هل يقصد أنّه من الأفضل إنهاء الأمور المزعجة بسرعة؟
بينما كانت تحدّق في عينيه بحثًا عن إجابة، شعرت فجأة بإرهاقٍ عميق وأغمضت جفنيها.
لم يعد الأمر يهمّ.
لن تحاول بعد الآن استكشاف ما في قلبه.
إن قبلها باركاس بدافع الواجب، فقد اختارت مكانًا بجانبه لتردّ الجرح الذي تلقّته.
لذا، لن ترتكب حماقة بحيث تتوقّع أي شيءٍ منه.
كرّرت العهد الذي ردّدته آلاف المرّات.
الليلة، ستنهي هذا الحبّ الملعون إلى الأبد.
لكنّها كانت تعلم.
الحبّ الذي قتلته الليلة، سيعود ليطاردها غدًا…
* * *
لم يمضِ وقتٌ طويل حتّى هزّت أخبار زفاف الأميرة الثانية القصر الإمبراطوريّ بأكمله.
تحت إشراف الإمبراطورة، بدأت وصيفات القصر الرئيسيّ بتزيين قاعة الاحتفال بفخامة، بينما كان الخدم يتنقلون بلا توقّف بين مخازن الطعام والمطابخ لتحضير الخمور والمأكولات للضيوف.
لكن على الرغم من هذا النشاط، كان هناك جوٌ ثقيلٌ ومشوّش يعمّ القصر.
بينما كان إيدريك يغادر قاعدة الإمداد، لاحظ مجموعةً من المتدرّبين يتجمّعون في زاويةٍ من ساحة التدريب يتهامسون، فعقد حاجبيه.
كانت كلماتٌ مزعجة تصل إلى أذنيه.
“في النهاية، الأمّ وابنتها خسرتا رجليهما عبر الأجيال.”
راقب إيدريك بعناية الفتى الذي يضحك بوقاحة.
كان ابن الفيكونت كيندن، متدرّبٌ يسبّب المشاكل بتشكيله فصائل بين الفرسان المتدرّبين.
وضع الفتى سلاح التدريب على الحامل وتابع:
“سمعتُ أنّ الأميرة الثانية نسخةٌ طبق الأصل من الإمبراطورة. مع وجهٍ كهذا، لا عجب أنّ السير شيركان وقع في حبّها.”
“تظنّ أنّ القائد يعرفك؟”
هزّ فتىٌ ضخم رأسه.
“من الأساس، لم يكن لهذا الزواج أن يتمّ لولا أمر جلالته. لو لم تكن الأميرة الأولى…”
“يا لك من ساذج! عائلة شيركان ليست من النوع الذي يغيّر خطيبًا بأمرٍ من جلالته.”
نقر الفتى بلسانه.
“بالطبع، قبلوا الأمر لأنّهم كانوا يريدونه! علاوةً على ذلك، ألم يكن السير شيركان حارس الأميرة الثانية؟ من يدري، ربّما كانا على علاقةٍ منذ البداية. سمعتُ من بعض من شاركوا في موكب الحجّ أنّهما كانا يبدوان غريبين…”
“لا تتحدّث بجهل. هل تعرف كم عذّبت الأميرة الثانية القائد خلال فترة حراسته؟ وجهٌ جميلٌ لا يكفي. لقد شاهد كلّ شيءٍ عن طباعها، فكيف يقع في حبّها؟”
ضحك متدرّبٌ يرتبّ سهام التدريب بسخريةٍ صاخبة:
“علاوةً على ذلك، أصبحت الأميرة الثانية معاقةً بعد هذا الحادث. من سيختار مثل هذه المرأة ويترك شخصًا مثل الأميرة الأولى؟ لا شكّ أنّها استخدمت حيلةً خبيثة…”
“يبدو أنّ التدريب الآن يتمّ بالفم.”
تدخّل إيدريك فجأة، فانتفض المتدرّبون واستقاموا.
نظر إليهم بنظرةٍ باردة:
“هل تعلمون أنّ ما قلتموه الآن يمكن أن يُعتبر إهانةً للعائلة الملكيّة؟”
شحبت وجوه الفتيان على الفور.
نظر إيدريك إلى وجوههم بعناية وأضاف بصرامة:
“فيلق رويم هو فيلقٌ تأسّس لحماية العائلة الملكيّة. إن كنتم تنوون الانضمام إليه، فعليكم على الأقلّ أن تتعلّموا عدم التحدّث عن العائلة الملكيّة بتهوّر في الأماكن العامّة.”
استدار إيدريك ورأى السير تيوريك هارت، أحد كبار الفرسان، فاتّسعت عيناه.
ابتسم تيوريك وقال:
“يبدو أنّ الانضباط قد شُدّد بقوة.”
“ما الذي أتى بك إلى ساحة التدريب في هذا الوقت؟”
نظر إيدريك إلى برج الساعة بدهشة.
لم يكن الوقت قد تجاوز الظهر بعد.
أليس هذا الوقت الأكثر ازدحامًا للفرسان الكبار في القصر الرئيسيّ؟
أمام نظرته المتسائلة، ضحك تيوريك وهو يعبث بشعر إيدريك بيده الكبيرة:
“جئتُ مسرعًا لأحمل إليك أخبارًا سارّة. لقد أُلغي عزلك أخيرًا. من الغد، ستعود للعمل تحت إمرتي مباشرة.”
توقّف إيدريك ونظر إليه.
على الرغم من أنّها أخبارٌ سارّة، شعر فجأة بمشاعر معقّدة.
سأل متردّدًا:
“إذًا، من سيتولّى حماية الأميرة الثانية؟”
تقلّصت عينا قائده قليلًا.
أزال تيوريك ذراعه من كتفه وتنهّد بثقل:
“تمّ استبعاد فيلق رويلم بالكامل من حماية الأميرة الثانية. الإمبراطورة طرحت تساؤلات حول إهمالنا المتعمّد لحمايتها. بل إنّها أصرت على عدم تكليفنا بحماية الأمير الثاني أيضًا.”
تصلّب وجه إيدريك.
كان هذا بمثابة إهانةٍ لشرف فيلق رويم.
منذ تأسيس الإمبراطوريّة، كان فيلق رويم يخدم ويحمي العائلة الملكيّة عن قرب.
لكنّ دورهم التقليديّ قد تمّ نفيه.
أنزل إيدريك رأسه بضعف:
“أنا آسف. بسبب فشلي في أداء واجبي، تعرّض الفيلق لهذا الإذلال…”
“ليس خطأك. الحادث كان مفاجئًا لم يتوقّعه أحد. لا داعي للوم نفسك.”
ربت تيوريك على كتفه مواسيًا.
لكنّ وجه إيدريك لم ينفرج، ففكّر تيوريك للحظة وهو يفرك قفاه، ثمّ قاد فجأة مرؤوسه خارج ساحة التدريب.
تبعه إيدريك بدهشة.
بعد المشي بصمتٍ لفترة، توقّف تيوريك في مكانٍ خالٍ من الناس وتكلّم:
“أعلم أنّك شخصٌ يتحمّل المسؤوليّة. لكن هذا الحادث ليس مسؤوليتك حقًا، فلا تقلق بشأنه عبثًا.”
عبس إيدريك:
“كنتُ حارسها الشخصيّ. إذا فكّرنا في الأمر، فالمسؤوليّة الأولى عن فشل الحماية تقع عليّ. فكيف لا…”
“الهجوم في ذلك اليوم كان مؤامرةً من الإمبراطورة.”
توقّف إيدريك عن الحركة ونظر إلى وجه قائده بعيونٍ مذهولة.
نظر تيوريك إلى الأرض بتعبيرٍ مظلم وتابع بهدوء:
“ألا تجد ذلك غريبًا؟ أن تهاجم التنانين الطائرة جيشًا في مثل هذا التوقيت… عادةً، لا تهاجم الوحوش الكبيرة مثل التنانين الطائرة الجيوش المسلّحة ما لم يتمّ اقتحام موائلها. ومعسكرنا كان بعيدًا جدًا عن موائلها.”
“صحيح، وجدتُ ذلك غريبًا، لكن لا يمكننا الجزم بأنّ الإمبراطورة هي من دبّرت ذلك…”
“قبل الهجوم، وردت تقارير عن تحرّكاتٍ مشبوهة لمرافقي الأميرة الثانية.”
تصلّبت نبرته:
“علاوةً على ذلك، تمّ العثور على آثار سحرٍ عالي المستوى في المنطقة القريبة من الحادث. على الأرجح، تسبّب أحدهم عمدًا في إثارة موائل التنانين الطائرة.”
فتح إيدريك فمه مذهولًا.
عندما أدرك معنى كلام قائده، تدفّق العرق البارد على ظهره.
“لكن الأميرة الثانية كانت تشارك في رحلة الحجّ. كيف يمكنها أن تعرّض ابنتها للخطر بهذه الطريقة…”
“لذلك تمكّنت من تجنّب الشكوك بسهولة.”
نظر إيدريك إليه بوجهٍ شاحب، عاجزًا عن الكلام.
تابع تيوريك بنبرةٍ قاتمة:
“الإمبراطورة شخصٌ دقيقٌ بشكلٍ مخيف. أجرينا تحقيقًا سريًا بعد الحادث مباشرة، لكن لم نجد أيّ دليلٍ قاطع سوى بعض الأدلة الظرفيّة. والضحيّة الأكبر في هذا الحادث هي ابنتها الحقيقيّة. في مثل هذه الظروف، من يجرؤ على طرح الشكوك؟”
أنزل إيدريك بصره ببطء.
تذكّر صورة الأميرة وهي تبكي مدفونةً تحت الأنقاض.
تذكّر أيضًا كيف كانت تتلوّى من الألم أثناء الإسعافات الأوليّة.
تلك المرأة تعرّضت لهذا المصير على يد والدتها الحقيقيّة.
التعليقات لهذا الفصل " 64"