الفصل 43
نظرت تاليا بعيون مرتعبة إلى الشكل الأسود الذي كشفت عنه أشعة الشمس الغاربة.
كان الجسد الضخم المغطى بالحراشف يتقلص كالبركان قبل الانفجار، ثم ارتفع عاليًا. رأس ضخم يشبه الزواحف، متوج بقرون، أضاءت عيناه الحمراء وهو ينظر إليهم.
سقطت تاليا على الأرض، أضعف من أن تقاوم. عندما فرد الوحش أجنحته المغطاة بغشاء أسود، بدا العالم كله مغطى بالظلام.
شهر باركاس سيفه وصرخ بنبرة حادة:
“أحضروا معدات القضاء فورًا!”
ما إن صدر أمره حتى اندفع الفرسان من بين الحشد المذعور.
حاصروا الوحش وغرزوا أوتادًا حديدية في الأرض، ثم ربطوا سلاسل قوية بها. أطلقوا عشرات الحراب الفولاذية نحو جسد الوحش الضخم كالسهام.
سدّت تاليا أذنيها. زأر الوحش برأسه المرفوع، مطلقًا صوتًا مدويًا.
كلما تلوى جسده الضخم المقيد بالسلاسل، هزّت الأرض، واقتلعت بعض الأوتاد وطارت في الهواء.
“ابتعدوا جميعًا!”
تردد صوت أحدهم مدويًا، وفي اللحظة ذاتها، لوح الوحش بجناحه بعنف بعد أن تحرر من قيوده.
صرخت تاليا. اجتاح جناح الوحش خيمتين، وطارت خمسة أو ستة من الخدم الذين لم يتمكنوا من الاستعداد، كأوراق متناثرة.
تدحرج جسد أحدهم بزاوية غريبة قربها. بدا الأمر ككابوس.
“أحضروا المزيد من المعدات!”
أبقى صوت باركاس القاسي وعيها متيقظًا. نهضت تاليا بصعوبة على ساقيها المرتجفتين، ونظرت بوجه شاحب إلى باركاس وهو يندفع نحو الوحش الثائر كوميض البرق.
كان يندفع نحو فم الوحش الضخم، الذي يبلغ حجمه أكثر من 30 كوبيت (حوالي 9 أمتار).
“باركاس!”
خرج اسمه من فمها كصرخة، وفي تلك اللحظة، لوح جناح الوحش نحوه كالسوط.
نظرت تاليا إلى المشهد بعيون مرتعبة.
غطى الجناح الأسود الضخم جسد باركاس في لحظة، وأظلم عالمها. لكن في اللحظة التالية، مزق سيفه الحاد الغشاء السميك كالورق.
قطع باركاس جناح الوحش أفقيًا، ثم قطع العضلات السميكة المتصلة بجسده.
فقد الوحش توازنه وهوى بشدة بعد خسارة جناحه.
استغل باركاس الفرصة، وأخرج منجلًا متصلًا بسلسلة من خصره، ورمى الشفرة المنحنية داخل فم الوحش المرعب المملوء بالأسنان الحادة.
ثم انزلق جانبًا، وربط السلسلة بالوتد المثبت في الأرض، وسحبها بقوة.
سقط الوحش، المقيد بفكه السفلي بالمنجل، كسمكة علقت في خطاف. ذهلت تاليا من قوته الهائلة التي لا تتناسب مع جسده النحيل.
أمسك باركاس السلسلة بكلتا يديه وصرخ لجنوده:
“أنهوه الآن!”
تغرزت عشرات الحراب في جسد الوحش.
قاوم الوحش المغطى بالحراشف بضراوة، لكنه كان عاجزًا أمام الهجمات المتتالية.
تحول الوحش إلى شكل يشبه القنفذ، ثم سقط على الأرض وهو يلهث بلسانه الطويل. أخيرًا، أطلقت تاليا نفسًا كانت تحبسه.
“هل أنتِ بخير؟”
اندفع أحد فرسان الحرس من مكان ما، ينظر إليها بقلق. يبدو أنه كان يبحث عنها وهرع إلى مكان المعركة، ممسكًا بسيفه.
أعاد السيف إلى غمده بسرعة ومد يده ليساعدها على النهوض.
نفضت تاليا يده بعنف، واقتربت من باركاس، الذي كان يستعيد معداته من جسد الوحش.
نظر إليها باركاس بنظرة خاطفة وهو يلف السلسلة بيده، كأنه يتفحص حالة شيء ما.
لم تشعر بالغضب من تلك النظرة الباردة في تلك اللحظة. سألته بنبرة قلقة دون وعي:
“هل… هل أنت بخير؟ هل أصبت؟”
تفحصته بعيون مرتجفة، ولاحظت بقعة دم داكنة على عنقه.
مدت يدها لتلمس عنقه. لحسن الحظ، لم يكن دمه.
تنهدت براحة، لكنها شعرت فجأة بوخز في رأسها.
رفعت عينيها، ورأت باركاس ينظر إليها بعيون متسعة قليلًا، فأنزلت ذراعها بسرعة.
شعرت بالعرق يتصبب من مسامها بسبب صمته.
هل يجده مضحكًا أن المرأة التي كانت تضربه وترمي الأشياء عليه تعبر عن قلقها الآن؟ تمتمت تاليا بحرج كأنها تبرر:
“لو حدث شيء لشخص أعرفه منذ ما يقرب من عشر سنوات أمام عينيّ، سأرى كوابيس. لا أريد أن أرى كوابيس بسببك.”
“لن أظهر في أحلامك، فهذا أمر مريح.”
شعرت بالراحة من رده المزعج المعتاد لسبب ما.
أرخَت تاليا كتفيها المتصلبين، التي كانت تؤلمها.
بينما كان باركاس ينظر إليها وكأنه سيقول شيئًا، دوت صرخة من بعيد. أدارت تاليا رأسها وشهقت. كانت وحوش سوداء تغطي السماء.
تمتم أحد فرسان الحرس بوجه مذهول:
“لماذا يأتي سرب التنانين في هذا الوقت…؟”
“بدلًا من التساؤل، أحضر معدات القضاء! صاحبة السمو، تعالي إلى هنا.”
استعاد باركاس رباطة جأشه وأصدر أوامره بنبرة حادة، ثم أمسك بمعصمها وسار بسرعة عبر المخيم.
تبعته تاليا، ملتصقة بظهره، تتحرك بسرعة حتى شعرت وكأن قدميها تحترقان. تفوح رائحة الدم والنار من كل مكان.
الفوضى. الفوضى التي طال انتظارها قد بدأت أخيرًا.
لكنها لم تشعر بالبهجة. كان الخوف الجليدي يتدفق في عروقها.
“السير شييركان! لقد أقمنا جدارًا دفاعيًا هناك!”
بينما كانت تنظر بذهول إلى الوحوش وهي تدمر العربات والخيام، صرخ أحدهم.
أدار باركاس خطواته فورًا.
“لا تغادري هذا المكان مهما حدث.”
قادها إلى وسط المخيم بنبرة حازمة.
نظرت تاليا حولها. كان هناك حشد من الناس يحتمون خلف جدار طويل من عربات الأمتعة.
“العربات مزودة بأدوات دفاع سحرية. ستكونين آمنة هنا.”
“وماذا عنك؟ ماذا ستفعل؟”
تجاهل باركاس سؤالها وأدار ظهره.
أمسكته تاليا بسرعة.
“هل جننت؟ إلى أين تذهب الآن؟”
“السحر الدفاعي لن يدوم طويلًا. يجب أن نتعامل مع الوحوش قبل ذلك.”
أزاح يدها بحزم واندفع نحو مكان المعركة.
نظرت تاليا إلى ظهره المبتعد بوجه مذهول، ثم تبعته دون تفكير.
“لا! لا تذهب! باركاس! باركاس!”
التعليقات لهذا الفصل " 43"