الفصل 49
*********
لماذا شعرت بالذعر لمجرّد أنّها فتحت عينيها في منتصف الليل؟
أخذت تاليا نفسًا عميقًا وحاولت تهدئة قلبها الذي كان ينبض بعنف، لكنّ شعور الاختناق ازداد قوة.
حاولت دفع الهواء بصعوبة إلى مجرى تنفّسها الضيّق، لكنّها لم تتحمّل الشعور بالضيق، فقامت من مكانها.
كانت ساقها المجبّرة تتألّم، لكنّها كانت على وشك أن تختنق، فلم يكن لديها وقت للتفكير. ترنّحت تاليا وهي تترك العربة كأنّها تتدحرج، وفتحت فمها بقوة لتستنشق الهواء بينما كانت تسير متعثرة.
سرعان ما اكتشفت ضوءًا يتراقص على بُعد.
شعرت بالراحة تنتشر في صدرها، وسحبت ساقيها المتشنّجتين بصعوبة نحو خيمة كبيرة كان يُشعل فيها موقد نار.
فجأة، سمعَ صوت امرأة مرح ممزوج بالسخرية يحمله النسيم.
“لقد تلقّت عقابًا إلهيًا.”
توقّفت تاليا فجأة.
كانت امرأة تجلس أمام النار، تحرّك الحطب بعصا طويلة وتتحدّث بصوت عالٍ.
“الجميع يعرف. لقد لعنت تلك المرأة الأميرة الأولى. بل اقتحمت حفل عيد ميلادها وتسبّبت بالفوضى!”
ارتفع صوت الخادمة بحماس.
تفحّصت تاليا وجهها المضاء بنور النار. لم يكن مألوفًا، فبدت وكأنّها خادمة تخدم آيلا أو غارسيل.
رفعت الخادمة كأسًا لترتشف منه، ثم عادت لتتحدّث بحماس:
“من الواضح أنّ الإله عاقبها. لقد عادت لعنتها إليها، إنّه جزاء وفاق!”
“سمعتُ أنّها قد تصبح معاقة، هل هذا صحيح؟”
“الاحتمال كبير! سمعتُ من خادمة تخدم الأميرة الثانية أنّ عظام ساقها تحطّمت تمامًا، واضطروا لتجميعها كأحجية على مدار ساعات.”
ارتعدت تاليا ونظرت إلى ساقيها.
انخفض صوت المرأة قليلًا.
“يقال إنّ ندوبًا مروعة ظهرت على جسدها. جلدها مشوّه تمامًا، ويبدو أنّ السحر لا يستطيع إزالتها بشكل نظيف. مليئة بالبقع، بشعة جدًا.”
“الآن لن نرى تلك المرأة تتجوّل في القصر كما تشاء.”
“بالطبع. لقد أصيب كبرياؤها الوحيد بخدش! كيف يمكنها التفاخر كما كانت بجسد كهذا؟”
انفجرت ضحكات ساخرة من هنا وهناك.
وقفت تاليا مصدومة، ثم اقتربت من المرأة، ساحبة ساقيها ببطء.
تحوّلت وجوه من رأوا ظلّها إلى شحوب، لكنّ المرأة التي كانت تتحدّث بحماس لم تلحظ وجودها بعد. واصلت المرأة حديثها:
“الآن انتهت فرصها في الزواج. أيّ عائلة ستقبل امرأة غير شرعيّة ومعاقة؟”
صرخت المرأة فجأة بنبرة حادّة عندما أمسكت تاليا بشعرها المضفور بقوة.
تحوّل جلد المرأة إلى اللون الأبيض من الصدمة والخوف عندما رأت وجه تاليا.
نظرت تاليا إليها وابتسمت بسخرية خفيفة.
“لماذا توقّفتِ؟ تابعي حديثكِ.”
“س، سموّكِ…”
“لماذا ترتجفين خوفًا من امرأة غير شرعيّة ومعاقة؟”
اتّسعت عينا المرأة، وبدأت أنفاسها المرتجفة تنطلق من بين شفتيها اللتين كانتا تهتزان.
“أ، أخطأتُ، سموّكِ. لقد ارتكبتُ ذنبًا عظيمًا…”
“ما الذنب الذي ارتكبتِه؟”
“أنا، أنا…”
تردّدت المرأة وهي ترتجف، ثم أكملت بصعوبة:
“لقد أهَنْتُ سموّ الأميرة بكلماتٍ بذيئة. أرجوكِ، تفضّلي بالعفو…”
“إذا أخطأتِ، يجب أن تُعاقبي. لماذا تفكّرين في العفو أولًا؟”
تحوّل وجه المرأة إلى اللون الرمادي تقريبًا.
نظرت تاليا إلى وجهها الشاحب، ثم أدارت رأسها لتتفحّص ببطء من حول النار.
تجمّدت الخادمات كما لو كنّ فئرانًا أمام ثعبان،
وانخفضن إلى الأرض. رأت تاليا بينهنّ فارسًا متوترًا، فأشارت إليه برأسها.
“أنت، تعالَ إلى هنا.”
تردّد الفارس للحظة، ثم اقترب منها بخطوات متردّدة.
سحبت تاليا شعر المرأة للأسفل، فجعلتها تركع أمام الفارس.
“لقد أهانتْ أحد أفراد العائلة المالكة بلسانها، فيجب أن تدفع الثمن. هيّا، أخرج سيفك وافعل ما يجب.”
تصلّبت كتف الفارس بشكل ملحوظ.
كانت المرأة تبكي الآن بنحيب يُشبه الاختناق. نظر الفارس إليها بوجه مظلم، ثم وضع يده على صدره وانحنى بعمق.
“سموّكِ، نحن الآن نعدّ للجنازات ونعتني بالجرحى، وعددنا قليل. إن نفّذنا إعدامًا الآن، سيتسبّب ذلك في اضطراب وقلق غير ضروريين. لذا أرجوكِ، اهدئي من غضبكِ…”
“هل تعني أنّك ستعصي أمري؟”
أغلق الفارس فمه بقوة وأحنَى رأسه أكثر.
ضحكت تاليا بسخرية عند هذا التأكيد الصامت، ثم عبست فجأة.
“إذا لم تستطع، سأفعل ذلك بنفسي.”
ألقت تاليا بشعر المرأة كما لو كانت ترمي شيئًا بعنف، ثم اندفعت نحو الفارس. تفاجأ الرجل بحركتها المفاجئة وأمسك كتفيها بغريزة. نظرت تاليا إليه بعينين مشتعلتين بالغضب.
“كيف تجرؤ على لمس جسدي دون إذن؟”
أبعد الرجل يديه بسرعة كما لو أنّه لمس النار. استغلّت تاليا الفرصة وأمسكت بمقبض السيف المعلّق على خصره.
لكنّ السيف الطويل الذي يستخدمه الفرسان كان أثقل ممّا توقّعت، وساقاها لم تكونا قادرتين على تحمّل وزنها حتى. فقدت تاليا توازنها وسقطت على الأرض كما لو كانت تنهار.
ساد صمت مروع فوق هذا المشهد المخجل.
أمسكت تاليا بساقيها المرتجفتين ونظرت للأعلى.
كانت وجوه الفرسان والخادمات المتيبّسة تملأ رؤيتها.
أثارت ذكرى قديمة فوضى في عقلها. أعين باردة لا حصر لها تنظر إليها وهي ملقاة بضعف على قيئها. عادت مشاعر الخزي والإذلال والخوف البدائي لتحرق دماغها.
أمسكت تاليا بالأرض بيد مرتجفة وحاولت رفع جذعها بقوة. أرادت القفز من مكانها وفرض هيبتها وسلطتها كأميرة، لكنّ ساقيها لم تتحرّكا.
حاولت تاليا تقويم ساقيها العاجزتين بأيّ طريقة، لكنّها لاحظت المرأة التي كانت تسخر منها تقف بجانبها، تنظر إليها وهي تزحف على الأرض.
لم تستطع تحمّل هذا الأمر.
تحسّست تاليا الأرض، وأمسكت بحطبة من النار. شعرت بحرارة النار تحرق أصابعها، لكنّ الألم الجسدي لم يكن ليتفوّق على ألم كرامتها المحطّمة.
ضربت وجه المرأة بالحطبة المشتعلة.
انطلق صراخ حادّ.
لم تكتفِ بذلك، وحاولت رفع الحطبة مرة أخرى، لكنّ ظلًا أسودًا قفز من الظلام وانتزع جسدها.
تمرّدت تاليا كوحش غاضب. لكنّها توقّفت فجأة عندما شمّت رائحة مألوفة. كان باركاس يحملها بسهولة بذراع واحدة، ينظر إليها بنظرة باردة.
تحت هذه النظرة، كانت تتنفّس بصعوبة. انتزع الحطبة من يدها وألقاها بعيدًا. كما فعل سابقًا عندما سلب سيفها، سلب سلاحها مرة أخرى.
غضبها تفجّر.
هذا الرجل لا يقف إلى جانبها أبدًا.
لن يقاتل من أجلها، ومع ذلك يمنعها من حماية نفسها.
التعليقات لهذا الفصل " 49"