى. في الخارج التفت ميكي إليّ. كان كتفاه النحيلتان منغلقتين.
“شكرًا لأنك أخبرتني، ماثيو. لن أخون ذلك.”
صرف بصره ليزيل الثلج عن عينيه.
“أحتاج للتفكير في طريقة لأجده. أراك لاحقًا، حسنًا؟”
أعطيته موقع البار الذي أعمل فيه وتحقّقت من الوقت. كدت أتأخر على بروفة كلير.
بينما كنت أمشي مبتعدًا ناداني.
“هيه، ماثيو!”
التفت.
“ماذا؟”
“سنهزم هؤلاء الأوغاد. سترى!”
—
>>فرسان الهيكل: تشير تاريخيًا إلى فرسان قدامى كانوا جزءًا من جماعة دينية محاربة في العصور الوسطى. اشتهروا بسلوكهم، مثل حماية الأبرياء والضعفاء، والالتزام بالقوانين، والحكمة في التصرف، والولاء للمجموعة، والتخطيط المدروس بدل التحرك بتهور.
>>الليبراليون هم الأشخاص الذين يدافعون عن حرية الرأي وحقوق الإنسان وغيرها من الحقوق. وفي الرواية، يمدون هذا الدفاع ليشمل حقوق الأشباح أيضًا، معتبرينهم بشر ايضاً.
>>بروفه:تجربة أو تمرين قلبي قبل حدث مهم، مثل عرض مسرحي أو محاضرة.
التعليقات لهذا الفصل " 12"