أمسك لوكاس بمعصمها محاولًا أن يفلت نفسه وهو يتلوى من الألم لكن تاليا لم تتوقف بل غرست أظافرها في لحم لسانه الرخو ،تحوّل وجهه من الأحمر إلى أبيض شاحب وأخذ يصرخ بصوت مخنوق كأنما يختنق
لكن تاليا لم تتزحزح شددت قبضتها كأنها تنوي تمزيق لسانه من جذوره وفجأة دوّى صوت صراخ أنثوي حاد خلفها تبعه صوت خطوات مسرعة وشعرت بيد تُمسك بكتفها وتشدّها بعنف لكنها صرخت بجنون
“اتركوني! سأقتلع لسانه حتى لا يتفوه بكلمة مقرفة مجددًا!”
“يا إلهي! أوقفوها! أحدهم أوقفها!”
صاحت امرأة خلفها لكن تاليا استمرت دون أن تكترث وأمسكت فك لوكاس بقوة وغرست إصبعها في قاعدة لسانه
لكن فجأة أحسّت بقوة هائلة تضغط على خصرها ثم ترفعها عن الأرض كما لو كانت دمية واستدارت تاليا، غاضبة وإذا بها ترى باركاس وقد حملها بين ذراعيه يحدّق بها بعينين كالجليد
قال بصوت جاف
“ما الذي يجري هنا؟”
أخذ ينظر بين تاليا ولوكاس وكأنه يحاول أن يفهم المشهد المستحيل أمامه ثم نهض لوكاس من الأرض كمن أفاق من كابوس وأشار إلى تاليا قائلاً
“لقد حاولت أن تقتلع لساني! انظر! انظر!”
أخرج لسانه ليُريه إصابات خفيفة فـ صرخت تاليا
“أحضره لي! سأكمل ما بدأته!”
تراجع لوكاس الى الخلف مرعوبًا
“رأيت؟! إنها مجنونة! مجنونة تمامًا! كيف تركت الأميرة الأولى وتزوجت بهذه المرأة؟ يجب أن تطلب فسخ الزواج فورًا!”
لكن صوته انقطع فجأة لان صوت باركاس هبط كالرصاص
“لوكاس ريداغو شيركان”
عمّ الصمت حتى تاليا التي كانت تفقد أعصابها تصلّبت مكانها ،
واستنشق باركاس نفسًا عميقًا ثم قال بنبرة هادئة لكنها حاسمة
“ما الذي قلته عن زوجتي ؟”
ردّ لوكاس بتلعثم
“أنا فقط… فقط…”
قال باركاس وهو يحدّق فيه ببرود
“لا تستطيع أن تقولها أمامي أليس كذلك ؟”
شحَب وجه لوكاس وبدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة لكن تاليا كانت ترتجف من الغضب وجهها أصبح قاتمًا وكل جسدها كان يئن كيف له أن يطلب منها أن تشرح ما حدث ؟ أن تكرر بنفسها كلمات ذلك القذر ؟
قالت بأسنان مشدودة
” حتى لو مت لن أقولها”
ضاق باركاس عينيه ثم قال بهدوء
“لكنني بحاجة إلى تفسير لأتخذ القرار المناسب”
بدت على وجه لوكاس ملامح الغضب وكأنه هو المظلوم في القصة وصرخت تاليا فجأة وهي تندفع
“لا حاجة لأي تفسير دعني أذهب”
“……”
“قلتُ لك دعني أذهب”
تردد باركاس للحظة ثم أنزلها أخيرًا على الأرض وتألّمت وهي تثبت قدميها، ثم نظرت إلى كل من كان يراقب من بعيد وجوه سُكارى وأعين فضولية كل هذا كان مقرفًا
وبدون أن تنطق بكلمة استدارت وتعثرت نحو غرفتها وكأن المسافة القصيرة تحوّلت إلى صحراء لا نهاية لها
ألقت بنفسها على السرير ودفنت وجهها في الوسادة وبعد قليل شعرت بباركاس يدخل لكنها لم تتحرك لم ترغب أن ترى وجهه لم ترغب أن تسمع صوته
كانت على وشك أن تصرخ هل حقًا ما قاله شقيقك صحيح ؟ هل كنت مع آيلا ؟ هل خانتني ذاكرتي بك ؟ لكنها ابتلعت كل ذلك
سمعت صوته يناديها
“تاليا”
هبط ثقله على السرير وشعرت بيده القوية تُمسك بكتفها وقلبها خفق ثم سحبها بقوة ليقلبها نحوه فإذا بعينيها الدامعتين تلتقيان بوجهه الذي بدا كحدّ السيف وقال لها بصوت حازم
“هل سترفضين إخباري بما حدث؟”
ردّت تاليا بحدة
“رأيت كل شيئ حاولتُ أن أقتلع لسان شقيقك ولم أنجح وماذا بعد ؟”
“لماذا فعلتِ ذلك؟”
“لأنني أردت ذلك”
شعرت به يستشيط غضبًا وقبض على كتفيها بعنف وقال
“إلى متى ستتصرفين كـ طفلة؟”
لم تتمالك نفسها هو من يجب أن يُلام شقيقه هو من قال ما لا يُقال لكنها هي من يُعنف!
صرخت بحده
“أنا فقط انتقمت من الإهانة التي تلقيتها إن كنتَ تبحث عن المذنب فـ ابحث في تربية والدك لأولاده”
تنهد بعمق ثم قال بنبرة كأنه يوبّخ طفلاً
“الانتقام لا يُؤخذ هكذا إن كنتِ تنوين الرد افعلي ذلك بصمت وعبر شخص آخر، لا تجري خلف الآخرين كـ طفله صغيرة”
“ومن هو هذا الشخص الآخر ؟ أنتَ ؟ هل ستقطع رأس شقيقك لأجلي؟”
ضحكت بسخرية
“أنا لا أتوقع شيئًا منك إن هاجمني أحد فـ سأدافع عن نفسي”
“إذاً تنوين خوض معركة جديدة؟”
“ولِم لا؟”
دفعت يده عنها وابتعدت إلى طرف السرير ونظرت إليه بعينين تتوهجان غضبًا
“إن كنت لا تريد أن ترى هذا فـ اجعل شقيقك يختفي من أمامي إن اقترب مني مرة أخرى سأقتله”
تجهم وجه باركاس وغرقت ملامحه في العبوس أرادت أن تنهشه بأظافرها لكن بدلًا من ذلك زحفت إلى طرف السرير وغطّت نفسها حتى رأسها ظلّت ساكنة لفترة طويلة حتى سمعت صوت حركته ثم صوت الباب يُغلق
سكنت الغرفة في هدوء مهيب ثم أخرجت رأسها ببطء، كان المكان خاليًا وفجأة شعرت بدموع تملأ عينيها دفنت وجهها في الوسادة وانفجرت في بكاء مكتوم
لا تعرف متى نامت لكن حين فتحت عينيها وسط العتمة سمعت صوت زجاجات ترتطم والتفتت ببطء فـ رأت باركاس يعيد ترتيب زجاجات الدواء على الرف
كان قد عاد ونظر إليها وقال بنبرة هادئة
“كنتِ تتأوهين فأحضرت دواء مسكّن خذيه ونامي”
كان وجهه جامدًا كأن شيئًا لم يحدث، تقلّبت مشاعرها بين الارتياح والضيق وشدّت الغطاء حتى غطّى أنفها
قالت بصوت خافت
“لا حاجة”
تنهد بصمت ثم رفع يده ليمسح شعره بعصبية بدا وكأنه يكتم شيئًا ،نظرت إليه وجهه الشاحب عيناه الهادئتان وشفته المحكمة الإغلاق وحدّقت به طويلاً حتى خرجت من فمها جملة غريبة دون أن تدرك
التعليقات لهذا الفصل " 97"