الفصل السابع والثمانون
************
نظرت إلى كومة الملابس المتراكمة أمامها، ثم أنزلت بصرها إلى ساقيها المغطّاتين بأطراف تنّورتها.
فور استيقاظها في الصباح الباكر، تلقّت مساعدة المربية في الاستحمام، ثم استدعت معالجًا ليجدّد الضمادات.
لن يكون عليها أبدًا أن تكشف ندوبها أمام هؤلاء.
عضّت تاليا شفتيها برهة، ثم أومأت برأسها.
“افعلوا ما شئتم.”
ما إن أعطت إذنها حتى نصبت الخادمات حاجزًا في وسط الغرفة.
وقفت تاليا خلفه كما لو كانت بقرة تُساق إلى المسلخ.
اقتربت خادمة صغيرة منها، نزعت عنها رداءً خفيفًا، ثم بدأت تفكّ أزرار الفستان صيفي واحدًا تلو الآخر.
سرعان ما انزلق الفستان الفضفاض الذي كان يغطّي جسدها إلى الأرض.
أدركت تاليا أن الخادمة توقّفت فجأة عن التنفس، فنظرت بشكل لا إرادي إلى تنّورتها الداخلية.
كانت ملامح ساقيها المشوّهتين تظهر بشكل خافت عبر النسيج الرقيق.
شعرت بأذنيها تحترقان من الإهانة، فصاحت بالخادمة:
“لا تقفي مكتوفة الأيدي، أنهي الأمر بسرعة!”
هرعت الخادمة المذهولة لتجلب الملابس بتسرّع.
لكن رئيسة الخادمات، التي لم تطق حركاتها الخرقاء، دفعتهن جانبًا وبدأت بإلباس تاليا فستانًا حريريًا بلون العاج بنفسها.
تدفّقت أطراف القماش الرقيق المزيّن بتجاعيد دقيقة على جسدها كالضباب.
أضافت رئيسة الخادمات طبقة شفافة بلون أزرق داكن فوق الفستان، ثم لفت حول خصرها زخرفة مطرّزة بأنماط فاخرة.
كان حزام الخصر المصنوع من طبقتين من الحرير مزيّنًا بزخارف من اليشم والعقيق الأصفر وأشكال حيوانات صغيرة.
شدّته الخادمة بإحكام لتبرز خط الخصر، ثم علّقت أربطة ملونة مزيّنة بأجراس معدنية وشراشيب فوق الوركين.
لم تنته الزينة عند هذا الحد.
لُفّت حول عنقها ومعصميها طبقات من الجواهر المشبوكة بخيوط ذهبية رفيعة، وعلّقت على أذنيها أقراط كبيرة منقوشة بزخارف طيور ذهبية.
شعرت كأنها واجهة عرض للمجوهرات.
هل هذا الزيّ المبهرج حقًا هو الزي التقليدي للشرق؟
عبست بشكوك، بينما كانت خادمة تضع معطفًا حريريًا أزرق داكنًا بأكمام واسعة على جسدها، فأطلقت تنهيدة شبيهة بالإعجاب:
“كأنكِ تيرامير الأسطورية.”
“تيرامير؟”
ضيّقت تاليا عينيها لسماع كلمة غريبة، فشحب وجه الخادمة وكتمت فمها.
أثارت هذه الردّة الفعل المريبة استياءها.
هل يستهزئون بها؟ ربما يسخرون من جهلها.
سألت بحدّة:
“ما هذا؟ لمَ توقّفتِ عن الكلام؟”
“تيرامير هي…”
“تيرامير هي روح الأرض التي تحكم الفصول.”
قالت رئيسة الخادمات وهي تثبّت أطراف المعطف الحريري بدبوس، مائلةً الجزء الأمامي بشكل قطري.
“كان الشرقيون القدماء يؤمنون أنهم أحفاد تيرامير…إنها تُعتبر أجمل وأنبل كائن بين أرواح هذه الأرض.”
نظرت تاليا إلى وجه رئيسة الخادمات الهادئ بعينين مليئتين بالشك.
“إذن، لمَ لا تقولين ذلك مباشرة؟ لمَ شحبتِ هكذا؟”
“بريسا خشيت أن تظنّي أننا نؤمن بهذه الأسطورة كحقيقة، سموكِ.”
أجابت رئيسة الخادمات وهي تعدل أطراف المعطف لتبدو طبيعية.
“قصص تيرامير ليست سوى حكايات شعبية قديمة. نرجو ألا تشكّي في إيماننا.”
حدّقت تاليا في وجه رئيسة الخادمات المتصلّب.
كان هناك توتر خفيف يعلو وجهها الطويل.
هل تخدعها؟ أم أنها تخشى أن تُتَّهم بالوثنية؟ لم تكن تعرف.
أدارت رأسها لتواجه المرآة التي تجنّبتها طوال الوقت.
انعكس على سطحها اللامع وجه يشبه وجه والدتها بشكل مخيف.
لكن، بدلاً من الحيوية المتفجرة التي تملكها سينيفيير، كان هناك ظل رمادي كئيب يغطي ذلك الوجه المتقن.
عينان جائعتان، وجه هزيل، وجسد بائس بعيد عن التوازن المثالي الذي كان يميّز سينيفيير…
فجأة، رنّ صوت غارسيل الساخر في أذنيها:
“وجه امرأة على جسد وحش…”
تشوّه وجهها، الذي بدا وكأنه يقلّد والدتها بشكل رديء، بشكل مروّع.
كان من المؤلم رؤية نفسها ناقصة ومدمّرة.
أدارت جسدها بعنف.
“إن انتهيتم، ابتعدوا! إلى متى ستعبثون بي؟”
صدّت يدًا كانت تصفّف شعرها بعنف، فتراجعت الخادمة التي كانت خلفها مرتعشة.
تنهّدت رئيسة الخادمات بهدوء.
“سنضع التاج الآن. تحمّلي قليلاً، من فضلك.”
هرعت خادمة كانت تنتظر لتجلب تاجًا ذهبيًا.
وضعته رئيسة الخادمات على رأسها، ثم لفت خصلات شعرها الطويلة بشكل دائري وثبّتتها بزخرفة مزيّنة باليشم.
أخيرًا، عندما انتهت الزينة، تراجعت الخادمات خطوة إلى الوراء وانحنين باحترام.
“الآن، سنصطحبكِ إلى جناح الدوق الأكبر.”
قالت رئيسة الخادمات وهي تتقدّم نحو الباب.
نظرت تاليا إليها بعينين مليئتين بالقلق للحظة، ثم تبعتها.
في الرواق، كان هناك عشرات الجنود ينتظرون.
بينما خطت بحذر بينهم، تردّد صوت عرجها.
حاولت أن تمشي بطبيعية قدر الإمكان، لكن ساقيها المتيبّستين خانتاها كالعادة.
رفعت رأسها بصلابة، محاولة إخفاء شعورها بالعار.
كم مشت هكذا؟ توقّفت رئيسة الخادمات فجأة.
“هذه الغرفة.”
أشارت إلى باب ضخم يقع مقابل الدرج.
يبدو أن جناح الدوق الأكبر في نفس الطابق.
شعرت بالراحة لعدم اضطرارها لصعود الدرج أو نزوله، واقتربت من الباب المصنوع من خشب الماهوغاني.
“لقد أحضرت الأميرة الإمبراطورية.”
قالت رئيسة الخادمات بلهجة مهذّبة، فجاء صوت صلب من داخل الغرفة:
“ادخلي.”
امتثلت رئيسة الخادمات على الفور.
فتحت الخادمات الباب من الجانبين، ليكشفن عن فضاء واسع ممتلئ بالأتباع.
تصلّبت تاليا تحت أنظار العشرات من الأعين المسلّطة عليها.
كان الرجال المتأنقون ينظرون إليها بوجوه مصدومة.
فجأة، شعرت بقشعريرة في ظهرها.
هل هناك خطأ في مظهرها؟ نظرت إلى ملابسها.
ربما زيّنوها بشكل فوضوي ليجعلوها أضحوكة.
ربما خدعوها بحجة الزي التقليدي الشرقي وألبسوها كمهرّج.
حدّقت في وجه رئيسة الخادمات بنظرة غاضبة، ثم أخفضت عينيها خوفًا من أن تكون ساقاها مرئية عبر أطراف الفستان.
لم ترَ سوى أطراف الفستان المجعّدة بغزارة.
لكن ربما من الأمام، يظهر شكل ساقيها المشوّهتين.
تدفّق العرق البارد على ظهرها.
ألقت تاليا نظرة كمن تريد الهروب فورًا.
في تلك اللحظة، سمعت صوت خطوات ثقيلة.
رفعت رأسها مذعورة، ورأت باركاس يقترب منها، فاتسعت عيناها.
كان يرتدي زيًا مشابهًا لزيّها: سترة حريرية سوداء لامعة بحزام مزخرف بالتطريز الذهبي المعقّد، ومعطف واسع مائل يتدفّق بأناقة على خطوط جسده القوي.
نظرت تاليا إليه مفتونة، ثم شعرت بأصابع دافئة تلمس ذقنها، فرفعت عينيها.
كانت الأقراط الكبيرة المرصّعة بالأحجار الزرقاء والقلادة المزيّنة بالعقيق الأصفر تلمع تحت ضوء الشمس.
تسارعت دقات قلبها.
لم ترَه يرتدي هذا الكم من المجوهرات من قبل.
أليس هذا الرجل أكثر تقشفًا من أي كاهن؟
بدت صورة باركاس المزيّن بفخامة كحاكم قبيلة بربرية قديمة، وليس كفارس من إمبراطورية روم.
“هل تؤلمكِ ساقيكِ؟”
سأل باركاس بلهجة ثقيلة وهو يتفحّصها.
استعادت تاليا رباطة جأشها ودفعته بعيدًا، متراجعة خطوة.
كان قلبها يخفق بشدة لدرجة أنها خشيت أن يسمعه.
“لا، أنا بخير.”
حاولت التظاهر بالهدوء، لكن وجنتيها احترقتا كما لو أن النار اشتعلت فيهما.
نظر إليها فرأى وجهها المتورّد .
عبس باركاس ووضع يده على جبهتها.
“هل تعانين من الحمى مجددًا…”
“قلت إنني بخير!”
التعليقات لهذا الفصل " 87"