في تلك اللحظة سرت قشعريرة باردة على طول ظهرها حاولت تاليا أن تُخفي ارتباكها وهي تُخفض ببطء نظراتها إلى الأرض لم تستطع أن تفهم لماذا تفوّهت بتلك الكلمات حتى هي نفسها شعرت بالذهول
كان قلبها ينبض بعنف كأنه على وشك الانفجار حتى إنها خافت أن يُسمع صوته، وبينما كانت تائهاً في نوبة من الذعر بدأت تتكلم بشكل عشوائي
“فقط التفكير بالأمر مقزز أليس كذلك ؟ لذا توقف عن دفع ذلك الدواء القذر نحوي أنا أكرهه… هذا يعني أنني أكرهه بشدة…”
لكن تلك الكلمات المرتبكة لم تُخفِ مشاعرها بل فضحتها أكثر ،شعرت بحرارة تصعد إلى أذنيها ولسانها الجاف راح يلعق شفتيها اليابستين
سمعت خطوات باركاس تقترب من سريرها لكنه ظلّ صامتًا ،اقترب منها دون أن تنبس بكلمة لم تجرؤ على النظر إليه لا شك أنه ينظر إليها الآن بدهشة ممزوجة بالبرود كيف يمكن لامرأة كانت تشتعل غضبًا قبل ساعات أن تقول شيئًا كهذا ؟
ربما كان يبتسم بسخرية في هذه اللحظة تلك السخرية التي كانت تُبقيها دائمًا على حافة الانهيار وازدادت ارتباكًا فـ أخذت تثرثر بلا هدف
“هل تعرف كم هو مريع طعم ذلك الدواء ؟ يجعلني أشعر بالألم في معدتي ولكنك لا تتوقف عن إعطائه لي لذا… أردت فقط أن أوصل لك الرسالة…”
لكن صوته قاطعها بهدوء
“تاليا”
رفعت رأسها ببطء وكأنها تسحب عنقها من تحت الماء لتلتقي عيناها بعينيه الشبيهتين ببحيرة شتوية عند الفجر، باركاس الذي كان يحدّق بها كما لو كانت لغزًا لا يمكن حله قال بصوت خافت
“أنا فقط… قلتُه بلا قصد لم أقصد أن تأخذ الأمر على محمل الجد…”
لكن قبل أن تُكمل جملتها فتح باركاس زجاجة الدواء ورفعت تاليا رأسها بسرعة لتجد عينيه تراقبانها بصمت… عينان لا تخفيان شيئًا ،لكن تشعر أنهما تعرفان كل شيئ
اقترب الزجاج من شفتيه ووضَعه عليهما ببطء وتشنّج جسدها لو تراجعت الآن يمكنها على الأقل الحفاظ على كبريائها لكنها فجأة فكّرت
‘لكن… إذا استطعت تأكيد ما حدث في تلك الليلة حتى ولو بتخلّي مؤقت عن كبريائي…’
أغلقت عينيها بإحكام وشعرت بيده الخشنة تمسك بمؤخرة عنقها واقتربت رائحة الماء والنعناع وتلك الرائحة التي طالما جعلتها تشعر بعدم الأمان ثم غمرتها رائحة عشبية مكثفة حين التقت شفتاه بشفتيها
كانت شفتاه تلك التي لطالما أطلقت كلمات جارحة ،الآن تهزّ كل خلية في جسدها بلا وعي تمسكت بقميصه بقوة وسمحت له أن يميل برأسها إلى الخلف ليُعمّق قبلته
حاولت دفع صدره لكنه لم يتزحزح إلا قليلاً ثم وبينما كانت تكافح لـ التنفس
نظرت إليه بارتباك كان ينظر إليها بهدوء يراقب ردّ فعلها كمن يُجري تجربة علمية ثم رفع زجاجة الدواء مجددًا اهتز السائل في الداخل وصوته لامس طبلة أذنها كـ صوت سكين وقال بصوت منخفض فيه نغمة حادة
“ما زال هناك دواء”
عيناها اتسعتا ثم خفّضت بصرها خجلًا وشعرت بنبض دمها عند صدغها اقترب أكثر وهمس
“ما الذي سنفعله ؟”
لم تجب مرت لحظات ثقيلة ثم أومأت برأسها لكنه لم يتحرك اضطرت لابتلاع كبريائها قطعة أخرى وهمست
“…أطعمني إياه”
وفي اللحظة التالية عاد لـ يمسك رأسها بلطف ويميلها إلى الخلف هذه المرة،
الدواء مرّ إلى حلقها بسلاسة رغم حرارته المزعجة فإن مرارته اختفت بالقبلة
“باركاس…”
حين رفعت عينيها المبتلتين نحوه رأت لمحة ارتباك في ملامحه ،يده انسلت إلى عنقها المبتل تمسح برفق
وفجأة تساءلت بشيئ من الرعب
‘هل فعل هذا مع غيري أيضًا؟’
تخيلت شفتيه على شفتي آيلا وعادت تلك الصورة لتخنقها
‘ربما كان يُلبي طلباتها كما لبّى طلبي… ربما لا تعني له هذه الأفعال شيئًا على الإطلاق…’
في حين أنها تشعر وكأن عالمها كله يتغير همس بصوت منخفض وكأنه يحاول انتشالها من أفكارها
“…لماذا تبكين؟”
“…أنا متعبة أريد أن أنام”
عبس وجه باركاس قليلًا ثم وقف ببطء ،الآن بدا وكأنه لم يكن هو من ابتعد عن شفتيها قبل لحظات
اتجه نحو النافذة وفتحها نسيم الليل البارد دخل الغرفة، خفف من حرارة الجو وراقبته تاليا وهو يتوارى في الظل، ثم أغلقت عينيها رأسها كان ثقيل وكل أفكارها تذوب
“هل سأظن غدًا أن كل هذا كان حلمًا؟”
وبينما كانت تفكر بتلك العبارة غفت في سكون
***************
في مكان آخر قال أحدهم
“لقد شددت على جميع الخدم بعدم التحدث عن حادثة البارحة لن تنتشر أي شائعة”
كان باركاس يربّت على رقبة حصانه توُرك وهو يستمع
ثم أدار رأسه نحو سيّد قلعة دوركاين
قال الرجل بابتسامة لا تخلو من الفضول
” لكن بحق لقد تزوجت امرأة مذهلة ياسيدي كيف يمكن لوجه ملائكي كهذا أن يحمل روحًا نارية كهذه…”
قاطعته نبرة باركاس الباردة
“أوزان داركين”
فهم الرجل الرسالة وأغلق فمه فورًا وقال باركاس بجفاف
التعليقات لهذا الفصل " 98"