بينما كان يتفقد تعابير وجهه المتجمدة حكّ سيد القلعه مؤخرة رأسه وأطلق ضحكة محرجة
“لقد تجاوزت حدودي… أعتذر إن كنت قد أزعجتك”
حدّق به باركاس بعينين باردتين لوهلة ثم أمسك بلجام حصانه وتوجه ببطء عبر الساحة الداخلية
عند بوابة القلعة كان الفرسان قد اصطفو بالفعل مستعدين للرحيل
وبينما كان يمر بعينيه عليهم توقف حين لمح تاليا تمشي على الطريق الترابي وشعرها الأشقر الفاتح المضفور بعناية يتلألأ كالذهب تحت شمس الخريف
تأمل باركاس وجهها الشاحب الذي بدا عليه التعب ثم سلّم حصانه لأحد الفرسان المساعدين واقترب منها من الخلف
كانت على وشك الصعود إلى العربة وتمسك بمقبض الباب لكنها ارتجفت والتفتت إليه بحذر وعداء
“مـ-ما الأمر؟…”
كان ينوي مساعدتها على الصعود لكنه سحب يده ببطء،
كانت زوجته تبدو كـ فريسة تواجه مفترسها الطبيعي
حين التقت عيناهما ارتجف شيئ عميق بداخله،
في موضع لا يمكن تحديده بوضوح
ضاقت عيناه وهو يراقب وجهها ثم تراجع خطوة إلى الوراء
وحين لاحظ كيف خفّ توترها بقدر المسافة التي ابتعد بها شعر بمرارة غريبة تتصاعد في حلقه، ثم تجاهل ردات فعله الجسدية وفتح فمه بهدوء
“سأسافر على ظهر الحصان من الآن فـ صاعدًا سأضع حراسًا إلى جانب العربة فـ إذا حدث شيئ ما فقط ناديهم”
ظهر الارتياح لـ لحظة على وجهها لكنها أخفت ذلك بأن أطرفت برموشها الطويلة وردّت بـ برود
“افعل ما تشاء”
ثم اندفعت إلى داخل العربة كما لو كانت تهرب .
وقف باركاس عند الباب يراقبها بصمت ثم أطلق تنهيدة خفيفة ، استدار بعيدا عنها ،يبدو أن كل محاولاته لـ جعلها تعتاد على لمسته ذهبت سدى
عندما استرجع تصرفه المتسرع في الليلة الماضية
أدرك أن رد فعلها لم يكن غريبًا
‘…من الأفضل ألا ألمسها لبعض الوقت’
كانت امرأة شديدة الحساسية تمامًا كـ مهرة صغيرة خائفة، لإزالة حذرها عليه أن يبقى على مسافة آمنة لبعض الوقت
وبينما كان طعم المرارة يزداد في فمه ،
قفز إلى سرج حصانه بخفة
“أشكرك مجددًا على تلبية دعوتي سمو الدوق”
اقترب منه السيد القلعه الذي كان ينتظر على بُعد
وتحدث إليه مجددًا، أدار باركاس حصانه إلى مقدمة صف الجنود ولوّح برأسه بإيجاز
“سأتولى أمر قطاع الطرق بأسرع وقت ممكن”
“شكرًا جزيلًا لك إذًا سأزوركم قريبًا في كالمور”
قال الرجل بصوت جهوري ثم انطلق بحصانه
مرّ باركاس من خلال البوابة وتبعه فرسانه مصطفين خلفه كانت رائحة الخمر لا تزال عالقة في أجسادهم كما لو أنهم استمتعوا بـ ليلة صاخبة
وبينما كان يتفقد وجوه الجنود نظر إلى تايرون الذي
كان يركب بجانبه وقال بجفاف
“أحضر لوكاس إلى المقدمة سأشرف على تدريبه بنفسي حتى نعود إلى كالمور”
نظر إليه الرجل بنظرة قلقة هل كان يخشى أن يؤذيه ؟
ثم ضحك باركاس بسخرية وأضاف ببرود
“هل علي أن أكرر كلامي؟”
“…سأحضره فورًا”
أدار تايرون حصانه وتحرك إلى الخلف بعد لحظات
جاء لوكاس بوجه متجهم ،تفحّصه باركاس بعينين جامدتين ،
ثم أشار إليه بذقنه
“من الآن فصاعدًا ستكون القائد تعال إلى المقدمة”
ظهر التوتر بوضوح على وجه الفتى الذي لا يزال يحمل ملامح الطفولة وكأنه استشعر ما ينتظره ،أشار إليه مجددًا برأسه
“ما الذي تنتظره ؟ إلى الأمام”
تردد الفتى لـ لحظة ثم حرك لجام حصانه وتقدم،
صرخ باركاس في ظهره المتشنج
“من الآن فـ صاعدًا لا يحق لك الانفصال عن الصف أو الخروج من مدى بصري وإذا فشلت في أداء مهمتك فـ عليك تحمل المسؤولية”
“سمو الدوق الفتى ما زال يفتقر للخبرة…”
“تايرون إل دراكان”
صمت الرجل على الفور حين قاطعه باركاس
كانت هذه أول وآخر تحذير منه
“إذا تدخلت بكلمة واحدة أخرى فـ سوف تدفع الثمن”
سادت سكينة باردة بين الجنود.
بدا أنهم أدركوا أن تحذيره كان موجهًا للجميع ،نظر باركاس إلى رجاله بنظرات حادة ثم التفت مجددًا إلى لوكاس
“تحرك”
نظر لوكاس إليه من فوق كتفه
ثم ضغط على جواده وانطلق ولحق به باركاس فورًا
كانوا يخططون لأخذ طريق طويل يمر من الشمال الشرقي نحو الجنوب ثم يتحولون غربًا على حدود مملكة أريكس القديمة لـ زيارة المناطق الجنوبية الشرقية ثم الشمال الغربي وأخيرًا العودة إلى كالمور
حوالي أسبوعين مدة كافية لتدريب شقيقه المتهور
لذا ظل قريبًا من لوكاس يراقبه دون تدخل
لحسن الحظ كان لوكاس قادرًا على اتباع الطريق الصحيح دون أن يضل كثيرًا لكن لـ قلة خبرته، دخل في بعض الطرق الضيقة دون التفكير بمن يتبعه مما اضطرهم لـ اللعودة من حيث أتوا حينها ظهر الإحباط بوضوح على وجهه
“احفظ الخريطة جيدًا غدًا يجب أن نصل إلى منطقة بريناك”
قال باركاس بصرامة حين وصلوا إلى موقع التخييم
في وقت الغروب
“إذا تأخرنا ستكون أنت المسؤول ركّز جيدًا على مهمتك”
“…ولماذا أتحمل أنا المسؤولية ؟”
توقف باركاس الذي كان قد نزل عن حصانه لـ يأخذه إلى النهر والتفت إلى شقيقه وحدّق به لوكاس بعينين متحديتين
“السبب في تأخرنا هو غضبك الطفولي بالأمس!”
صدرت أصوات شهيق مكتومة من هنا وهناك ورغم التوتر بدا أن لوكاس واثق أنه لن يُعاقب وشد عضلات عنقه بثقة
اقترب منه باركاس ببطء وهو يطلق زفرة طويلة ورفع لوكاس ذقنه بشراسة مُحدقًا في عيني شقيقه بتحدي
ضحك باركاس ضحكة جافة ثم مد يده بعنف ليزيح شعره الكثيف الداكن وأمسك بـ موخره رأسه واقترب حتى لامس وجهه الشاحب
“لو كنت أريد أن أفرغ غضبي عليك لـ كنت ربطتك في ساحة التدريب لا أن أُتعب نفسي هكذا”
ثم اختفى الدم من وجهه الأسمر وقال باركاس بنبرة ناعمة لكنها تحمل تهديدًا
“اشكر أنك لم تبلغ سن الرشد بعد وأنك شقيقي وإلا لـ كان مكانك الآن إلى جانب ألك غوتفان لا أمامي”
“…….”
“إن كنت فهمت كلامي فـ اعتذر لشقيقك الآن وباحترام”
“…أنا آسف أخي”
“جيد أقبل اعتذارك”
تابع بنبرة هادئة
“قريبًا ستضطر للاعتذار لـ زوجتي أيضًا على وقاحتك في الحديث معها ،هي لا تريد حتى أن ترى وجهك الآن لـ ذلك أتركك وشأنك مؤقتًا”
عض لوكاس شفته بأسى ،
نظر باركاس إلى وجهه المتوهج من الإهانة ثم ترك رأسه بحدة
التعليقات لهذا الفصل " 99"