الفصل السبعون
***************
بينما كان يستنشق الهواء البارد الممزوج برائحة المطر، استدار باركاس لينظر إليها.
كان هناك ظل قاتم يحوم فوق عينيه الهادئتين كالفجر.
تساءلت تاليا عن الأفكار التي ترقص خلف تلك العيون الشبيهة ببحيرة جليدية.
هل كان قلقًا بشأن مستقبله المتشابك؟ أم أنه يندم على قراره المتأخر؟
على الرغم من وعدها بعدم التساؤل مجددًا، وجدت تاليا نفسها تطرح الأسئلة مرة أخرى.
*بالطبع، لم تكن تنوي الزواج من آيلا لأنك تحبها، أليس كذلك؟*
*كنت أعرف ذلك.*
*أنت لست من النوع الذي يمكن أن يشتعل شغفًا تجاه أي شخص.*
*في الحقيقة، لم يكن يهم من هي الشريكة.*
*لهذا استطعت أن تكون خطيبًا لطيفًا مع آيلا، وتستطيع الآن أن تلعب دور الحامي المقنع معي.*
فركت تاليا زاوية فمها التي لامسها باركاس، محاولة محو إحساسه.
تاليا رويم غيرتا ليست سوى واحدة من المسؤوليات العديدة التي يجب عليه تحملها.
لذا، لن تنخدع بلطفه العابر كأنه صدقة.
استدارت عنه وغطّت رأسها بالغطاء.
***********
في لحظة ما، غفت مرة أخرى.
جسدها، الذي كان متوترًا طوال اليوم، ذاب بسرعة تحت تأثير الخمر القوية.
دفنت وجهها في الوسادة، ومدّت أطرافها في الغطاء الناعم.
وبينما كانت تطفو في وعي ضبابي، بدأ ألم خفيف في ركبتيها يتفاقم تدريجيًا.
تحركت تاليا بسبب الإحساس المزعج، لكن الألم ازداد.
فتحت جفنيها الثقيلين، ورأت ظلامًا دامسًا يملأ رؤيتها الضبابية.
تبخر النعاس فجأة.
نظرت تاليا بأعين مرعوبة إلى الظلام الحالك.
ليل لزج بلا أثر للضوء خنق أنفاسها.
بينما كانت تلهث وتمسح عنقها المشدود، تحول الألم الخفيف في ركبتيها إلى وخز حاد كالبرق.
أمسكت ساقيها بكلتا يديها بسرعة.
شعرت بتشنج العضلات الضعيفة تحت يديها.
تدفق العرق البارد على ظهرها مع الألم الحاد كأنه طعنة سكين.
عضّت تاليا شفتها السفلى وخدشت عضلات ساقيها المتمردة بأظافرها.
فجأة، سُمع صوت احتكاك حجر الصوان، وأضاء شعاع من الضوء وجهها.
رفعت رأسها بسرعة، ورأت شمعة مضيئة بشكل خافت وملامح باركاس الباهتة.
نظر إليها بوجه متصلب، ثم انحنى فوق السرير.
صرخت تاليا بنبرة حادة دون تفكير:
“لا تلمس جسدي!”
دفعت يده التي حاولت فحص ساقيها بعنف، وزحفت إلى طرف السرير.
لكنها لم تذهب بعيدًا قبل أن يمسكها.
ضغط على كتفيها بقوة ليجعلها غير قادرة على الحركة، ثم مد يده نحو ساقيها المغطاة بعلامات الأظافر.
صرخت تاليا كأنها تُسكب عليها زيتًا مغليًا:
“لا! لا تلمس!”
“اهدئي. أريد فقط فحص الجرح.”
“لا! قلت لا!”
بينما كانت تلهث وكأنها ستموت، وتلوي جسدها، تمتم بشيء غير مفهوم، وسحبها إليه بقوة.
ثم، لمنعها من التملص، أمسكها بإحكام وهز الجرس المعلق فوق السرير.
بعد لحظات، فُتح باب الغرفة فجأة، واندفعت خادمات مذعورات إلى الداخل.
صرخ باركاس بصوت عالٍ:
“استدعوا معالجًا فورًا!”
سرعان ما حدثت جلبة.
ركض ساحر مسن إلى الغرفة وبدأ بتلاوة تعويذة شفاء، بينما أشعلت الخادمات الشموع في أنحاء الغرفة وأضاءن بخورًا مهدئًا بجانب السرير.
طوال ذلك، لم تغادر تاليا أحضان باركاس.
دفنت تاليا وجهها في صدره النابض بالحرارة، ونظرت حولها بعيون مرعوبة.
كانت حواسها متيقظة، خشية أن يرفع أحدهم تنورتها لفحص ساقيها.
ضمّت ساقيها بقوة وأمسكت بتنورتها كدرع.
بعد فترة، تقدم الساحر ذو المظهر المهمل وقدّم زجاجة زرقاء إلى وجهها.
“اشربي هذا، وسيزول الألم بسرعة.”
حدّقت تاليا في الزجاجة بعيون ضيقة.
*إذا شربت هذا، سأفقد الوعي بالتأكيد. قد يرفع أحدهم تنورتي بينما أنا نائمة.*
أغلقت فمها بإحكام وأدارت رأسها للجهة الأخرى.
فجأة، أمسكت أصابع طويلة بذقنها وأجبرتها على رفع رأسها.
ثم ضُغطت فوهة الزجاجة على شفتيها.
أطبقت تاليا على أسنانها بقوة.
نظر إليها باركاس بنظرات باردة كالجليد، ثم أخذ الزجاجة إلى فمه.
قبل أن تفهم معنى تصرفه، غطّت شفتيه، المبللة بعصير الأعشاب القوي، شفتيها.
فغرت تاليا عينيها.
أمسك بذقنها وضغط على وجنتيها بقوة لتفتح فمها و تستقبل الدواء.
تدفق الدواء المر إلى داخلها.
أمسكت تاليا بطرف قميصه الرقيق كأنها تمزقه.
لم تفهم ما الذي يحدث.
ضاقت أغشيتها الفموية وهي تبتلع السائل.
*هل أطعمني سمًا؟* شعرت بحلقها يحترق.
“ها…”
ابتعدت شفتاهما ببطء بعد فترة طويلة بشكل غير طبيعي.
نظرت تاليا إليه، ناسية حتى ألم ساقيها.
بينما كان يحدّق في عينيها الموسعتين، أمال باركاس الزجاجة مرة أخرى وصبّ السائل المتبقي في فمه.
تلامست شفتاهما مجددًا.
غرزت تاليا أظافرها في ذراعه.
دافعًا السائل الممزوج برائحة الأعشاب إلى أعماق حلقها. ابتلعت رغماً عنها و لم تستطع إبعاده
أطبقت تاليا على أصابع قدميها، غارقة في الارتباك والخجل وإحساس غريب لم تشعر به من قبل.
بدأت الدواء يؤثر، ودارت الغرفة أمام عينيها.
استمر السائل الفاتر في التدفق إلى مريئها.
دقّت على صدره في ذعر، فانسحب عنها ببطء.
أخذت تاليا أنفاسًا عميقة ونظرت إليه.
على عكسها، التي كانت مشوشة تمامًا، بدا وجهه هادئًا كالمعتاد.
جعلتها هذه الرزانة تشعر بمزيد من الارتباك.
*هل كان ما حدث للتو مجرد وهم؟*
بينما كانت غارقة في الشك، مرر إبهامه على شفتيها.
أدركت أن شفتيها مبللتان تمامًا عندما سمعت صوتًا لزجًا.
أخفت تاليا وجهها في الغطاء بسرعة.
تنهيدة رطبة انسكبت فوق رأسها.
“الآن، انامي.”
أمسك رأسها وضغطه على صدره.
رتّبت أنفاسها المضطربة في حضنه النابض بالحرارة.
بعد قليل، بدأ الدواء ينتشر في جسدها. شعرت بضبابية متزايدة، وأمسكت بقميصه بقوة.
*لا تلمس ساقي أبدًا وأنا نائمة.* سمع همهمتها، فمرر يده برفق على ظهرها.
سرعان ما خسرت أطرافها قوتها، وأظلمت الرؤية أمامها. سقطت في النوم كأنها تتهاوى.
************
عندما فتحت عينيها مجددًا، كان ضوء الشمس ينير الغرفة بشدة.
نظرت تاليا إلى السقف بعيون لا تزال ناعسة، ثم أدارت رأسها فجأة عندما شعرت بحركة.
رأت باركاس يقف عند النافذة ويغيّر ملابسه.
انزلق ضوء الشمس عبر النافذة على جسده كتمثال جصي.
راقبته مفتونة، ثم التقت عيناه الهادئتان بعينيها.
انكمشت كتفاها.
كأن كل ما حدث الليلة الماضية كان مجرد وهم، تفحّصها باركاس بوجه خالٍ من التعبير.
التعليقات لهذا الفصل " 70"