الفصل 81
********
“آسف، لقد كان تفكيري قاصرًا.”
أحنى الرجل رأسه على الفور.
دخل باركاس إلى غرفة نومه دون أي رد، وتبعه أحد الأتباع بسرعة.
بإشارة يد خفيفة، أمره بالخروج، ثم جلس على كرسي، خلع درعه وملابسه بنفسه، رتبها بعناية، وغمر جسده في ماء الاستحمام الذي أعده الخدم مسبقًا.
بعد ركوب الخيل طوال اليوم، كان جسده مشبعًا بغبار التراب ورائحة الخيول.
اغتسل بعناية في الماء النقي، ثم ارتدى سترة زرقاء داكنة وسروالًا صوفيًا.
عندما وقف أمام المرآة مرتديًا حذاءً يصل إلى ساقيه، رأى صورته المنمقة تنعكس أمامه.
جسده المصقول بالتدريب الطويل، كان مدربًا على اتخاذ وضعية مثالية دون أي ثغرة في أي لحظة.
تأمل الرجل الذي يبدو كأنه صيغ في القصر الإمبراطوري لبرهة، ثم التقط معطفه وغادر الغرفة.
وبينما كان يتجه نحو القاعة، لمح امرأة تنزل السلالم.
عندما أدرك أنها معالجة أرسلها القصر الإمبراطوري، ناداها على الفور.
“لمَ تنزلين من الطابق العلوي؟”
أحنت المرأة رأسها بسرعة وقالت:
“لقد استدعتني الأميرة…”
عبس باركاس.
كان يتوقع أن تاليا لن تستمع إلى كلامه، لكن رؤية ذلك بنفسه أثار فيه انزعاجًا خفيفًا.
سأل بنبرة صلبة:
“كيف حال الأميرة؟”
أجابت المعالجة:
“بفضل استراحتها الكاملة طوال اليوم، بدت حالتها أفضل من المعتاد. انخفضت حرارتها تمامًا، لكن الألم في ساقيها لا يزال مستمرًا…”
قاطعها بنبرة لوم:
“إذن، أحرقتم عشبة النوم مجددًا؟”
لاحظت المعالجة نبرته الناقدة، فتصلبت ملامحها بشكل واضح وقالت دفاعًا عن نفسها:
“الأميرة تعاني من ألم مزمن شديد. استخدام عشبة النوم هو أفضل تدبير لتخفيف معاناتها.”
نظر إليها بنظرة حادة، متفحصًا وجهها.
هل يمكن الوثوق بمعالجة عينتها الإمبراطورة؟ تلك المرأة التي تعامل ابنتها كأداة في لعبة الشطرنج.
من يدري أي خدعة قد تكون تخطط لها في الخفاء؟
تأمل وجهها بعناية كمن يحاول استشفاف نواياها، ثم أومأ برأسه إشارة إلى أنها يمكن أن تنصرف.
أحنت المعالجة رأسها ونزلت السلالم بخطوات لا هي سريعة ولا بطيئة.
راقب باركاس ظهرها وهي تبتعد، ثم توجه إلى غرفة تاليا.
طرق الباب المغلق بإحكام، فجاءه صوت خافت قليلًا:
“ادخل.”
عندما فتح الباب ودخل، لامس خديه هواء بارد.
عبس مجددًا.
على عكس توقعه بأن الغرفة ستكون مليئة بدخان كثيف، كانت ممتلئة برائحة خفيفة للزهور وأعشاب جافة فقط.
هدأ اضطرابه الداخلي وهو يتفحص الغرفة المزدحمة بعناية.
أخيرًا، لمح ظلًا صغيرًا جالسًا على حافة النافذة.
كاد ينادي باسمها لكنه أغلق فمه فجأة دون أن يعرف السبب.
استدارت تاليا، التي كانت تستقبل ضوء الغروب بجسدها، نحوه.
عندما التقت عيناهما، شعر بقلق غامض يتصاعد.
أمسك بحاشية سترته وتقدم نحوها بخطى واثقة.
أغلق النافذة المفتوحة بإحكام، ثم وضع ظهر يده على خدها الشاحب فشعر ببرودة مثل الجليد.
سأل:
“منذ متى وأنتِ هكذا؟”
ردت:
“ماذا فعلت؟”
“كم من الوقت وأنتِ تتعرضين للهواء البارد؟”
ضاقت عيناها، وملأت تعبيراتها المزعوجة وجهها الصغير، مما جعلها تبدو أصغر بعامين من عمرها الحقيقي.
ضربت يده بعيدًا وقالت بنبرة غاضبة:
“لا أعلم. لماذا تهتم!”
“ماذا لو ارتفعت حرارتكِ مجددًا؟”
“فلترتفع، وماذا بعد؟”
عبس.
كلما تحدث مع هذه المرأة، شعر بدافع غريب يتسلل إليه:
رغبة عنيفة في إجبارها على الاستماع إليه باستخدام القوة، وفي الوقت ذاته، رغبة غريبة في استمالتها برفق.
ابتعد خطوة إلى الوراء ليتخلص من هذا الشعور المربك.
بدا أنها شعرت بالراحة عندما أبعد المسافة، إذ استرخى كتفاها المتصلبان.
احتضنت ركبتيها بذراعيها، ونظرت إليه من الأعلى إلى الأسفل وقالت بنبرة متجهمة:
“على أي حال، لمَ ترتدي ملابس بهذا الشكل؟”
أجاب:
“سيأتي ضيوف، لذا سنقيم مأدبة بسيطة.”
“ضيوف؟”
“نبلاء المناطق الشرقية. قالوا إنهم جاؤوا ليتركوا انطباعًا لدي.”
“همم…”
عبثت بحافة معطفه وأصدرت صوتًا غامضًا.
نظر إلى يدها بهدوء.
بعدما تململت بحاشية ملابسه لفترة، فتحت فمها بتردد:
“أليس عليّ الحضور أيضًا؟”
رفع عينيه إليها.
وجهها الجميل بشكل غريب ملأ مجال رؤيته.
كانت امرأة تثير مشاعر الآخرين بشكل غير عادي، حتى هو، الذي يتحكم بحواسه عادةً، شعر بدوافع غريبة.
كان واضحًا دون رؤية الفوضى التي قد تسببها هنا.
تردد للحظة ثم هز رأسه ببطء.
لن يتمكن من إخفائها إلى الأبد، لكنه على الأقل لا يريد أن تكون محط الأنظار حتى يسيطر تمامًا على المنطقة الشرقية.
“لا داعي لذلك. سأشرح الأمر جيدًا للأتباع، لذا ارتاحي لبعض الوقت، يا مولاتي.”
ردت بحدة مفاجئة:
“تشعر بالخجل مني، أليس كذلك؟”
توقف وهو يهم بفتح الباب، ناظرًا إليها.
عضت شفتيها المغطاة بالقشور وقالت بسخرية:
“هل بدأت تندم على زواجك من عرجاء؟”
أمسك قبضته بقوة.
شعر أنه إن لم يفعل ذلك، قد يرتكب شيئًا شنيعًا.
ابتلع الكلمات التي كادت تخرج من حلقه، وتنفس بعمق منتظرًا تهدئة مشاعره الحادة.
عندما هدأت أفكاره أخيرًا، قال بنبرة خافتة:
“أحيانًا أشعر بالحيرة. لا أعرف إن كانت كلماتكِ تهدف إلى طعني أم إيذاء نفسكِ…”
تصلبت شفتاها كأن الكلام قد انقطع.
نظر إليها بهدوء وهي تحمل وجهًا مليئًا بالريبة، ثم تنهد بخفةٍ واستدار.
“سأطلب خادمة لتساعدكِ في التجهيز. إن أردتِ الحضور حقًا، فلن أمنعكِ.”
ردت بحدة:
“لا حاجة.”
قفزت تاليا من حافة النافذة وأطلقت عليه بنبرة باردة:
“البقاء معك أكثر قد يرفع حرارتي مجددًا.”
ثم تعثرت وهي تتجه إلى السرير، ورمت نفسها على الأغطية.
نظر إليها باركاس للحظة ثم غادر الغرفة.
عندما نزل السلالم ودخل قاعة المأدبة الكبرى، التقت عيناه بمئات الأنظار.
تفحص الحضور بعناية.
كان النبلاء رفيعو المستوى وأقرباؤه يحتلون الطاولة المركزية بملابسهم الفاخرة، بينما كان رجال بملابس أبسط يجلسون حولهم يستمتعون بالخمر والطعام.
وقفوا جميعًا من مقاعدهم، وقال أحدهم بالقرب من المدخل:
“لقد أتيت، يا سيدي الصغير.”
أومأ برأسه تحية، ثم عبر القاعة ببطء.
عندما وصل إلى المقعد الرئيسي، نظر إلى الحضور وقال بصوت خافت بتحية رسمية:
“أشكركم على قدومكم من بعيد. أرجو أن تعذروا أي تقصير في الضيافة.”
صاح أحد الرجال بحماس:
“تقصير؟ هذا أفضل خمر تذوقته في حياتي!”
تفحص باركاس الرجل بعناية.
كان يرتدي معطفًا فاخرًا مطرزًا بشعار دب أسود، رمز عائلة قوية تسيطر على المنطقة الجنوبية الوسطى.
رفع الرجل كأسه عاليًا وقال بنبرة استفزازية:
“لا شك أن هدايا الإمبراطور ليست كغيرها. لا أدري إن كان يحق لأمثالنا تذوقها. أليس هذا مكافأة على تفانيك طوال حياتك؟”
أفرغ كأس الخمر دفعة واحدة، ثم وضعه بقوة على الطاولة وقال:
“عندما أفكر أن هذا الخمر هو ثمرة عرقك ودموعك، يصبح طعمه مرًا.”
ساد صمت بارد القاعة.
اتكأ باركاس على ظهر الكرسي وابتسم بسخرية خفيفة.
التعليقات لهذا الفصل " 81"