كانت يداه شديدة البياض، ربما بيضاء كبياض بشرتها، بل وربما أكثر. يديه كانتا تملكان جمالًا رقيقًا وأنيقًا يصعب وصفه.
حين همّت “تاليا” بمدّ يدها نحوه دون وعي، أحست بالطائر الذي كانت تقبض عليه يتململ بين راحتيها، فهزّت رأسها بسرعة.
“لا، لا يمكن… أنا ممسكة بشيء.”
تحت غطاء معطفه المبتل من المطر، بدت عيناه تتضيقان قليلًا.
خفض بصره نحو يدها المضغوطة على صدره.
“هل هو شيء مهم؟”
ترددت “تاليا” قليلًا قبل أن تهز رأسها.
“ليس مهمًا…”
“إذاً تخلّي عنه.”
“ليس مهمًا، لكن لا أستطيع رميه.”
قالتها بعناد، مما جعل حاجبيه الأنيقين ينقبضان بوضوح. بدا وكأنه بدأ يفقد صبره… بل وخيّل إليها أنه ربما يتركها ويرحل.
لكن الصبي، بخلاف مظهره البارد، تصرف بطريقة لم تكن تتوقعها. انحنى نحوها وحملها بين ذراعيه، رغم أنها كانت مبللة بالطين والمطر.
صرخت “تاليا” فزعًا من هذه الحركة المفاجئة، لكن الصبي أحكم ذراعيه حولها وقال بنبرة جامدة:
“لا تتحركي.”
أطاعته “تاليا” على الفور.
خففت من قبضتها كي لا تؤذي الطائر وراقبته، بينما هو بدأ يتسلق الطريق الموحل المنحدر بخفة وسرعة مذهلتين تشبه خطوات القطط.
لكن رغم سرعته، لم يسلم من اتساخ ملابسه. نظر إلى حذائه وسرواله الموحلين، وإلى طرف رداءه المتسخ، وقال متمتمًا:
“هذا أسوأ ما يمكن.”
قالت “تاليا” بخجل:
“…لقد اتّسخت ملابسك لأني كنت بحاجة للمساعدة. سأعوّضك. يمكنني شراء ملابس أفضل بكثير من التي ترتديها الآن. في الواقع، أنا ابنة شخص في غاية الأهمية. وسأطلب من خدمنا أن يمنحوك مكافأة كبيرة أيضاً.”
كان حديثها نابعًا من شعورها بالذنب، لكنه بدا وكأنه انزعج مما قالته.
تقدّم الصبي خطوات قليلة وهو يتفادى التربة المبللة، ثم قال ببرود:
“صغيرة ومغرورة.”
احمرّ وجه “تاليا”. في العادة، كانت لتصفع من يتحدث إليها بهذه الطريقة. لا أحد يجرؤ على مخاطبة ابنة الإمبراطور هكذا.
لكن لسببٍ ما، لم تستطع الرد. رغم المطر الذي كان يتساقط على وجهها دون توقف، شعرت بحرارة غريبة على خديها.
توقّف الصبي تحت شجرة ضخمة لم يستطع الخادم “سينيفير” اقتلاعها. في تلك اللحظة، أطلق الطائر أنينًا خافتًا.
حين انحنى الصبي قليلاً وكأنه يهم بإنزالها، توقف فجأة ونظر نحو يديها المضمومتين على صدرها.
“ما الذي تمسكينه؟”
يبدو أن الفضول قد استبدّ به أخيرًا.
ترددت قليلاً، ثم فتحت كفّها بحذر.
“عصفور؟” تمتم بدهشة.
من الطبيعي أن يشكّ. فذلك الطائر الصغير، المغطّى بالطين والمبلّل حتى العظم، بدا أقرب لفأرٍ مبلل منه لطائر.
احمرّت “تاليا” خجلًا. لم يكن الطائر وحده من بدا بائسًا… بل شعرت وكأنها هي من باتت باهتة وضعيفة.
“سقط في الوحل… في الأصل كان أجمل من هذا…”
لكنها لم تُكمل الجملة. فذلك الطائر النحيف بلونه البني لم يكن جميلًا من البداية، بل مجرّد زرزور عادي تراه في كل مكان.
ومع ذلك، بدا أن الصبي قرر الاعتناء به.
حمل “تاليا” بيدٍ واحدة، ثم سحب يدها نحو داخل معطفه ليحمي الطائر من المطر.
اتسعت عينا “تاليا”. جلده كان دافئًا، كأنها تلامس وهج المدفأة. اقترب الطائر من عنقه ليتدفّأ.
“أصابعك مثل الجليد… منذ متى وأنت واقفة هناك؟”
سألها وهو يحدّق نحو الطائر القابع تحت ذقنه، ثم التفت نحوها. وبذلك، تمكّنت “تاليا” من رؤية عينيه عن قرب، تحت الرموش المبللة.
كانت عيناه غريبتين… كأنّ قطعًا فضية تناثرت في سماء شتوية صافية.
تمتمت بدهشة وهي تحدق فيهما:
“عيناك… وكأن فيهما تاجًا فضيًا.”
اتسعت عينا الصبي قليلاً.
فتح شفتيه وكأنه يود قول شيء، ثم أغلقهما. وفجأة، شعرت “تاليا” أنه هو أيضًا يحدّق في عينيها.
ترى، ماذا رأى بداخلي؟
في تلك اللحظة، انطلقت صرخة مألوفة من بعيد:
“آنسة!”
كانت المربية.
لطالما عجزت عن مناداة “تاليا” بـ”صاحبة السمو” كما يفترض، وكان ذلك يوقعها في المتاعب مع باقي الخدم. لكن يبدو أن تلك العادة لم تتغير.
صوتها البعيد كان يحمل رجاءً شديدًا.
تمتمت “تاليا” بصوت خافت:
“يبدو أن علي الذهاب…”
لم تعرف لماذا، لكن قول تلك الجملة كان مؤلمًا. وربما هو أيضًا لم يرغب في سماعها.
ظلّ واقفًا مكانه، دون حراك، كأنه لا يرغب بتركها تذهب، ثم أنزلها ببطء على الأرض.
وحين ابتعدت ذراعه عنها، اجتاحها بردٌ عميق حتى العظام. لم تدرك كم كانت في دفء حضنه إلا حين فارقته.
ترددت قليلاً، ثم مدّت الطائر نحوه.
“هل يمكنك الاعتناء به؟”
لأن يداي باردتان… وأنت دافئ.
قبل أن تكمل كلماتها، كان قد انحنى وتناول الطائر بحذر، ثم رفعه نحو خده الأبيض وسحب غطاء المعطف ليحميه من المطر.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"